وطني رصدت كافة الآراء:
قال رمسيس النجار محامي بعض العائدين للمسيحية: الحكم أكد نص المادتين 40و46 من الدستور وفسر المادة 47 من قانون 143 تفسيرا حقيقيا والتي تنص علي أن مصلحة الأحوال المدنية ملزمة بتغيير العقيدة في الأوراق الرسمية بموجب شهادة صادرة عن جهة الاختصاص ,وهي البطريركية للمسيحيين,لذلك تكون مصلحة الأحوال المدنية ملزمة بتغيير البيانات عند تقديم البطريركية شهادة بعودة شخص للمسيحية.
بالرجوع لحيثيات الحكم يتضح أن المحكمة استندت للمادة الثامنة من القانون 143 لسنة 1974 والتي تنص علي أن تحتفظ مصلحة الأحوال المدنية بكافة البيانات لتمكن الأزواج والأصهار من الاطلاع عليها دون غيرهم وذلك لأن الفترة التي أشهر الشخص فيها إسلامه يترتب عليها حقوق والتزامات والفترة التي عاد فيها للمسيحية ترتب حقوق والتزامات أخري.
أشار رمسيس إلي أنه لايمكن عمليا ذكر عبارة مسلم سابقا في البطاقة وحيثيات الحكم توضح بين ثناياها أن العبارة ستذكر في الأوراق فقط وليس في كارت البطاقة.
اختلف نجيب جبرائيل محامي بعض العائدين للمسيحية مع الرأي السابق فقال :الحكم سعي في ظاهره لتحقيق المواطنة من خلال إقرار حرية العقيدة إلا أنه يثير مشاكل عدة في التطبيق ضمنها المشاكل الاجتماعية المتعلقة وغيرها.
واستطرد جبرائيل قائلا:ذهب البعض إلي أن الإشارة لسابقة اعتناق الإسلام نوع من العقاب علي التلاعب بالأديان وهذا مردود عليه بأن هناك صغارا لم يعتنقوا الإسلام ولكنهم أخذوا بالتبعية لأحد والديهم الذي أشهر إسلامه سابقا فما ذنبهم إذا أن يكتب لهم سبق اعتناقهم الإسلام علي ما يخالف الحقيقة؟!كما أن القانون لم ينص في أي موضع فيه علي عقوبة جنائية لمن يترك ديانته ثم يعود إليها والأصلح حتي يكون الحكم غير معيوب أن يتم إثبات هذه العبارة في الأوراق واستمارات البطاقة الشخصية ولايتم تحريره في كارت البطاقة, وإذا تمت كتابة ذلك في كارت البطاقة يتطلب الأمر تفسيرا من المحكمة الإدارية العليا,أو رفع قضية أخري ضد وزير الداخلية لإلغاء العبارة.
تخوفات
رغم أن الحكم أسعد البعض إلا أنه أثار تخوفات لدي البعض الآخر في إشكالية تطبيقه التي ذكرناها سالفا في هذا الصدد علق:الأب رفيق جريش راعي كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك ورئيس مجلس إدارة جريدة حامل الرسالة قائلا:الحكم خطوة أولي في طريق حرية العقيدة ولكن لدي تخوفات من تعرض العائدين للمسيحية لمضايقات نتيجة ذكر عبارة(سبق اعتناقه الإسلام)وكان من الأفضل أن توضع هذه العبارة في الجزء الممغنط من الكارت إذا لزم الأمر بحيث لاتكون ظاهرة لكل من يطلع علي البطاقة الشخصية.
كما أن هناك تساؤلات تطرح نفسها وتحتاج إجابات,فمثلا: ماحكم الأطفال الذين أنجبهم الشخص العائد أثناء فترة إسلامه,هل سيظل الأطفال مسلمين أم يجب أن يتبعوا ديانة أبيهم ويصبحوا مسيحيين بعد أن عاد للمسيحية؟
نيافة الأنبا مرقس قال إن الحكم قد يثير حفيظة بعض المتشددين من المسلمين الذين قد يطلعون علي البطاقات الشخصية أثناء المعاملات اليومية وقد يحرضون علي هؤلاء الأشخاص.
محسن بدوي رئيس مركز عبد الرحمن بدوي للإبداع قال:الحكم متوازن جدا فمن حق المسيحي الذي يريد العودة إلي دينه أن يعود وأيضا من حق المجتمع أن يعرف أنه كان مسيحيا ثم أشهر إسلامه ثم عاد للمسيحية لما لذلك من أهمية في مسائل الزواج والنسب وأيضا لضمان عدم التلاعب بالأديان لمن تسول له نفسه ذلك لاحقا.
استكمل بدوي حديثه قائلا:الوحيدون الذين يقع عليهم الظلم إذا ماكتبت لهم عبارة مسلم سابقا هم الأطفال الذين يعتبرهم القانون مسلمين بالتبعية لوالدهم ومصائرهم غير معروفة أو أقترح أن تنص القوانين علي وجوب الإبقاء علي ديانة الأطفال التي ولدوا عليها ويعتنقها آباؤهم عند إنجابهم بحيث لايترتب علي تغيير ديانة الآباء تغيير ديانة الأبناء.
