في 10 يونيو, عندما ألغت حركة المعارضة الإيرانية احتفالها المخطط له بمناسبة الذكري السنوية لإعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في انتخابات مثيرة للجدل, افترض المعلقون بأن ##الحركة الخضراء## قد قضي عليها أخيرا. فهذه عدة أشهر, وهي تواجه انتقادات بأنها تفتقر إلي قيادة قوية وهي عاجزة عن تحدي النظام الإيراني الراسخ بصورة جدية.
غير أن تاريخ الاضطرابات السياسية في إيران في القرن العشرين يشير بأن الحركة قد تستطيع المحافظة علي حيويتها. ففي النهاية, نجحت الحركات المدفوعة من قبل تيارات اجتماعية مماثلة في تغيير إيران بصورة ملحوظة في الماضي.
لقد كانت هناك ثلاث فترات من الاضطرابات السياسية الداخلية التي هزت إيران في القرن الماضي _ ##الثورة الدستورية## بين الأعوام 1905-1911 التي كبحت لبعض الوقت السلطة الملكية وأدت إلي تطوير الدستور الإيراني, وعهد محمد مصدق في الفترة 1951-1953 الذي أطاح مؤقتا بمحمد رضا شاه بهلوي, والثورة الإسلامية عام 1979 التي استبدلت النظام الملكي بحكم رجال الدين.
وقد وقعت كل حادثة من هذه الحوادث المضطربة من التقاء ثلاثة عوامل وهي: الغضب الشعبي المتزايد من فساد النظام, والقطيعة بين الطبقات الحاكمة وتلك التي تضم رجال الدين, وعدم الرضا عن علاقات إيران الخارجية. وفي كل حالة, ثمة معسكران متباينان — أحدهما علماني وليبرالي, وآخر مكون من علماء دين نشطاء سياسيا (وهم غالبا شباب ورجال دين متوسطو المكانة) — وكلاهما معا أصبحا في لحظة معينة في المعارضة. وفي الواقع, وعلي الرغم من أنه يوجد اليوم ميل إلي تذكر فترات الثوران بأنها كانت مدفوعة من قبل قادة أيقونيين مثل مصدق في الخمسينيات من القرن الماضي, وآية الله روح الله الخميني في عام 1979, إلا أنه من المهم أن لا ننسي كيف أن الحركات الشعبية التي وقفت وراءهم كانت في الواقع واسعة النطاق وأيدتهم مدة طويلة.
فعلي سبيل المثال, في بداية القرن العشرين, أدي الغضب المتصاعد من سلوك الشاه الاستبدادي الذي استمر مدة طويلة والامتيازات التجارية المذلة التي أعطيت لروسيا وبريطانيا العظمي, إلي حدوث غليان ,في صفوف بعض الإيرانيين المثقفين] عندما بدأ مدير الجمارك (البلجيكي الجنسية) يفرض تعريفات جمركية لتسديد القروض الروسية. وقد انضم إلي المثقفين, رجال الدين الذين رؤوا تلك التنازلات بأنها ليست فقط إهانة للإسلام في نظرهم ولكن أيضا تهديدا للمصالح الاقتصادية للأوقاف الدينية. وقد اتحد المعسكران معا للمطالبة بإقصاء رئيس وزراء الشاه, وإقامة برلمان. وفي الخمسينات من القرن الماضي, شن الثوريون القوميون حملة لتخليص إيران من السيطرة البريطانية, حيث اعتبروا أن ##شركة النفط الإنجليزية الإيرانية## هي رمز للاستغلال الاستعماري. وقد قاد مصدق تلك الحركة ولكنه اعتمد علي آية الله سيد أبو القاسم كاشاني لحشد قطاع نشط من رجال الدين. إن مثال كاشاني ربما كان مصدر إلهام للخميني, الذي نجح في الستينات والسبعينات من القرن الماضي, في إقامة إئتلافا موسعا, شمل علمانيين ورجال دين وشبابا, وغيرهم. وبمطالبته إنهاء الملكية, استغل الخميني ومؤيدوه الاشمئزاز المنتشر علي نطاق واسع من حميمية الشاه مع القوي الغربية والغضب من سلوكه القمعي والفاسد. وقد تم تحفيز التحالف من قيام محمد رضا بأعمال الإصلاح الزراعي, الذي هدد القاعدة المالية لرجال الدين وغيرهم من النخب الثرية.
