وسط الخلاف بين اللبنانيين حول الجهة التي كانت وراء اغتيال وسام الحسن, وبعد كيل الاتهامات شرقا وغربا, من المهم التوقف عند المناخ المناسب لبنانيا للأعمال الإجرامية والإرهابية, كتلك التي أودت بحياة الحسن وقبله العديد
وسط الخلاف بين اللبنانيين حول الجهة التي كانت وراء اغتيال وسام الحسن, وبعد كيل الاتهامات شرقا وغربا, من المهم التوقف عند المناخ المناسب لبنانيا للأعمال الإجرامية والإرهابية, كتلك التي أودت بحياة الحسن وقبله العديد من الشخصيات اللبنانية السياسية والدينية والأمنية.
فمرحلة ما بعد انتهاء الحرب اللبنانية في العام 1990 كانت فرصة لبناء وطن جديد قائم علي مشروع وطني توحيدي, لكن الحكومات والمعارضات المتلاحقة أصرت علي المشروع الطائفي/المناطقي/المصلحي أولا. وها هو لبنان مرة أخري يدفع الثمن باهظا.
أيضا, فإن الهزيمة العسكرية لإسرائيل في لبنان, منذ أكثر من عقد من الزمن, واضطرارها للانسحاب من أراضيه بفعل المقاومة اللبنانية, ثم فشل عدوانها في العام 2006, لم يكن هزيمة نهائية للمشروع السياسي الإسرائيلي, بل سعت إسرائيل منذ تحرير لبنان من احتلالها عام 2000 إلي جعل أية مقاومة لها بمثابة إرهاب دولي يجب محاصرته وعزله, وإلي جعل الموقف من المقاومة اللبنانية مسألة ينقسم عليها اللبنانيون, كما هو الواقع اللبناني اليوم.
طبعا, هو سؤال لبناني مشروع عن مستقبل سلاح المقاومة, لكن هذا الأمر أصبح, كما القضايا اللبنانية الأخري, مادة في صراع إقليمي/دولي ومشاريع سياسية للمنطقة, عوضا عن اعتباره مسألة وطنية عامة اشترك كل لبنان في تحمل تبعاتها خلال فترة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي, وهي قضية مرتبطة حتما بتوفر سياسة دفاعية لبنانية تضمن ردع أي عدون إسرائيلي. ولعل من المهم أن يتساءل فرقاء الصراع في لبنان, عن مدي مسؤوليتهم المباشرة عن الاحتقان السياسي المتزايد في لبنان وعن توفير المناخ المناسب للتدهور الأمني ولوقوع اغتيالات وقتلي وجرحي أبرياء.
لقد اقتسم الحاكمون منذ عام 1990 الحكم ومنافعه, وحاول كل طرف أن يجعل من نفسه ممثلا لفئة أو طائفة أو منطقة, فاستمرت العقلية نفسها التي كانت سائدة قبل الحرب عام 1975, ونشأ جيل ما بعد الحرب في بيئة سياسية فاسدة معتقدا أن المشكلة هي في ##الآخر## اللبناني, لكن لم يدرك هذا الجيل الجديد أن مشكلة وطنه ومشكلة مستقبله هي في التركيبة السياسية التي تتولي التداول السياسي والتي ترفض التخلي عن امتيازات النطق السياسي باسم هذه الطائفة أو المذهب أو المنطقة.
حبذا لو يتساءل الشباب اللبناني: تري لماذا تمارس الديموقراطية في لبنان فقط من خلال توريث معظم الحاكمين والمعارضين لأبنائهم وأقاربهم؟ ثم لماذا تنتقل البندقية من كتف إلي كتف علي جسم هذا الزعيم أو ذاك, أليس حال كهذا هو المسئول عن الاستقواء بالخارج كلما دعت الضرورة؟
لكن ما يحدث في لبنان اليوم هو أكبر من لبنان نفسه. فأطراف إقليمية ودولية عديدة وظفت, طوال العقود الأربعة الماضية, أرض لبنان وصراعاته المحلية من أجل مشاريعها الخاصة و##حروبها المفتوحة##, لكن ذلك ما كان ليحدث لولا تعامل اللبنانيين (كما الأطراف الإقليمية والدولية) مع لبنان بأنه ##ساحة صراع## وليس وطنا واحدا لكل أبنائه.