العائدون يتحدثون
للوقوف علي آراء بعض العائدين التقينا بـ.أ.ن وقال:أسلمت لأتخلص من رباط الزوجية بسبب خلافاتي مع زوجتي ثم عدت للمسيحية بقلبي ولكن لم أستطع تغيير بياناتي في البطاقة والآن بعد أن حكم لي لايهمني أن يكتب في البطاقة مسيحي فقط أو مسيحي وكان مسلما فالمهم أنني صححت وضعي في الأوراق الرسمية.
د.ع.ع فتاة في مقتبل العمر أسلم والدها منذ سنوات طويلة فتم تحرير أوراقها الرسمية باعتبارها مسلمة بالتبعية لوالدها فقالت:تحرير بطاقة شخصية مثبت فيها أنني سبق اعتناق الإسلام لا يمثل أية أهمية بالنسبة لي فأهم شيء أن ديانتي المسيحية تم إثباتها لأنها الديانة التي توافق معتقدي الداخلي وإضافة عبارة مسلم سابقا لن تفيد ولن تضر وإن كانت تمثل نوعا من التعقيد المفتعل لكن كل المحيطين بي يعلمون أنني نشأت في حضن الكنيسة ولم ولن أغير عقيدتي.
يري بهي الدين حسن الناشط الحقوقي أن الحكم خطوة للأمام تمثلت في اعترافه بالديانة الحقيقية للمحكوم لهم بينما نص الحكم علي أن تكتب الديانة السابقة في البطاقة وهي خطوة للخلف فإذا كان الأمر الذي وصل إليه الحكم بعد المداولات القضائية الطويلة هو إضافة الديانة السابقة للشخص بجوار الديانة الحالية فلماذا لم يحدث هذا من قبل-عندما أشهروا إسلامهم-والأهم في هذا السياق أن ذلك يهدد بتعريض حياة هؤلاء الأشخاص لخطر كبير في مجتمع تغلغل فيه التطرف الديني الذي يري فيه المتطرفون وفقا لتصورتهم أن العائدين للمسيحية مرتدون ومن ثم فهل يتبرع أحد بتطبيق حد الردة علي أحدهم؟
وأضاف بهي أنالحكم جاء برحمة كبيرة في باطنها عذاب أكبر اتضح ذلك جليا في آراء الفقهاء الذين كتبوا في هذا الموضوع .حيث دعوا إلي عدم التعامل مع هؤلاء المواطنين ومقاطعتهم واعتبروا أنه لاينطبق عليهم تعبير ينتمون إلي دين كتابي.
يري الدكتور جابر جاد نصار أستاذ القانون العام أن الحكم أقر للشخص-بصفة عامة-أن تترجم بطاقته صورة حقيقية لواقع حياته وذلك حماية للأمن الاجتماعي وحتي يتبين للأفراد داخل المجتمع حقيقة الأشخاص وهوياتهم عندما تكون هذه الحقائق ذات تأثير في التعامل مثل الزواج وهي مسائل تحتاج لعلم هذه الحقائق.
من هذا المنطلق يعتبر الحكم إضافة من حيث إنه أكد علي ضرورة حماية النظام العام في المجتمع فلا يمكن أن تكون بطاقة الهوية وهي بطاقة رسمية صادرة عن سلطات الدولة المفترض فيها أنها محل ثقة أن تحمل بيانات غير حقيقية تؤدي إلي تعقيد الواقع الاجتماعي وعلاقات الأفراد بعضهم البعض ومن هنا يعتبر الحكم خطوة نحو تفعيل حرية العقيدة .
هذا جزء أما الجزء الآخر فيتعلق بالإشارة إلي الديانة السابقة بهذا قد يتضح أنه إعلان للواقع ولكن في الحقيقية قد يؤدي هذا الأمر إلي بعض التخوف من تأثيرات هذه الإشارة التي تنطوي علي تمييز,فبالرغم من أنها تعبر عن حقيقته إلا أنها قد تؤدي إلي عدم تسامح المجتمع وإلي مزيد من الاحتقان والمشكلات التي من الممكن أن تحدث بين أفراده سواء من دين واحد أو من أديان مختلفة وكان من السهل تفادي هذه التعقيدات لو نص الحكم علي أن يشار إلي الديانة السابقة في الأوراق وليس في كارت البطاقة.
