تسطر ريشة الوحي المقدس في (خروج12: 42)“هي ليلَةٌ تُحفَظُ للرَّبِّ لإخراجِهِ إيّاهُمْ مِنْ أرضِ مِصرَ. هذِهِ اللَّيلَةُ هي للرَّبِّ. تُحفَظُ مِنْ جميعِ بَني إسرائيلَ في أجيالِهِمْ.“. لحظة حاسمة وفاصلة وفارقة في تاريخ شعب الله. ليلة لا تُنسى … الليلة الأخيرة لشعب
لقد كان خروجهم بصورة معجزية، وفيه نرى العديد من الدروس الروحية واللاهوتية أذكر منها الآتي:
أولاً: عدالة الله:
لقد تكلم الله كثيراً لفرعون من خلال الضربات التي جرت على يد موسى قبل أن يقضى عليه.
البعض يسأل كيف يقول الرب لموسى عن فرعون ” ولكني أقسي قلب فرعون” (خر7: 3). فهل من العدل أن يقسى الله قلب إنسان، ثم بعد ذلك يدينه ويعاقبه … ما معنى هذه العبارة ” وللإجابة على هذا السؤال نذكر بعض الحقائق:
1. الله لا يقسي قلب أي إنسان
” فهو يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَقِّ يُقبِلونَ” (1تي2: 4). “وهو لا يسر بموت الشرير بل أن يرجع عن طرقه الردية “(حز18: 23). ” والدارس لإنجيل لوقا ص15يرى كيف أن الله يبحث عن الخروف الضال حتى يجده وينتظر الابن الضال حتى يرجع.
2. كان فرعون منذ البداية عنيداً وقاسياً
نقرأ في (خر1: 11 عن استعباده لشعب الله وإذلالهم، وفي (خر1: 15- 19 أمر بقتل كل طفل ذكر يولد في شعب الله … هل رأيت قساوة أبشع وأشنع من ذلك.
وفي خروج ص5: 1نقرأ أن الله أرسل موسى وهرون ليقولا لفرعون ” هكذا يقول الرب أطلق شعبي” (خر5: 6- 11) فكانت إجابته الإلحادية بعصيان وتعنت وتصلف” لا أعرف الرب … وإسرائيل لا أطلقه.
3. الدارس المدقق يجد أن الله كان يرسل موسى لينذره قبل كل ضربة من الضربات الستة الأولى حتى يرجع عن طريقه، وكان هناك تدرجاً في الضربات لعل فرعون يرجع عن قساوة قلبه، ويعرف الرب ويطلق شعبه، ولكنه كان عنيداً وقاسياً.
4. لم يكن الرب يحذره فقط قبل كل ضربة، ولكن بعد كل ضربة عندما كان يذهب ويتضرع إلى موسى وهرون لكي يصليا إلى الرب ليرفع عنه الضربة، وكان الرب يستجيب.
5. الدارس لخروج ص7، 8، 9 يجد عبارتي ” إشتد قلب فرعون” وأغلظ فرعون قلبه“ سبع مرات، أي أن فرعون بكامل حريته وإرادته هو الذي أغلظ قلبه.
في هذا الإطار وردت عبارة ” ولكني أقسى قلب فرعون”(حز7: 3).
وهذا يعني تفسير من اثنين في غاية الأهمية:
أ. المعنى الأول: أن الله سُيظهر قساوته أمام الجميع، في ضوء فكرة (بضدها تتبين الأشياء).تتضح لنا الفكرة، فلقد تعامل الله مع فرعون بصبر وطول أناة ورحمة ورأفة بصورة فوق الخيال، إلا أن فرعون كان في منتهى القساوة والعناد والتصلف والتكبر والتجبر والتحجر فظهرت قساوة قلبه عياناً بياناً.
