أخذ الاقتصاد الإيراني منعطفا نحو الأسوأ, ويرجع ذلك أساسا إلي سوء السياسات المحلية فضلا عن العقوبات الدولية. إن الاعتقاد بأن ذلك سيغير موقف طهران من القضية النووية يشكل تفاؤلا مفرطا.
أخذ الاقتصاد الإيراني منعطفا نحو الأسوأ, ويرجع ذلك أساسا إلي سوء السياسات المحلية فضلا عن العقوبات الدولية. إن الاعتقاد بأن ذلك سيغير موقف طهران من القضية النووية يشكل تفاؤلا مفرطا.
قبل ثلاثة أسابيع, دعا المرشد الإيراني الأعلي علي خامنئي الي اتباع ##اقتصاد المقاومة## التي وصفها بأنها ##استخدام إمكانيات البلاد كاملة … الكسر أوهام القوي المتغطرسة## ,التي تعتقد] بأن طهران سوف تغير سياساتها. ومنذ ذلك الحين, فقدت عملة البلاد 27% من قيمتها في السوق الحرة. إلا أن هذه الظروف الاقتصادية المتدهورة وغيرها تعود ليس فقط إلي استمرار العقوبات الدولية, بل أيضا إلي التأثير التراكمي لسياسات الحكومة الإيرانية غير الملائمة. وعلي الرغم من أن الوضع قد يمتد في النهاية إلي الأزمة النووية, إلا أنه لا توجد دلائل علي أن ذلك هو الحال في الوقت الراهن.
الريال المنهار والركود التضخمي
حتي وقت قريب, حقق اقتصاد إيران أداء جيدا إلي حد ما – فقد كان نموه أعلي من نظيريه في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوربي في كل عام منذ .2008 إلا أن ذلك قد يتغير.
فقد انخفضت قيمة الريال الايراني بصورة حادة منذ سبتمبر 2010, عندما – ولأول مرة منذ إصلاح العملة عام 2002 – تراجع سعر السوق الحرة بصورة ملحوظة دون السعر الرسمي الذي يبلغ حوالي 10.000 ريال للدولار الواحد (كان يتم تعديل السعر الرسمي بقيم صغيرة بشكل دوري). وعبثا حاول ##البنك المركزي الإيراني## سد الفجوة, ولكن بعد انخفاض سعر السوق الحرة إلي 11.800 ريال للدولار في يونيو 2011, تراجعت طهران عن موقفها وخفضت السعر الرسمي من 590,10 إلي 11.740 وعلي الرغم من أن تلك الخطوة قد جلبت سعرا موحدا لمدة خمسة أشهر, انخفض سعر السوق الحرة مرة أخري في نوفمبر 2011 إلي 13.300 ريال للدولار. وأثار ذلك انخفاض مطلق دام شهرين, هبط خلاله الريال في أواخر يناير 2012 إلي 22.100 للدولار.
وردا علي ذلك أصيبت الحكومة بالذعر, واتخذت تدابير قسرية (علي سبيل المثال, إغلاق أعمال تجار العملة وحجب المواقع الإلكترونية التي تنقل أسعار الصرف) والسماح لأسعار الفائدة في الارتفاع وطرح كميات كبيرة من الدولارات إلي السوق وتوفير دولارات بالسعر الرسمي البالغ 12.260 لاستيراد السلع الأساسية. واسترد سعر السوق الحرة قيمته بسرعة إلي حوالي 000,19, حيث بقي في تلك القيمة حتي أواخر أغسطس. ومع هذا, انخفض سعر الريال مرة أخري بشكل حاد منذ ذلك الحين ليصل في 12 سبتمبر إلي 000,26 ريال للدولار. ويمثل هذا الرقم 38% من قيمة الريال قبل عامين, و 73% من قيمته في أغسطس.
في الوقت الذي انخفض فيه سعر الريال ارتفعت تكلفة السلع المستوردة. وكان مؤشر أسعار المستهلك الرسمي في شهر أغسطس أعلي بـ 23.9% عما كان عليه قبل عام, حيث كانت الزيادة بصورة أكبر في المواد الغذائية (علي سبيل المثال, 74% للفواكه الطازجة و 81% للخضروات و 74% للدجاج). وكما هو الحال في أي مكان آخر في مثل هذه الظروف فإن التصور السائد بين الإيرانيين هو أن معدل التضخم هو أعلي بكثير من الأرقام التي تظهرها الحكومة. وفي هذه المعدلات, من المرجح أن يهرب جميع الايرانيين من الريال, مما سيسرع في دخوله إلي دوامة السقوط. علي سبيل المثال, في الأشهر السبعة الأولي من عام 2012, أفادت تركيا أنها صدرت ما قيمته 6.2 مليار دولار من الذهب إلي إيران, بزيادة قدرها 500% عن العام السابق, وهذا ما جعل إيران أكبر وجهة تصدير لتركيا.