فلا العدالة ستكون هي مرجعية الأطراف الدولية المعنية بالمسألة اللبنانية, ولا للأسف أيضا المشروع الوطني التوحيدي هو الآن مرجعية الأطراف اللبنانية الفاعلة بالأزمة اللبنانية.. وحده المشروع الإسرائيلي هو الذي يحاول نخر الجسم اللبناني واستنزافه.
إن قرار مجلس الأمن رقم 1559 الصادر في سبتمبر 2004 نص علي إنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان, وهذا ما حصل فعلا عقب اغتيال رفيق الحريري, لكن هذا القرار استهدف أيضا ما هو أكبر من طاقة لبنان.
فقد استهدف نزع سلاح ##حزب الله## والمنظمات الفلسطينية في المخيمات, وكلا الحالتين ليستا مسئولية لبنانية أو عربية, بل هما نتيجة للسياسة الإسرائيلية العدوانية المستمرة علي اللبنانيين والفلسطينيين. فهل شكل اغتيال وسام الحسن, في أحد أهدافه, تنفيذ البند الثاني من القرار 1559 من خلال المراهنة علي إشعال فتن طائفية ومذهبية يتورط فيها سلاح المقاومتين اللبنانية والفلسطينية؟! وهل ستنأي إسرائيل بنفسها عن فرصتها الذهبية هذه لتحقيق هدف عجزت عن الوصول إليه في حربها علي لبنان عام 2006؟!
صحيح أن هناك جهات وأجهزة أمنية عديدة (غير لبنانية) تتحرك في لبنان, لكن كان من غير الإنصاف, علي مدي السنوات السبع الماضية, تجاهل العامل الإسرائيلي في الاغتيالات الأمنية والسياسية اللبنانية.
وهل نسي اللبنانيون والفلسطينيون الأعداد الكبيرة من العملاء الإسرائيليين الذين كشفوا عن أنفسهم مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982, وبينهم من كان مرافقا لياسر عرفات في مقره الأمني في بيروت, وآخر كان معروفا باسم ##أبو الريش## يتسكع في شوارع بيروت ويتظاهر بأنه إنسان مشرد ومختل عقليا, فإذا به عقيد إسرائيلي قام بترشيد القوات الإسرائيلية في بيروت حينما دخلتها في سبتمبر 1982, وآخرون من العملاء الذين أعلنت عنهم أحزاب لبنانية ومنظمات فلسطينية وجري نشر أسمائهم في الصحف اللبنانية أواخر العام .1982
إذا كانت إسرائيل وأجهزتها الأمنية تتسلل إلي أهم المواقع السياسية والأمنية في دول كبري, ومنها الحليف الأكبر لها أمريكا, فلم لا تفعل ذلك مع أعدائها ##الجيران## لها؟ فرغم كل العلاقات الخاصة يين أمريكا وإسرائيل, ترفض واشنطن الإفراج عن جيمس بولارد, الأمريكي اليهودي الذي يقضي عقوبة السجن منذ مطلع التسعينيات بتهمة التجسس لإسرائيل, وقد انضم إليه مؤخرا عملاء جدد كانوا يعملون لصالح إسرائيل في مواقع أمنية أمريكية, ومن خلال علاقتهم مع منظمة ##الإيباك##, اللوبي الإسرائيلي المعروف بواشنطن.
وهل كان باستطاعة إسرائيل أن تغتال خليل الوزير في تونس وكمال ناصر وكمال عدوان في بيروت وغيرهم من القيادات الفلسطينية في أماكن أخري لو لم يكن لديها العديد من العملاء والمرشدين في هذه الدول؟
من السذاجة طبعا تجاهل كل ذلك واعتبار أن إسرائيل هي طرف محايد ومراقب لما يحدث في ##جوارها## العربي المعادي لها, بل سيكون من السخف الاعتقاد بأن إسرائيل قبلت بروح رياضية هزيمتها العسكرية في لبنان وبأنها ستسامح من قاومها! فهل يشك أحد بمصلحة إسرائيل في اغتيال لبنان؟!
نقلا عن جريدة البيان الإماراتية