ب. المعنى الثاني: بمعنى أن الرب أسلمه إلى ذهنه المرفوض، ليفعل مالا يليق، كما يقول الرسول بولس في (رو1: 22، 28، 9: 14- 7). لذلك أسلمهم الله أيضاً إلى شهوات قلوبهم … أسلمهم الله إلى أهواء الهوان… أسلَمَهُمُ اللهُ إلَى ذِهنٍ مَرفوضٍ ليَفعَلوا ما لا يَليقُ...(أسلمهم) أي (تركهم)
ثانياً: الإستهانة بقيمة الحرية وطول أناة الله تعرضنا للعقاب الإلهي
لقد خلق الله الإنسان حراً، وكل منا يختار طريقه، لقد كان أمام فرعون أن يطيع أمر الرب فينجو هو وشعبه من الكوارث التي حلت بهم، ولكن عناده وتصلفه وقساوة قلبه جعلته يتعرض لعقاب الله له وخسائر بلا حصر ولا عدد تلحق به وبشعبه … لقد قال الرب للشعب في القديم ” قد جَعَلتُ قُدّامَكَ الحياةَ والموتَ. البَرَكَةَ واللَّعنَةَ. فاختَرِ الحياةَ لكَيْ تحيا أنتَ ونَسلُكَ “(تث30: 19).
وفي يوم من الأيام وقف يشوع وقال للشعب (يش24: 15) “فاختاروا لأنفُسِكُمُ اليومَ مَنْ تعبُدونَ“.
ويقول الرب يسوع في (رؤ3: 20) ” هأنذا واقِفٌ علَى البابِ وأقرَعُ. إنْ سمِعَ أحَدٌ صوتي وفَتَحَ البابَ، أدخُلُ إليهِ وأتَعَشَّى معهُ وهو مَعي“.
فالله يعرض ولا يفرض … يعرض حبه وغفرانه ونعمته، ولا يفرض، لأنه خلقنا أحراراً، ولكنه يتمنى أن نختار طريق الحياة والبركة فماذا ستختار؟!. لأنه في (رو2: 4) يقول الرسول بولس:“أم تستَهينُ بغِنَى لُطفِهِ وإمهالِهِ وطولِ أناتِهِ، غَيرَ عالِمٍ أنَّ لُطفَ اللهِ إنَّما يَقتادُكَ إلَى التَّوْبَةِ؟“.
ثالثاً: محبة الله لشعبه حقيقة مؤكدة
في (خر12: 13، 14) مكتوب:” ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر“. ويكون لكم هذا اليوم تذكاراً فتعيدونه عيداً للرب في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية. وضع الدم على القائمين والعتبة العليا (خر12: 7). “ويكون لكم الدم علامة“.
علامة مميزة: بعلامة الدم ميز الرب بين شعبه عن الآخرين.
أشياء كثيرة يتميز بها الناس بعضهم عن بعض ربما كان بين المصرين مَنْ هم أفضل وأميز من بني إسرائيل أدباً وعلماً وحكمة، لكن الله لا يرى إلا الدم … ربما كان هذا الأمر جهالة عند المصرين، لكنه كان هو الأساس في نظر الله. وكانت لعلامة الدم معاني كثيرة أذكر منها:
(أ) علامة ملكية وبنوية
كان الدم على البيوت علامة على ملكية الرب لذلك البيت … نحن ملك الرب لأنه أشترانا بدمه الثمين … أنكم اشترتيم لا بفضة ولا بذهب بل بدَمٍ كريمٍ، بلا عَيبٍ دَمِ المَسيحِ، المَعروف سابِقًا قَبلَ تأسيسِ العالَمِ، (1بط1: 19، 20).
(ب) علامة حماية ونجاة
قال الرب فأرى الدم وأعبر (خر11: 5، 6) ” فيَموتُ كُلُّ بكرٍ في أرضِ مِصرَ، مِنْ بكرِ فِرعَوْنَ الجالِسِ علَى كُرسيِّهِ إلَى بكرِ الجاريَةِ التي خَلفَ الرَّحَى، وكُلُّ بكرِ بَهيمَةٍ. ويكونُ صُراخٌ عظيمٌ في كُلِّ أرضِ مِصرَ لم يَكُنْ مِثلُهُ ولا يكونُ مِثلُهُ أيضًا“.