ويري أن المدخل الأساسي لتعديل ما جاء به الحكم هو أن تعدل المحكمة الإدارية العليا عن هذا المبدأ في حكم لاحق لأشخاص آخرين فيصبح من حق المحكوم لهم بغير ذلك المطالبة بمساواتهم
من حيثيات الحكم
ذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أن المشرع قد أولي رعاية خاصة لتنظيم قيد بيانات الأحوال المدنية للمواطنين,ومن المسائل المهمة التي عني بتنظيمها بطاقة تحقيق الشخصية بحسبانها أن هذه البطاقة هي الوعاء الذي ينطوي علي البيانات المدنية الأساسية للمواطن والتي علي أساسها يتم التعامل مع المجتمع,سواء تمثل في الجهات الرسمية أو الأفراد فهي الوثيقة الأساسية التي يرتكن في تبيان نوع الشخص وديانته ووظيفته وحالته الاجتماعية وأهليته القانونية وعليه فإن البطاقة وإن لم يترتب عليها بذاتها آثار قانونية محددة فإنها الوثيقة التي يرتكن إليها في التعامل في المجتمع فيجب أن تكون البيانات المدونة بها معبرة حقا وصدقا عن واقع الحال للمواطن لذلك أوجب المشرع علي المواطن أن يسارع إلي استخراج بطاقة تحقيق الشخصية متي بلغ ستة عشر عاما وأن يبادر أيضا إلي تحديث بياناتها إذا طرأ عليها أي تعديلات وحتي يكون المجتمع ممثلا في جهات الإدارة والأفراد علي علم كامل بحقيقة البيانات المدنية للشخص الذي يتم التعامل معه.
وفي إشارة محكمة قالت الحيثيات:ألزم المشرع في المادة 47 جهة الإدارة إثبات أي تعديلات تطرأ عليها, دون حاجة إلي عرضها علي أية لجنة مادام البيان المشار إليه صادرا عن الجهات المختصة البطريركية وقد جاء لفظ الديانة في القانون مطلقا دون تحديد لديانة معينة ومؤاده أنه يعني أي تعديل في أية ديانة من الديانات السماوية الثلاث.
وعليه فإنه علي مصلحة الأحوال المدنية متي تكاملت الوثائق التي تثبت صحة البيان الصادر عن الجهات المختصة أن تقيد البيان في بطاقة تحقيق الشخصية دون أن يعد ذلك تسليما منها أو إقرارا بسلامة البيان.
ومن ناحية أخري فإن الامتناع عن قيد البيان الذي يعبر عن الحالة الواقعية للمواطن هو الذي يتصادم مع النظام العام,خاصة إذا كان يتعلق ببيان الديانة إذ يترتب علي ذلك أن الشخص يتعامل في المجتمع علي خلاف الدين الذي يعتنقه ويحرص علي أداء شعائره مما قد يؤدي إلي تعقيدات اجتماعية ومحظورات شرعية مقطوع بها كحالة زواج مثل هذا الشخص المرتد من مسلمة وهو أمر تحرمه الشريعة الإسلامية تحريما قاطعا ويعد أصلا من أصولها الكلية,ولما كان تعديل الديانة من الإسلام إلي المسيحية في بيانات بطاقة تحقيق الشخصية لايعد إقرارا لهذا الشخص علي ماقام به,لأن المرتد لايقر علي ردته طبقا لمباديء الشريعة الإسلامية وما استقرت عليه أحكام محكمة النقض, وإنما يتم ذلك نزولا علي متطلبات الدولة الحديثة, التي تقضي بأن يكون بيد كل مواطن وثيقة تثبت حالته المدنية, بما فيها بيان الديانة لما يترتب علي كل بيان منها مركز قانوني للشخص لايشاركه فيه غيره وبالتالي فإنه علي جهة الإدارة أن تثبت للمواطن بياناته علي نحو واقعي في تاريخ إثباتها ومنها بيان الديانة وما يطرأ عليه من تعديل متي كانت الديانة من الديانات السماوية الثلاث المعترف بها حتي تتحدد علي ضوئها حقوقه وواجباته المدنية والشخصية ,ومركزه القانوني المترتب علي الديانة التي يعتنقها ,علي أن يثبت ذلك في بطاقة تحقيق الشخصية مع الإشارة في هذه البطاقة إلي سبق اعتناق الشخص للإسلام كي تعبر البطاقة بصدق عن معتقدات الشخص الحقيقية وواقع حاله الذي يتحدد في ضوئه مركزه القانوني.
فإن امتناع جهة الإدارة عن تعديل ديانة الطاعن في بطاقته الشخصية وشهادة الميلاد من الإسلام للمسيحية يخالف صراحة نص المادة 47 من القانون رقم 143 لسنة 1994 مما يجعل قرارها بالامتناع مخالفا للقانون دون أن يعد ذلك بمثابة إقرار للطاعن علي ردته وإذا ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب فإنه يتعين الحكم بإلغائه والقضاء بقبول الدعوي شكلا وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب علي ذلك من آثار أخصها أن يقيد ببطاقة تحقيق الشخصية وشهادة الميلاد أن الطاعن مسيحي الديانة مع الإشارة في هذه البطاقة وتلك الشهادة إلي سبق اعتناقه الديانة الإسلامية وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات عملا بالمادة 184 من قانون المرافعات.