عندما أرتفع صليب الرب يسوع فوق هضبة الجلجثة ظنت جحافل الشر في يومها أنها انتصرت على كل القيم الروحية ، وكل المعاني الحلوة ، لكن مهلاً هل يموت رب الحياة ؟! بالطبع لا وألف لا… إنما سيدي أمات الموت بموته ، إذ صارع الموت في عرينه فصرعه ، وأبطل قوته ، ونزع شوكته ، وفي فجر الأحد قام الرب يسوع يعلن عن انتصاراته التي أضحت انتصاراتنا ، فطالما نحن في المسيح فيمكننا أن نشدو ” يعظم انتصارنا بالذي أحبنا(رو8: 37)ونحن نرى في قيامة فادينا الحبيب عدة انتصارات نذكر منها الآتي :-
أولاً: القيامة انتصار للحب على الكراهية
لقد داس المسيح الموت بموته ليعلن انتصار المحبة على الكراهية، وانتصار الصفح والغفران على الحقد وحب الانتقام، وانتصار السلام على الحرب والخصام ، ولكي يؤكد لنا أن نفوذ الحب أقوى من حب النفوذ
فعندما تجسد الرب يسوع ، تجسد الحب الإلهي ، وقدم للعالم كله المحبة الإلهية ، المحبة التي ليس لها مثيل أو نظير ، المحبة التي لا تُقارن ولا تضارع .
ولعل أقوى دليل على ذلك أنه فوق الصليب، والرب يسوع في قلب الآلام المبرحة، وتحيط به أحقاد الحاسدين ، وشرور الآثمين ، وخيانة المجرمين، رفع صلاته المشهورة ” يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ” (لو23: 34). فالمحبة لا تسقط أبداً .
نعم ! فقيامة المسيح من بين الأموات انتصار للحب على الكراهية ولو لم تكن هناك قيامة لكان معنى هذا أن كراهية الإنسان في النهاية هزمت محبة الله.
ثانياً : القيامة انتصار للحق على الباطل
عندما تجسد الرب يسوع أعلن لنا الحق عن الله، بل كان هو في ذاته الحق متجسداً ، ولذلكقال ” أنا هو الطريق والحق والحياة ” (يو14: 6).
ولكن رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب تآمروا عليه، وبدا للعالم آنذاك أن الباطل يمكن أن ينتصر على الحق، وخارج قاعات المحاكمة علا هتاف الباطل ” اصلبه.. اصلبه ” وصدر الحكم بعد محاكمة هزلية صورية دافعها الحقد والأنانية بالصلب وقد كان … صلبوه .. ودفنوه، ووضعوا الحجر الكبير على قبره وظنوا أنهم قد تخلصوا منه، واستراحوا من صوت طالما كان يوبخهم وينذرهم ويكشف عريهم وخزيهم.
ولكن في فجر الأحد قام المسيح ، وبقيامته أعلن لنا أن الحق لا يمكن أن يموت، ولا يمكن أن يُقبر ، وأن الحق أقوى من الباطل بما لا يقارن.
وفي هذه الأيام ونحن نحتفل بالقيامة هل ندرك أن الكنيسة هي عمود الحق وقاعدته ( 1تي3: 15) بمعنى أن دورها ليس فقط إعلان الحق بل أيضاً الدفاع عنه؟!.
ثالثاً: القيامة إنتصار للخير على الشر
عندما كان الرب يسوع بالجسد على أرضنا، كان يجول يصنع خيراً (أع10: 38)، عاش يزرع الحب، ينثر العطف، يبذر الرفق، يمنح الحنان.
كم من معجزات صنع ..؟! كم من أمراض شفى …، كم من دموع كفكف ؟! كم من قيود حطم، كم من جراح عصب، كم من جياع أشبع ؟! كم من متعبين أراح ؟!
وبالرغم من هذا إقتادوه إلى ساحة المحاكمة، وسط الهزء والسخرية ، وبعد محاكمة ظالمة ذاق فيها السيد جحود الإنسان، وتصلد الوجدان، ومشاعر النكران، على هضبة الجلجثة صلبوه، وكم كانت الآلام، فوق حد الاحتمال، أكثر من الخيال، وعندما وُضع في القبر، وأزاح الحراس الحجر الكبير على بابه ظنوا أنهم اسدلوا الستار على الرواية ، ووصلوا للنهاية، وأن المسيح قد انتهي، إنتهتمعه تعاليمه التي نادي بها، ومبادئه التي حاول أن ينشرها… لكن المسيح قام منتصراً وبرهن بقيامته أن الخير لابد أن ينتصر على الشر.
رابعاً : انتصار للنور على الظلام
أعلن الرب يسوع في يوم من الأيام قائلاً: أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة (يو12: 46).لكن وآسفاه أحب الناس الظلمة أكثر من النور لآن أعمالهم كانت شريرة ، لان كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله (يو3: 19، 20) وتكاتفت جحافل الظلم والظلام وأعلنت عن كراهيتها للنور وترجمت هذا الاتجاه في قصة الصليب .
لكن الجدير بالذكر نجد ريشة الوحي المقدس تصور لنا ساعة الصلب، ساعة ظلام دامس.
نعم ! لقد خيم الظلام على الأرض ، وكأن الطبيعة تتشح بالسواد في حزن عميق وهي تشاهد رب الطبيعة في آلام فوق حد التصور، وفي فجر الأحد قام نور العالم من الأموات، وأشرق شمس البر بنوره وضيائه فمن ذا الذي يستطيع أن يمنع الشمس من الشروق ؟! … وهل يمكن أن ينتصر الظلام على النور؟! إن قيامة المسيح أعلنت انتصار النور على الظلام.
خامساً: القيامة انتصار للرجاء على اليأس
بلا شك لقد ترك الصليب التلاميذ في حالة من الحزن العميق، والإحساس باليأس والإحباط المقرون بخيبة الأمل، وبإيجاز لقد تركهم الصليب محطمي القلوب، ولكن عندما قام المسيح “فرح التلاميذ إذ رأوا الرب” كيف لا؟! وقد إحتضن ضعفهم، وعالج شكهم، وبعث فيهم الأمل والرجاء من جديد لهذا كانت القيامة إنتصاراً للرجاء على اليأس والإحباط.
سادساً : القيامة انتصار للحياة على الموت
نعم ! أعتى وأعدي عدو للإنسان هو الموت ، حتى أن الرسول بولس يقول آخر عدو يُبطل هو الموت (1كو15: 26) .
إنه العدو الذي بسط سلطانه البغيض على الجميع فإمتدت قبضته الرهيبة إلى البشرية جمعاء،إنه ملك الأهوال ، مجرد ذكر إسمه يزعج الإنسان ، ويتصاغر أمامه الأبطال ، فلا أحد يعرف ماذا بعد الموت ؟ فالموت له رهبته وقسوته، ولكن الرب يسوع أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (2تي1: 10)، وقام ظافراً منتصراً هاتفاً “أين شوكتك يا موت ؟ أين غلبتك يا هاوية”(عب2: 14).
نعم ! لو أن المسيح قد مات دون أن يقوم ثانية ، لكان معنى هذا أن الموت استطاع أن يقضي على أعظم حياة ظهرت في الوجود ، لكن القيامة هي البرهان القاطع أن الحياة أقوى من الموت.