وقد أدت عائدات صادرات طهران المنخفضة إلي وضع ضغط إضافي علي الريال. وكما أشار وكيل وزير الخزانة الأمريكي ديفيد كوهين في 12 سبتمبر ##في العام الماضي, صدرت إيران ما يقرب من 2.4 مليون برميل من النفط لليوم الواحد … مما أكسبها نحو 100 مليار دولار##, ولكن منذ ذلك الحين ##انخفضت صادراتها من النفط الخام إلي حوالي مليون برميل في اليوم … مما كلف إيران ما يصل إلي 5 مليارات دولار شهريا##.
ويبدو أن رد الحكومة الإيرانية قد شمل اتخاذ تدابير إدارية لخفض الواردات. ففي أوائل أغسطس, حذر محافظ ##البنك المركزي## محمود بهماني بأنه ##ليس هناك سبب لصرف أموالنا ,علي الواردات] في الوقت الذي نرزح فيه تحت ضغط العقوبات. علينا أن نتذكر أننا قد نحتاج إلي إدارة أحوال بلادنا لفترة طويلة باستعمال هذه الأموال.## وما يعنيه هذا للمستوردين الإيرانيين يتضح من كلمة اقتباس صرح بها أحد الأشخاص في منتصف يوليو إلي مراسل شبكة PBS كيلي نيكينجاد: ##قبل فرض العقوبات, استغرق الأمر يومين للحصول علي إذن استيراد من وزارة التجارة أو خطاب اعتماد من البنك الإيراني الذي يدفع للمصدر. أما الآن فيستغرق الوقت أسبوعين للحصول علي تصريح استيراد و 15-20 يوما للحصول علي خطاب اعتماد. كما تواجه المعاملات الجمركية تعطيلات كبيرة أيضا. ففي الأسبوع الماضي كانت لدينا شحنة تم حجزها في بندر عباس ,أكبر ميناء في إيران] لمدة شهرين##.
إن الصعوبات في الحصول علي القطع والمواد المستوردة تلحق ضررا حادا بالصناعة الإيرانية. فقطاع السيارات الذي يعمل فيه 150.000 شخص بشكل مباشر وغير مباشر, يكافح للحصول علي عقد ,لاستيراد] قطع غيار من الموردين الرئيسيين الفرنسيين والكوريين, في ظل العقوبات المالية التي تفرضها تلك الحكومتين وعدم رغبة شركتي ##بيجو## و ##كيا## في المخاطرة مما يؤدي إلي إثارة غضب واشنطن أو فقدان عملاء أمريكيين. وفي الوقت نفسه, فإن معدل البطالة الرسمي الإجمالي هو 17%, بينما هو 29% بين الشباب, في الوقت الذي يعتقد معظم الإيرانيين أنه أعلي من ذلك بكثير.
أخطاء السياسة الداخلية تزيد من شدة العقوبات
في أوائل سبتمبر, أعلن محافظ ##البنك المركزي## بهماني, ##وضعنا هو وضع ,دولة] في حالة حرب. نحن نتحمل أعباء حرب اقتصادية يشنها العالم ضدنا.## ومع ذلك, فبقدر ما قد ترغب واشنطن في الحصول علي الثناء الكامل لمشاكل إيران الاقتصادية, قد يكون رئيس ##مجلس الشوري الإسلامي## علي لاريجاني أقرب إلي الحقيقة عندما قال في أواخر يوليو, ##لا تشكل العقوبات سوي 20% من مشاكل البلاد الاقتصادية, وللأسف, يعود المصدر الرئيسي للتضخم إلي التطبيق الذي تعوزه البراعة في خطة قمع الإعانات.## ومهما قد يكون الوصف الدقيق للوم, تكمن العوامل الداخلية والخارجية علي حد سواء وراء مأزق إيران الاقتصادي الحالي.
في ديسمبر 2011, رفعت طهران أسعار الطاقة – المدعومة إلي حد كبير – في البلاد إلي مستويات السوق, بمنحها الأسر مدفوعات نقدية شهرية للتعويض عن ارتفاع الأسعار. وكان لتلك الخطوة الكثير بما يشيد بها – وعلي وجه الخصوص حدث انخفاض في استهلاك البنزين, ويرجع ذلك جزئيا إلي انخفاض الطلب المحلي ولكن أيضا إلي تراجع التهريب المستشري للغاز إلي الدول المجاورة حيث كانت الأسعار أعلي من ذلك بكثير. إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة أربعة أمثالها قد يواجه الخطر الواضح بأن الأعمال التجارية سوف تعمل علي زيادة الأسعار لتغطية ارتفاع التكاليف, الأمر الذي سيؤدي إلي ارتفاع معدلات التضخم. وكانت الخطة المعلنة هي توجيه أموال ضخمة نحو الأعمال التجارية لمساعدتها علي التكيف علي الوضع الجديد (علي سبيل المثال, من خلال الاستثمار في تكنولوجيا توفير الطاقة). وبدلا من ذلك, استخدمت الحكومة جميع الإيرادات الإضافية من مبيعات الطاقة الأعلي سعرا لتوفير التعويضات إلي الأسر, مما ترك الأعمال التجارية تكافح من أجل تسيير أعمالها. وقد لجأ العديد منها للحصول علي قروض مصرفية لتمويل خسائرها, وهو منفذ أصبح أكثر جاذبية بسبب أسعار الفائدة التي كانت أقل بكثير من معدل التضخم. وقد أدت تلك القروض – بالإضافة إلي الاقتراض الحكومي لتمويل المدفوعات للأسر – إلي توسيع معروض النقود الذي زاد بدوره من تغذية التضخم.
