في إطار التحضير لقمة عدم الانحياز التي سوف تنعقد في طهران ابتداء من الخامس والعشرين من شهر أغسطس المقبل, دعا علي أكبر صالحي, وزير الخارجية الإيراني إلي تصحيح الوضع الدولي عبر انتزاع نظام الادارة العالمي
في إطار التحضير لقمة عدم الانحياز التي سوف تنعقد في طهران ابتداء من الخامس والعشرين من شهر أغسطس المقبل, دعا علي أكبر صالحي, وزير الخارجية الإيراني إلي تصحيح الوضع الدولي عبر انتزاع نظام الادارة العالمي من قبل بعض الدول وإجراء مراجعة عالمية تتناول الأسس التي يقوم عليها النظام الدولي . وقبل هذه الدعوة وجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد انتقادات عنيفة خلال قمة ريو في البرازيل إلي الحضارة الغربية التي تعني بالأمور المادية وتتجاهل الجوانب الروحية والإنسانية في حياة البشر, وحملها بالتالي مسئولية الحروب والاستغلال والتسلط الذي يسود العلاقات الدولية . وانتقد أحمدي نجاد أيضا المؤسسات الدولية الراهنة, مثل مجلس الأمن ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لأنها تعمل بوحي من قيم الغرب وبغرض خدمة مصالحه . واقترح علي المؤتمرين في قمة ريو الدولية التي انعقدت خلال شهر يونيو , العمل علي إنهاء تحكم القوي الغربية في النظام العالمي توطئة للتخلي عن الاعتبارات التي تسود العلاقات الدولية وعن المؤسسات تحتضن المصالح والتوجهات الغربية .
تعكس هذه الدعوات التي يطلقها زعماء الدولة التي سوف ترأس حركة عدم الانحياز التغيير الذي أصاب هذه الحركة . ففكرة عدم الانحياز انطلقت خلال الستينيات في عالم منقسم إلي جبارين عالميين, وارتكزت إلي رغبة الدول الصغيرة الحديثة العهد بالاستقلال في تعزيز سيادتها من دون الالتحاق بواحد من المعسكرين . أما حركة عدم الانحياز اليوم أو ما تبقي منها فإنها تعقد مؤتمراتها في ظل نظام دولي أحادي تقف علي رأسه القوي الأطلسية بزعامة الولايات المتحدة من دون منازع حقيقي . وفيما تشعر بعض دول عدم الانحياز بأن هذا الوضع ينال من حريتها واستقلالها فإنها تأمل بأن يدخل سوق السياسة الدولية منافسون للقوي الأطلسية, مثل الصين أو دول البريكس (البرازيل, روسيا, الصين, الهند وجنوب إفريقيا) فيحدوا من وطأتها وضغوطها علي الدول المتوسطة والصغيرة . ولكن خلافا لهذه الآمال, فإن الاعتماد المتبادل القائم بين الصين والولايات المتحدة, يحتم عليهما التعاون الحثيث في سائر الميادين, كما يقول لي كونغجون رئيس وكالة شينخوا الرسمية الصينة في مقال نشرته صحيفة الهيرالد تريبيون الدولية (19-7-2002). هذا يعني انه علي من يبحث عن قطب جديد ينافس الزعامة الأمريكية ويحد من هيمنتها علي النظام الدولي, أن يجده في مرشح آخر غير الصين . فهل تضطلع إيران بهذا الدور؟
هذه الأوضاع الدولية توحي بأن الزعماء الإيرانيين الطموحين قد يحولون رئاسة قمة عدم الانحياز لمدة ثلاث سنوات, إلي موقع دولي ملائم لتزعم الدول المتمردة علي الزعامة الأمريكية, وإلي مجال لتنفيذ المقترحات التي تقدم بها الرئيس الإيراني إلي قمة ريو . ولكن رغم الحرارة التي تسم الخطاب الإيراني الرسمي الذي يتناول مسألة العلاقات الدولية, فإن طهران لم تتقدم, حتي الآن, بمشروع رسمي واضح وواقعي معا, من أجل تصحيح النظام الدولي . في هذا السياق يمكن القول إن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي, صاحب مشروع ##خطة السلام## الذي تضمن تشكيل قوات سلام تابعة لمجلس الأمن وبضعة مقترحات اصلاحية محددة, كان أكثر راديكالية في دعوته لإصلاح النظام الدولي من أي مسئول إيراني.
