لا تزال الترجمة هي همزة الوصل بين بلدان العالم وأداة المعرفة الحقيقية للحضارات المختلفة من عادات وتقاليد اجتماعية.
طبقا للتقرير الإ نمائي الأخير للأمم المتحدة فإ ن البلاد العربية لم تعد تهتم بالترجمة ففي حين تترجم إ سرائيل 450 كتابا لكل مليون مواطن تترجم المنطقة العربية كتابا واحدا لكل 4.4 مليون مواطن عربي .
حول هذه الأزمة وأسبابها وخطورتها والمشكلات المترتبة عليها أجرت وطني هذا التحقيق:
مشاكل الترجمة والمشروع القومي
يقول الدكتور ماهر شفيق فريد أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة أن الترجمة هي أطلالة الفكر المبدع علي صفحات الإبداع لدي الآخرين كما أنها جسر التواصل بين ألسنة تعبر عن الحضارات ومشاكل الترجمة حاليا منها مايرجع للكم وما يتعلق بالكيف فمن حيث الكم نجد أن عدد الكتب المترجمة في مصر لايزال قليلا جدا مقارنة ببلاد أخري مثل إسبانيا أو الهند أو
إسرائيل أما من حيث الكيف فهناك إنحدار شديد في مستوي الترجمة إذا ماقورنت بالترجمات التي كانت تقدم منذ سنوات لطه حسين والعقاد وادوار الخراط وشفيق مقار ونجيب محفوظ وغيرهم من أعلام الأداب والترجمة ولعل مشكلة الترجمة أيضا تكمن في انخفاض مستوي الخريجين الجامعين والافتقار إلي كوادر تعليمية علي المستوي المطلوب بجانب أن المترجم لاينال تقديرا ماليا أو أدبيا كافيا فمازلنا نحاسب المترجم بالقروش علي عدد الكلمات المترجمة ولاننظر لقيمة العمل المترجم فلا تفرقه بين الروايات البوليسية والأعمال الفلسفية بالإضافة إلي مشكلتي التسويق لأعمال الترجمة ووضع جميع الأعمال الأدبية من أعمال روسية وصينية وهندية في لغة وسيطة غالبا ماتكون الإنجليزية فضلا عن الصعوبات والإجراءات الروتينية للتعاقد مع دور نشر أجنبية لتقوم بتوزيع الأعمال المترجمة العربية في أوربا ودول أسيا وأمريكا بجانب مشكلة أخري يجب ألا نغفلها وهي أن هناك ميلا متزايدا للإنغلاق والعودة للسلف ورفض كل ماهو جديد من الغرب بحجة أنه فكر مستورد يتناقض مع قيمنا وثوابتنا فالترجمة كغيرها من الأنشطة الفكرية لاتزدهر إلا في مناخ من الحرية وتقبل الآخر والانفتاح علي الثقافات المختلفة.
أضاف الدكتور فريد يجب أن تدعو جهود المجلس الأعلي للثقافة بتبنية مشروع قومي للترجمة بدأ منذ 1995 تم خلاله ترجمة أكثر من ألف كتاب فضلا عن مجلسة الألسن للترجمة وجار الانتهاء الآن من ألف كتاب أخري كما تقوم الهيئة العامة للكتاب بالترجمة طبقا للمواصفات القياسية المصرية من وإلي اللغة العربية والإنجليزية فضلا عن مساعدة معهد الأهرام الإقليمي للصحافة والذي بدأ نشاطه منذ عام 1992 بتقديم برامج اللغة الإنجليزية للصحفيين ثم امتد نشاطه ليشمل مختلف المجالات ذات العلاقة الوثيقة بالترجمة من خلال التعاون مع وزارة الخارجية وإنماء الصحفيين بالدول العربية.