وقد استغرق الأمر سنوات من أجل توحيد جميع حركات المعارضة الثلاث قبل أن تصبح قوية بما يكفي لفرض تغيير علي النظام. فـ ##الثورة الدستورية##, التي يعتقد أنها ظهرت للعيان حوالي عام 1905, عندما اندلعت احتجاجات بسبب التعريفات الجمركية, كانت في الواقع استمرارا لأحداث بدأت عام 1891, مع الحملة لإلغاء امتياز حصري للتبغ كان الشاه قد منحه للبريطانيين.
وبالمثل, وصلت ##الجبهة الوطنية## بقيادة مصدق إلي السلطة عام 1951; بيد, جاء ذلك بعد عقود من الاستياء من نظام ملكي انزلق نحو الفوضي بعد الحرب العالمية الثانية. كما أن العنف في تلك الفترة كان نزاعا عائليا استمر فترة طويلة: فقبل الإطاحة بمحمد رضا عام 1951, كان مصدق قد تعرض للسجن من قبل والد محمد رضا — رضا شاه — بسبب قيامه, من بين أمور أخري, بالتصويت مع المعارضة في البرلمان ضد تتويجه عام .1925 وعلاوة علي ذلك, تتمتع الثورة الإسلامية من عام 1979, بجذور تعود إلي الفترة 1960-1964, عندما اجتاحت البلاد أعمال شغب ضد الشاه, وتم نفي آية الله الخميني وغيره من النشطاء إلي خارج البلاد.
لقد كانت كل فترة من فترات الاضطراب مختلفة ومتميزة [عن غيرها], ولكنها كانت مدفوعة من قبل اتجاهات متشابهة. وإنها لمفارقة غريبة أن نجد حركة المعارضة — في حملتها اليوم ضد ورثة الخميني السياسيين _ تردد الكثير من نفس المظالم التي رددها الخميني في حملته ضد الشاه. وبالفعل, تجتمع معا اليوم مرة أخري نفس العوامل الثلاثة التي ساهمت في حوادث الإضطراب السابقة. أولا, إن سرقة أحمدي نجاد الواضحة للانتخابات الرئاسية عام 2009 وقمع النظام الشديد للاحتجاجات والمعارضة الأخري قبل وبعد تلك الانتخابات, قد أشعلت اتهامات بالفساد والاستبداد. وقد تفاقم هذا الاستياء من التصور السائد بأن قلة محظوظة — وخاصة نخب في ##فيلق حرس الثورة الإسلامية## — قد استفادت من ثروة الموارد الإيرانية بينما كافح المواطن العادي [من عموم الشعب من أجل العيش]. وثانيا, إن الازدراء الدولي المتزايد الموجه ضد طهران قد خلق شعورا بأن سوء إدارة النظام للعلاقات الخارجية [قد سبب] إحراجا وضررا لمصالح إيران. وأخيرا, يبدو أن رجال الدين غير راضين عن أداء الحكومة (والذي تمثل للآن في المعارضة النشطة بصورة أقل مما تمثل في تضاؤل تمثيل رجال الدين في الحكومة والعدد المتنامي من رجال الدين الذين يمتنعون عن النشاط السياسي باسم النظام), وحتي أن بعض المواطنين قد اتهموا النظام بأنه ##غير إسلامي## بسبب سياسات القمع والتعذيب التي يطبقها.