نعم! كم نشكر الله لأن فيه حمايتنا ونجاتنا ف
(ج) علامة سلام وأمان
كان في كل البيوت موت ودمار وذعر ورعب، هلع وفزع، ولكن في بيوت شعب الرب سلام وأمان وصوت ترنم وتمجيد وتعظيم للرب.
نعم! شتان الفرق بين بيوت شعب الرب، والبيوت الأخرى التي لا تعرف الرب.
(د) علامة تأهب وإستعداد
كان الشعب يأكل من الذبائح وهو قمة الاستعداد والتأهب للرحيل والعبور. وهكذا يجب أن يتعلم شعب حياة السهر والخدمة والثمر … حياة العبادة والشهادة، حياة الإعداد والإستعداد، حياة الصلاة والإنتظار ويرفض أن يعيش حياة الكسل والخمول والإسترخاء والفتور.
رابعا: الإيمان لا يتوقف على صناعة معجزة
لقد رأى فرعون أمام عينيه العديد من المعجزات ومع ذلك لم يؤمن، قال الرب يسوع في سياق حديثه في معجزة شفاء ابن قائد المئة (يو4: 48) ” لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب”
إن الرب يأسف ويتألم من كثيرين ممن يريدون أن يصنع لهم معجزة ليؤمنوا به ويطيعوه، إن أمثال هؤلاء من أسف شخصيات لا يُعتمد عليهم، والجدي
هذا وفي مثل الغني ولعازر مكتوب (لو16: 22- 31) “ فماتَ المِسكينُ وحَمَلَتهُ المَلائكَةُ إلَى حِضنِ إبراهيمَ. وماتَ الغَنيُّ أيضًا ودُفِنَ، فرَفَعَ عَينَيهِ في الجَحيمِ وهو في العَذابِ، ورأَى إبراهيمَ مِنْ بَعيدٍ ولعازَرَ في حِضنِهِ، فنادَى وقالَ: يا أبي إبراهيمَ، ارحَمني، وأرسِلْ لعازَرَ ليَبُلَّ طَرَفَ إصبَعِهِ بماءٍ ويُبَرِّدَ لساني، لأنِّي مُعَذَّبٌ في هذا اللَّهيبِ. فقالَ إبراهيمُ: يا ابني، اذكُرْ أنَّكَ استَوْفَيتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ، وكذلكَ لعازَرُ البَلايا. والآنَ هو يتعَزَّى وأنتَ تتعَذَّبُ. وفَوْقَ هذا كُلِّهِ، بَيننا وبَينَكُمْ هوَّةٌ عظيمَةٌ قد أُثبِتَتْ، حتَّى إنَّ الذينَ يُريدونَ العُبورَ مِنْ ههنا إلَيكُمْ لا يَقدِرونَ، ولا الذينَ مِنْ هناكَ يَجتازونَ إلَينا. فقالَ: أسألُكَ إذًا، يا أبَتِ، أنْ تُرسِلهُ إلَى بَيتِ أبي، لأنَّ لي خَمسَةَ إخوَةٍ، حتَّى يَشهَدَ لهُمْ لكَيلا يأتوا هُم أيضًا إلَى مَوْضِعِ العَذابِ هذا. قالَ لهُ إبراهيمُ: عِندَهُمْ موسَى والأنبياءُ، ليَسمَعوا مِنهُمْ. فقالَ: لا، يا أبي إبراهيمَ، بل إذا مَضَى إليهِمْ واحِدٌ مِنَ الأمواتِ يتوبونَ. فقالَ لهُ: إنْ كانوا لا يَسمَعونَ مِنْ موسَى والأنبياءِ، ولا إنْ قامَ واحِدٌ مِنَ الأمواتِ يُصَدِّقونَ”. ومن هنا نتعلم أن الإيمان لا يتوقف على حدوث معجزة.