أوضح الدكتور عماد غازي المشرف الأسبق علي المشروع القومي للترجمة أن المشروع استكمل ترجمة ألف كتاب في أكتوبر 2006 كما يهدف إلي إصدار مجالات متخصصة في مجال الترجمة وإعطاء دورات تدريبية للمترجمين وأن هناك أربعة جهات حكومية تتولي مسألة الترجمة هي وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة بالإضافة إ لي أكاديمية الفنون وللأسف لايوجد تنسيق بين كل هذه الجهات وبالتالي يتم ترجمة الكتاب الواحد أكثر من مرة.
المستشرقون تلاعبوا بالأدب العربي
أشار المستشار الدكتور محمد مجدي مرجان رئيس منظمة الكتاب الأفريقيين والأسيويين إلي أن الترجمة من أهم العناصر الفعالة بين الشعوب والحضارات فهي تمثل جسورا بين البلدان وفي حالة إهمالها ستؤدي إلي هلاك ودمار وإذا نجحت الترجمة في نقل النص المترجم كما هو أدت إلي ثقافة صائبة وصحيحة والعكس ومشكلة العرب حاليا أن العالم أصبح الأن لايعرف شيئا عن الأدب العربي لأنه لم يترجم وظل في يد عدد من المستشرقين الذين تلاعبو بعضهم به فقدموا منه مايخدم الفكرة المسبقة عن الشرق كرغبة في السيطرة والنفوذ وبكل أسف صدقهم الناس دون البحث والتصحيح كما أن الدعم المرصود لعملية الترجمة في كل الدول العربية ضعيف جدا بالمقارنة بدولة واحدة مثل إسرائيل التي تخصص ميزانية ضخمة للترجمة
يري الدكتور مرجان أن السفارت يجب أن تلعب دورا مهما بجوار وزارة الخارجية ووزارة الثقافة لنهضة الترجمة كما أن مكتبة الإسكندرية ليست لها دور في هذه النهضة كما كانت تفعل في العصور السابقة بالإضافة إلي أن هناك أخطاء قاتلة إذ ما استخدم الكمبيوتر في عملية الترجمة حيث أنه فشل فشلا ذريعا في الترجمة من اللغة العربية إلي لغات أخري أما مانجح فيه هو الترجمة من الإنجليزية إلي اليابانية والسبت هو أن اللغة اليابانية لها نمط خاص في بناء الجملة يشبه المصطلحات العلمية والمعادلات الرياضية وطالب الوزير فاروق حسني بإنشاء مركز خاص بالترجمة ليدرب المترجمين وخريجي الكليات الخاصة بالأداب اللغوية المختلفة حتي لايأتي يوما لانستطيع فيه ترجمة الكتب العالمية.
الجامعة الأمريكية والترجمة
قال الدكتور عاطف الخطيب مسئول قسم الترجمة والنشر بالجامعة الأمريكية الترجمة لها قيمة عظمي والجامعة هنا لديها برنامج متكامل للترجمة للكتاب والروائيين العرب لتحويلها من اللغة العربية إلي الإنجليزية كما تمنح الجامعة جائزة نجيب محفوظ للأداب للروائيين الذين قاموا بترجمة العمل الفائز وتطمح الجامعة للوصول لترجمة مائة كتاب سنويا.
شكاوي عديدة من الترجمة
قالت الدكتورة ناهد الديب مديرة مكتب الترجمة التخصصية وأستاذ اللغة الألمانية بكلية الأداب جامعة القاهرة أنه لاتوجد خطة محددة المعالم لاختيار الأعمال الأدبية التي يراد ترجمتها بالرغم من وجود مترجمين أكفاء كما لاتوجد استراتيجية قصيرة أو طويلة للنهوض بها وهناك عزوف عن الترجمة بسبب مقابلها المادي الضعيف فالترجمة مهنة تحتاج إلي جهد ووقت وتفرغ.فالترجمة عملية إبداعية -علمية وقد يحتاج الكتاب الواحد لعامين تفرغ كامل لنقل نص مترجم بأسلوب صحيح غير مشوة المعالم.