إن هذه الحركة, أيضا, هي واسعة النطاق. فهي لا تجمع فقط الإصلاحيين المرتبطين بحكومة محمد خاتمي الأكثر ليبرالية من أواخر التسعينات من القرن الماضي ولكن أيضا مؤيدين محافظين سابقين, مثل زعيم الحركة مير حسين موسوي. ويبدو أيضا أنها منحازة علي الأقل ضمنيا مع متشددين آخرين, مثل الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني, ورجال دين غير نشطين, وعمال نشطاء, وطلاب وتجار أصبحوا غير راضين من سياسات النظام الاقتصادية. ويسعي كلهم للحد من الفساد, واستعادة قدر أكبر من الحقوق المدنية للإيرانيين, وإقامة علاقات أقل خطورة, وأكثر إثمارا مع العالم الخارجي.
وعلاوة علي ذلك, إن ##الحركة الخضراء## مبنية علي السخط الذي يرجع تاريخه إلي ما قبل انتخابات يونية 2009: فهو نفس عدم الرضا الذي أدي إلي الفوز الساحق الذي حصل عليه خاتمي في الانتخابات التي جرت في الأعوام 1997 و 2001, وإلي الإحتجاجات الطلابية بين أواخر التسعينيات من القرن الماضي واليوم. فكما أن حركات الإصلاح في الماضي كانت بطيئة في بنائها, فحركات اليوم الإصلاحية لا يمكن الإعلان عنها بسبب البطء الظاهر لـ ##الحركة الخضراء##. وأظهرت الاحتجاجات التي وقعت في أعقاب انتخاب أحمدي نجاد أن النظام قد فقد تعاطف غالبية الإيرانيين. ولذا, فحتي مع استمرار الأسئلة حول قدرة ##الحركة الخضراء## علي البقاء والاستمرار, إلا أن هذه القدرة نفسها هي ليست أكثر وضوحا عند النظام.
ومع ذلك, إذا كان التاريخ يعطي سببا للتفاؤل بفرص نجاح المعارضة, فإنه يعطي أيضا سببا للحذر. فقد تم تحقيق أهداف [أعضاء] المعارضة الأولية, وانهارت بسرعة الائتلافات التي قادت حركات الإصلاح الثلاث في القرن الماضي وتمزقت بسبب الأهداف والإيديولوجيات المتعارضة. وبعد أن أسقط الدستوريون رئيس وزراء الشاه وعقدوا اجتماع للبرلمان, فإنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم معارضين لدعوة رجال الدين لقيام دولة إسلامية. وبحلول عام 1911, كانت القوات الروسية قد قصفت البرلمان وقامت بحله, وتم إعدام رجال دين بارزين, وتمت السيطرة علي إيران من قبل الروس في الشمال والبريطانيين في الجنوب. وبعد عامين من الوصول إلي السلطة تمزق الائتلاف الذي قادته ##الجبهة الوطنية## علي نحو مماثل, وكان أنصار الشيوعية أقوي قوة في الشوارع. وسرعان ما أطاح انقلاب — نظمته الولايات المتحدة وبريطانيا — بـ [رئيس الوزراء] مصدق. وأخيرا, ففي الشهور القليلة التي أعقبت قيام الجمهورية الإسلامية, غرقت إيران بقيادة الخميني في عنف دموي بين الفصائل المتنافسة. ومن المحتمل أن يكون النظام قد نجا فقط بسبب تأثير الحرب مع العراق في عام 1980, التي أدت إلي توحيد صفوف الإيرانيين.
ينبغي علي المجتمع الدولي أن لا يقلق بأن ##الحركة الخضراء## قد حكم [عليها بالفشل], ولكن يجب علي ##الحركة## أن لا تخفي أية أوهام بأن نجاحها سيؤدي لا محالة إلي قيام السلام والديموقراطية علي المدي البعيد. وفي الواقع, ينبغي علي الولايات المتحدة وحلفائها أن يفكروا ليس فقط في كيفية دعم تطلعات الإيرانيين الديمقراطية علي الوجه الأكمل, بل أيضا في كيفية الإعداد للاحتمال الحقيقي لعدم الاستقرار في إيران إذا ما انتصرت المعارضة.
مايكل سينج هو زميل آيرا وينر في معهد واشنطن لسياسة الشرق
فورين بوليسي