امتلأت الأجواء في الأيام الماضية بالحديث عن النقاب وإختلفت الآراء وهاجت الساحة بين مؤيد ومعارض وتجاذب أهل الفتوي في التحريم والتجريم والعادة والعبادة, مما جعلني عزيزي القاريء أبحث عن النقاب بين التاريخ ولاسيما القديم لنعرف حقيقته ومن أين أتي إلينا وكما تعودنا وعرفنا أن التاريخ لايكذب ولايتجمل بل حقائق مسطرة علي أعمدة الحياة.
النقاب في اللغة
بالرجوع إلي المعاجم اللغوية والمتخصصة في اللغة العربية وجد أن النقاب يعني البرقع أو الساتر أو القناع كما ورد في المعجم الوجيز في باب الفاء وتحت كلمة نقاب إذ يقولتنقبت المرأة:شدت النقاب علي وجهها…
النقاب القناع تجعله المرأة علي مارن أنفها تستر به وجهها ويقول مختار الصحاح في معني النقاب اللغوي في باب الباء وتحت كلمةبرقعبفتح القاف وضمها للدواب ونساء الأعراب وكذا البرقوعوبرقعه فتبرقعأي ألبسه البرقع فلبسه وفي أماكن أخري يقال النقاببكسر النون هو ما تنقب به المرأة فيقال انتقبت المرأة وتنقبت أي غطت وجهها بالنقاب والفرق بين النقاب والحجاب أن الحجاب ساتر عام أما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط وهكذا ورد في باقي المعاجم المختلف ما يفيد أن النقاب هو قناع وساتر لوجه المرأة أطلق عليه بالتركية اليشمك وفي العبرية لفظ كايف وسوه وكامه ومسيكه.
النقاب في التاريخ
خلق الله آدم وحواء في القديم علي أحسن صورة وأحسن تكوين ومنحهما الحرية والتجوال في كل مكان في الجنة يري كل منهما الآخر بدون تضجر أو خجل ولكنهما لم يعرفا التستر أو الاختباء بالكل أو الجزء إلا بعد السقوط في الخطيئة وعصيان أمر الله,حتي وبعد خروجهما من الجنة لم يفكرا في سترة الوجه وإنما كان كل مايشغلهما هو ارتداء ما يستر عورتهم ويقول التقليد أن الله صنع لآدم وحواء أول كسوة من جلد الذبائح ولم يكن الوجه ضمن خطة الله, ولكن بعدما جري بين البشر عرف السيد والعبد كانت الأحكام علي السيدات العبيد أن يضعن برقع علي وجوههن لأمور كثيرة فتداول البرقع أو النقاب في عهد الفراعنة بين العبيد والإماء ثم انتقل بين شعوب العالم المختلفة ولاسيما تلك الشعوب التي حضرت إلي مصر الفرعونية وكان منهم العبرانيون بداية من نزول إبراهيم الخليل إلي مصر ومعه زوجته سارة أم إسحق ابنه وكانت المرة الأولي التي وردت فيها الإشارة إلي البرقع أي النقاب مترجمة عن كلمة كايف العبريةعندما أراد سفر التكوين أن يخبرنا عن رفقة عندما رأت إسحق سيدها من بعيد قبل زواجهما منهتك24:65ثم بعد ذلك يحدثنا نفس السفر عن استخدام البرقع أو النقاب في إخفاء الشخصية والوقيعة في الرزيلة وهي مترجمة عن الكلمة العبريةكايففجاء بالإصحاح الثامن والثلاثين ما يليولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا ثم تعزي يهوذا فصعد إلي جزاز غنمه إلي تمنة هو وحيرة صاحبه العدلامي فعرفت ثمار وقبل لها هوذا حموك صاعدا إلي تمنه ليجز غنمه فخلعت ثوب ترملها وتغطت ببرقعنقابوتلففت وجلست في مدخل عينايم التي علي طريق تمنة لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة فنظرها يهوذا وحسبها زانية لأنها قد غطت وجهها…تك38:12-15 ثم بعد أن أسقطت حموها يهوذا في الرزيلة يكمل قائلا:ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملهاتك38:19 هذا ما جاء عن النقاب في سفر التكوين الذي سطره الوحي الإلهي لنا آلاف السنين أي ما بين 1491 ق.م إلي 1451 ق.م وفي نفس التاريخ كتبت الأسفار الخمسة لموسي النبي والمعروفة بالتوراة ومنها سفر الخروج الذي تكلم عن النقاب المترجم عن الكلمة العبريةسوهفيقولولما فرغ موسي من الكلام معهم جعل علي وجهه برقعا,وكان موسي عند دخوله أمام الرب ليتكلم معه ينزع البرقع حتي يخرج ثم يخرج ويكلم بني إسرائيل بما يوصي.