أضاف الدكتور مصطفي لبيب عبد الغني أستاذ الفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم بكلية الآداب جامعة القاهرة أنه لايوجد خطة لتخريج كوادر جديدة من المترجمين ليحلوا محل الكوادر الحالية وفي حالة عدم تدارك الأمر فسوف يحدث فراغ في مجال الترجمة خلال عقد أو عقدين من الان كما أن هناك خلل كيفي في تحقيق توازن في مجالات الترجمة المختلفة حيث تطغي الترجمات الأدبية والتاريخية علي الترجمات العلمية ولاتوجد أيضا إسهامات فعالة من أقسام كلية الألسن فيجب عمل خطة علي المدي القصير لسد النقص الحاصل في الأعمال المطلوبة من الترجمات في مجالات العلم المختلفة بما يتناسب مع الميزانية المرصودة لذلك حتي لايتم ترجمة فرع علي حساب فرع أخر مع توفير أجور مناسبة للمترجم فلابد الآن من مشاركة ودعم رجال الأعمال في هذا الأمر
أشار الدكتور محمد عبد العاطي أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة أن مشاكل الترجمة تنحصر فقط في الدعم المالي وليس الإبداعي في ظل غياب دور المؤسسات الكبري في حركة الترجمة فمازلنا نفكر في الأرخص وليس في الأجود فقد قمت بترجمة مسرحية كاملة أعطيت لمن كتبها فقط علي الكمبيوتر ألف جنيه وكانت مكافأتي عن المسرحية من وزارة الثقافة 1000 جنيه فهل هذا يعقل؟!!
القاهرة مرشحة لسوق الترجمة
من جهة أخري قال الدكتور ناصر الأنصاري.رئيس هيئة الكتاب أن القاهرة مرشحة لتكون مركز لتبادل حقوق النشر والترجمة بين الدول العربية والعالم وذلك من خلال التعاون المستقبلي في مجال نشر الأدب والفكر العربي في الدول الغربية فأتساع الملتقيات الدولية يؤدي إلي اتساع دائرة مشروعات الترجمة في العالم العربي التي تحترم الملكية الفكرية فنحن نتمم مابدأناه في اتحاد الناشرين المصريين والعرب لترسيخ هذه الحقوق من خلال التواجد في معرض القاهرة للكتاب والذي تأتيه بعثات للشراء والتعاقد من مختلف دول العالم وبالتالي فإن معرض القاهرة للكتاب يمثل أكبر تجمع للقوي الشرائية في سوق الكتاب العالمية مما يجعله مؤهلا لأن يكون النواة الرئيسية لإطلاق وتطبيق تبادل حقوق المؤلف وتنشيط حركة الترجمة بين دول العالم حيث أن الترجمة للغات الأجنبية تساهم في حوار الحضارت والثقافات.
مصر سوق ضخمة
أشار أحمد أمين ممثل المكتبة الأكاديمية المصرية إلي أن مصر تمثل سوقا ضخمة للكتاب الجامعي المترجم إنطلاقا من العدد الكبير من الجامعات المصرية التي تدرس بالإنجليزية وانتشار الجامعات الأجنبية في مصر ومنها الألمانية والفرنسية بجانب الأمريكية مما يعني حاجة هذه الجامعات إلي الكتاب الأجنبي خاصة في العلوم التجارية والإنسانية والحاجة إلي ترجمة هذه الكتب الأجنبية ليتم تدريسها في مصر وطالب بضرورة تسهيل حركة ترجمة هذه الكتب ففي الماضي كانت مراكز الثقافة الأجنبية تلعب دورا نشطا في هذا المجال مثل معهدجوتهوالمعهد البريطاني حيث كانا يقومان بتحمل تكاليف الترجمة تاركا نشر الكتاب علي الناشر والأن اختلفت هذه الأوضاع وتدهورت لذلك من الضروري فتح الباب أمام حقوق النشر للكتاب الجامعي والطبع في مصر.