وفي الواقع كانت السياسة النقدية المتساهلة سببا رئيسيا في تسارع التضخم وانخفاض قيمة الريال. فمنذ مارس 2007 (قبل وقت قصير من تسلم الرئيس محمود أحمدي نجاد زمام السلطة) وإلي مارس 2012, تعاظم معروض النقود الواسع من 1.383 تريليون إلي 3.720 تريليون ريال, أي بزيادة قدرها 169%. وخلال الفترة نفسها, زاد ##الناتج المحلي الإجمالي## الحقيقي بنسبة 21%. وعندما يقوم المال الذي زاد بنسبة 169% بمطاردة سلع زادت بنسبة 21%, تكون النتيجة قيام تضخم – وفي الواقع, ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في إيران بنسبة 18% في العام خلال تلك الفترة. ومع ارتفاع الأسعار أقل من 3 في المائة سنويا في البلدان التي تتاجر معها إيران, يتوقع المرء في حالة كهذه أن يخسر الريال بعضا من قيمته. ولمواكبة ارتفاع التكاليف, من المفترض أن ينخفض ??الريال من 10.000 للدولار الواحد في عام 2007 إلي 20.000 في عام .2012 إن الانخفاض الفعلي الحاد جدا إلي 26.000 هو مؤشر صريح لمدي تأثر الاقتصاد من القلق حول الوضع الدولي والعيوب في سياسات النظام المالية.
التأثير المحتمل علي الأزمة النووية
في الوقت الحاضر, قد يكون من التفاؤل المفرط أن نأمل بأن الظروف الاقتصادية المتدهورة ستحفز قادة إيران علي تغيير موقفهم النووي. ولا يبدو أنهم علي معرفة كبيرة بالوضع الاقتصادي لبلادهم أو يهمهم الكثير عنه – فدخلهم الخاص لم يتضرر إلا قليلا, إن تضرر حقا, ويبدو أنهم غير مبالين ازاء احتمال قيام اضطرابات شعبية نظرا لنجاحهم السابق في قمع المعارضة. وفي الوقت الحالي من المرجح أن يستمروا في مسارهم فيما يتعلق بكل من السياسة الاقتصادية المحلية والمسألة النووية. وإذا فعلوا ذلك فسيتدهور الاقتصاد حتي بمعدل أسرع, مع وجود تصورات عن تضخم جامح مما سيؤدي إلي قيام الإيرانيين باتخاذ إجراءات أكثر يأسا للهروب من الريال, ويحدث ذلك في الوقت الذي تؤدي صادرات النفط المنخفضة والعقوبات المالية المتشددة إلي تقليص فرص وصول إيران إلي النقد الأجنبي.
وما لم تتغير سياسات النظام, يمكن أن يصبح الوضع الاقتصادي سيئا للغاية خلال العام المقبل أو العامين المقبلين بحيث سيجد قادة إيران أنفسهم يواجهون ضغطا قويا من قبل الأعمال التجارية (بما في ذلك من ##فيلق الحرس الثوري الإسلامي##) وتذمر شعبي من أجل القيام بعمل شيء جذري. وفي تلك المرحلة, ستكون جميع الخيارات السياسية المتاحة لهم رهيبة. فرفع أسعار الفائدة بصورة حادة لجذب الأموال إلي المصارف (وبالتالي تكون متاحة لإقراضها إلي الحكومة) سوف يبطئ الاقتصاد, ويفاقم البطالة ويضر المقترضين ذوي الاتصالات الجيدة علي وجه الخصوص. إن فرض رقابة علي النقد الأجنبي و,سماح] قيام أسعار صرف متعددة سوف يفاقمان الفساد المستشري أصلا (وهو الشكوي الشعبية الرائدة ضد الحكومة) ويؤديان إلي وقوع نقص أو زيادة أسعار السلع المستوردة الرخيصة التي اعتاد عليها المستهلكون. كما أن تقليص الإنفاق الحكومي علي المدي القصير بحيث يمكن توجيه المزيد من الدولارات إلي السوق الحرة سوف يكون خطوة من الصعب اتخاذها في الوقت الذي تلوح فيه في الأفق الانتخابات الرئاسية في عام .2013
وإذا ما تم إقرار أي من هذه السيناريوهات الرهيبة, يمكن أن تكون طهران أكثر انفتاحا من أجل التوصل إلي اتفاق نووي يؤدي إلي تخفيف العقوبات وزيادة مبيعات النفط وقيام ثقة أكبر بين الجمهور حول الآفاق الاقتصادية للبلاد. ومع ذلك, لا توجد حتي الآن دلائل تشير إلي وجود مثل هذا التحول في الخيارات, وسيكون عملا من أعمال الإيمان أن تعتمد السياسة الأمريكية علي هذا الاحتمال.
باتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن.
معهد واشنطن