في لحظة إتمام الخلاص, وهو علي خشبة الصليب القاسية, لم ينس المسيح أمه, الشوك ينغرس في الرأس, الخل يمتزج مع مرارة الخيانة.. الحربة تفتح جراح الأحبة.. حضن الأم الناعم.. لحظات من ذاكرة الطفولة.. تمر كالندي الرقيق.. المطارد من حضن صليب حاد وخشن.. حضن قاتل!.
. ورغم بشاعة الآلام كانت الوصية إلي التلميذ الحبيب.. ومن حب المسيح لأمه, نجد الحب الباذل من أمهات لشخصه الممجد, حيث يحفل تاريخ الكنيسة المجيد بالكثير من السير النورانية لأمهات عظيمات كان سيف الرومان البتار ينغرس في قلوبهن بكل جبروت, قبل أن يحصد رقابهن, فكم كانت آلامهن لا تطاق.. وهن يراقبن فلذات أكبادهن في طريق الموت. هنا تتجلي عظمة يوليطة ودولاجي ورفقة وغيرهن.. وبين التاريخ والمعاصرة تصبح الكنيسة هي الأم التي ترضع لبن الإيمان, ويصبح في كل بيت كنيسة تقدم البطاركة والأساقفة والكهنة والشمامسة والشعب الذي يحمل في قلبه صليب الإيمان, ويري أمه واقفة تراقب ثمار زرعتها في أجساد صارت من رعية المسيح الممجدة.
ومن بين أمهات البطاركة يقف التاريخ الكنسي بإشارته الذكية إلي أم البطريرك مكاريوس الـ59, التي لم تأخذها الفرحة باختيار ابنها بطريركا بقدر تقديرها للمسئولية الضخمة التي حملها فوق كتفه, الأمر الذي يكشف عن خوفها علي حياته الأبدية.
ولنجد البطريرك اليتيم الذي أصبح أبا لكثيرين, قداسة البابا شنودة الثالث والذي كتب عن الأمومة يقول:
أنت يا أماه سر غامض
أنت نبع من حنان حيث كنت
ليأتي رحيل الأم سامية نسيم والدة البابا تواضروس لتكشف عن حالة من التضامن المجتمعي والكنسي -الصادق- تتضافر في مواكب وكلمات العزاء والرثاء للبطريرك المصلوب علي كرسي مارمرقس في ظروف قاسية ليتحمل مسئولية شاقة.. وليتواكب معها عودة صورة الأم التي تبذل فلذات أكبادها علي اسم المسيح في شخص والدة الشهيدة ماري سامح جورج التي نالت إكليل الشهادة علي هويتها الدينية.. وهكذا نجد تاريخ المسيحية الحي المعاش, يعيد نفسه مع الأم التي تقدم ابنها للهيكل ليصبح راعيا والأم التي تقدم ابنتها ذبيحة فوق الهيكل, لتكتمل رسالة الأم المسيحية في أبهي صورة.
لنحصد ثمرة في الحياة الأبدية وثمرة في الحياة الكنسية, تتويجا لرسالة سامية, كانت الأم سامية نموذجا رائعا لها.