كما أعرب أمين.عن أمله في توصل العالم العربي إلي برنامج عمل عربي لتوفير الدعم المادي لترويج حركة الترجمة بمختلف اللغات فما حدث في معرض فرانكفورت عام 2004 من رواج لحركة ترجمة للأدب العربي وصلت إ لي 30 كتابا يمثل حافز وقتي ولابد من التوصل لصيغة أو مبادرات تتفق فيها الدول العربية وتختار فيها الكتب التي ترغب في ترجمتها فالباب مفتوح الآن حيث أن منظمة التبادل الثقافي بأستراليا أكدت غياب الكتاب العربي المترجم مثل أعمال نجيب محفوظ والطبيب صالح بها وتقوم بطلبها من إنجلترا كما أن مصر تستورد 400 ألف نسخة من الكتب الأكاديمية سنويا من دول العالم وبالتالي يجب فتح مجال الطبع كما هو الحال في الهند بالإضافة إلي تقديم تسهيلات في الترجمة من قبل المؤسسات الثقافية الأجنبية
للنشر صناعة
قال محمد عبد اللطيف رئيس اتحاد الناشرين العرب أن حركة الترجمة في المنطقة العربية أصبحت ذات أبعاد أكبر مما كانت عليه في الماضي وذلك لتخطي أشكالية أن العالم العربي يعرف الغرب عن الأدب الغربي أكثر مما يعرف عن العالم العربي فالاهتمام الحقيقي بالأدب العربي جاء عقب حصول أديبنا الكبير نجيب محفوظ علي جائزة نوبل قبل ذلك كان ينحصر اهتمام الغرب في ترجمة التراث العربي فقط ومصر تهتم بالترجمة بشكل كبير فبعد مابدأت مشروع ترجمة آلاف كتاب وانتهت منه بدأت في مشروع الألف الثانية من خلال المركز القومي للترجمة بوزارة الثقافة بالإضافة إلي المبادرات العربية المشابهة في مجال الترجمة وأهمها مشروع كلمةللترجمة بالأمارات ومشروع مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض ومؤسسة مكتوم بدبي
استطرد عبد اللطيف أن صناعة النشر في العالم العربي لاتشكل نسبة عالمية في النشاط الاقتصادي من جملة الصناعات الأخري حيث تصل إلي حوالي 1.3% في العالم العربي تختص مصر منها بنسبة 8.% بالإ ضافة إلي أن صناعة النشر تواجه العديد من العقبات منها عدم دقة الأرقام والاحصائيات الخاصة بها للتعرف علي أبعاد الصناعة بشكل دقيق كما أنه من الضروري الآن زيادة العقوبات المفروضة علي القرصنة والتزوير وعدم احترام حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي لأنها غير رادعة بالإضافة إلي أن عنصر الرقابة يتفاوت من بلد إلي أخر لتصبح السوق قوية في حالة تطبيق الضوابط والمعايير التي يمكن الاتفاق عليها.
يري عبد اللطيف أن مشكلات مثل الأمية والأبعاد الاقتصادية لفئات الشعب في المجتمعات العربية تؤثر علي تسويق الكتاب والرغبة في الحصول عليه بجانب غياب المنظومات الفعالة لتوزيع الكتاب العربي وبالتالي ضعف الطلبات واعتماد الناشر العربي والمترجم علي كفاءته الخاصة حيث لاتوجد برامج لتدريبهم من قبل المحترفين من خلال الدراسة.
إحياء حركة الترجمة
أكد كريم ناجي الرئيس التنفيذي لمشروع كلمة والخاص بإحياء حركة الترجمة في العالم العربي تحت إشراف هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث إلي أن مشروع كلمةمبادرة لإحياء حركة الترجمة والنشر والتوزيع لمختارات الكتب من خلال توحيد جهود المؤلفين والكتاب والمترجمين والناشرين والموزعين لإنتاج مجموعة واسعة من الكتب وتوفيرها ووضعها في متناول القراء العرب.
أضاف ناجي أنه طبقا لتقرير التنمية البشرية في الدول العربية لعام 2003 فإن الترجمة تلعب دورا بارزا في نقل المعرفة كما أنه بين عامي 1990-2002 أرتفعت نسبة التعليم بين الشباب في العالم العربي من63.9% إلي 76.3% فمن حق الجيل المتعلم أن يروي ظمأه إلي الكتب والمعرفة بلغته الأم.