فإذا رأي بنو إسرائيل وجه موسي أن جلده يلمع كان موسي يرد البرقع علي وجهه حتي يدخل ليتكلم معهخر34:33-35 وأوضح الرسول بولس في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس الإصحاح الثالث والمكتوبة في عام 57م قائلا لكن حتي اليوم حين يقرأ موسي البرقع موضوع علي قلبهموهنا يشير إلي معني جديد للبرقع وهو المانع من رؤية النور الحقيقي بمعني أنه غير مستحب وجاءنا سفر نشيد الأنشاد الذي كتبه سليمان بن داود بمعني آخر لكلمة نقاب التي كانت مستخدمة في عصره والمترجمة من الكلمة العبريةكاماهفقال في الإصحاح الرابع والسادس من سفرهعيناك حمامتان من تحت نقابك…وخدك كفلقة رومان تحتنش4:1-3و6:7 وكأنه يريد أن يقول إن النقاب ساتر وحاجب لكل شيء جميل, كما استرسل النبي إشعياء الذي خدم لمدة 60 عاما كنبي في عهود مختلفة في أيام عزيا ويوئام وإحاز وحزقيا ملوك يهوذا في 740 ق.م في سفره عن كلمة نقاب التي تعني الغطاء والمترجمة عن العبرية مسيكةفكتبويفني في هذا الجيل وجه النقاب الذي علي كل الشعوب والغطاء المغطي به علي كل الأممإش25:7 وفي إصحاح28:20 يقول عن الغطاءلأن الفراش قد قصر عن التمدد والغطاء ضاق عن الالتحاف,لأنه كما في جيل فراصيم يقوم الرب وكما في الوطاء عند جبعون يسخط ليفعل فعله الغريب وليعمل عمله الغريبوقال فيما بعدخذي الرحي واطحني دقيقا اكشفي نقابكإش47:2 أما النبي دانيال وهو الذي عاش من العمر 84 عاما618-534ق.مفقال عن النقاب في سفرهوكانت سوسنة ترفه جدا وجميلة المنظر فأمر هذان الفاجران أن يكشف وجهها وكانت مبرقعة ليشبعا من جمالهادا13:31-32 وهنا يعني أن البرقع كان يخفي الجمال الذي أعطاه الله لسوسنة العفيفة, ومما سبق نري أن النقاب جاء عنه في التاريخ قبل ظهور الرسالات السماوية بل ولد بجذور تاريخية بعيدة عن الدين والتدين فعرفه عابدو الأوثان والشعوب التي كانت بعيدة عن الدين ولاسيما الشعوب الشرقية عرفه الأشوريون والآراميون والبابليون والفرس والأتراك الذين أطلقوا عليهاليشمكوهي كلمة تركية تعني النقاب الذي انتشر في عهد الأتراك في مصر ولاننسي أن النقاب انتقل إلي نساء اليونان والرومان وكان في أيام الجاهلية يستخدم عند نساء القبائل اللواتي كن يصنعه بل في بعض المناطق الجبلية التي يقطنها كل خارج عن القانون كان هؤلاء الرجال يتلثمون بالنقاب وفي جنوب صحراء ليبيا والجزائر وحتي شمال مالي والنيجر فالبرقع والنقاب بالنسبة لهم تراث وأخيرا ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين بدأت تلك الشعوب والقبائل تتخلي عن النقاب والبرقع واليشمك بما فيهم تركيا وبلاد كثيرة حتي السعودية فالنقاب والبرقع واليشمك عادات سادت علي شعوب العالم في القديم هذه العادة ضربت بجذورها في أعماق التاريخ منذ السقوط ولكنها تلوح الآن أمامنا في الأفق فيجب علينا أن نعرفها وتاريخها ولا يغيب عنا أن أكثر الشعوب استعمالا لها كان الشعب العبراني الذي تصدر تلمودة ما قيل عن طائفة الهارديينمتشددين يهودإنهم وضعوا قوانين صارمة علي النساء منذ الصغر وفصلوا بين الجنسين حتي في دور الحضانة ومنعوا السياحة المشتركة وأصبحت كثير من النساء يغطين رؤوسهن, وقالوا إن شعر المرأة معثر وفي ظل قانون الاحتشام يجب علي النساء الاحتشام في الملابس والجوارب والشعرالرأس والوجه والوان الملابس يجب أن تكون سوداء وهكذا يشير لنا التلمود والتاريخ العبراني بأصابع الإتهام نحو قضية مهمة يسعي الآن المجتمع الدولي إلي نصرتها وهي حقوق المرأة وحريتها بعيدا عن التشدد والتطرف.
[email protected]