إن تخلف طهران عن تقديم مشروع واضح لإصلاح النظام الدولي يعد عند البعض علامة أخري علي الواقعية السياسية التي تسم سلوك القيادات الإيرانية, ذلك أن هذه القيادات التي توجه الانتقادات الحادة إلي واشنطن وتخوض ضدها معارك سياسية لا تفعل ذلك بقصد التصدي للأحادية الأمريكية, ولكن بغرض الضغط علي واشنطن حتي تقبل بأمرين: الأول, هو احترام استقلال إيران والتعايش مع النظام القائم فيها . الثاني, الإقرار بالزعامة والمصالح الإيرانية الإقليمية . وخارج إطار هذين الهدفين فإن الاعتقاد السائد في طهران هو أن واشنطن هي المسئولة عن تدهور العلاقات بين البلدين وليس العكس . ويؤكد الزعماء الإيرانيون صواب هذا الاعتقاد عندما يعددون المرات التي ساعدت فيها طهران الإدارات الأمريكية المتعاقبة علي تحقيق جملة أهداف استراتيجية ومنها: تسهيل الاحتلال الأمريكي في أفغانستان, تسهيل التدخل الأطلسي في كوسوفو, وتسهيل وترسيخ الاحتلال الأمريكي للعراق .
كذلك يعتبر البعض أن من علامات الواقعية السياسية في طهران أيضا, أن طموحات الزعماء الإيرانيين خارج بلادهم لا تبتعد كثيرا عن أراضي بلادهم إذ إنها تتمحور بالدرجة الأولي في توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية . وهذا الاهتمام لا يتعارض, من منظور إيراني, مع مبادئ العلاقات الدولية التي تعارض نزعات الهيمنة, إذ إنه يأتي استجابة لرغبة جامحة لدي الشعوب المسلمة لإقامة جبهة موحدة محورها إيران كما أعلن علي أكبر ولايتي, مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية للشئون الدولية . ومن الأرجح أن المقصود هنا بالشعوب المسلمة, الشعوب العربية حيث إن طهران تبذل جهدا ملحوظا في تعزيز نفوذها في المجتمعات العربية.
يصعب تجاهل مثل هذا التصريح الذي صدر عن سياسي إيراني بارز شغل منصب وزير الخارجية لسنوات ورشح لمنصب رئيس الحكومة, والذي كرر تصريحات مماثلة لزعماء إيرانيين آخرين . اذا كانت هذه حقا القناعة التي تسير أولويات السياسة الخارجية الإيرانية, فإنها سوف تقود إلي مسالك وعرة . وتجنبا لمثل هذه المسالك يؤمل أن يضم الزعماء الإيرانيون فصل العلاقات الإيرانية العربية إلي فصول العلاقات الدولية التي تحتاج إلي مراجعة والي تصويب والي تدقيق . ذلك أنه لو جري استفتاء في سائر الدول العربية بصدد العلاقات مع إيران, فمن الأرجح أن تأتي نتائج الاستفتاء في مصلحة تنمية وتطوير العلاقات بين العرب والإيرانيين . أما لو تضمن الاستفتاء سؤالا حول تمحور العرب حول إيران وانتقال الزعامة الإقليمية من البلدان العربية إلي طهران, فمن الأرجح أن تأتي نتيجة الاستفتاء سلبية.
إن محاولات إيران بسط زعامتها علي بعض الدول العربية سوف تغذي الصراعات الإقليمية وتشحذها إلي أبعد مدي, وتضعف أي مشروع جاد لتصحيح النظام العالمي وإخراجه من يد الأحادية الأطلسية, وتعرقل أي مسعي من أجل اعادة الحياة والحيوية لحركة عدم الانحياز . أما إذا رغب الزعماء الإيرانيون, فعلا, في الحد من الهيمنة الاطلسية علي المنطقة وتعزيز حرية واستقلال شعوب العالم الثالث ودول عدم الانحياز, فالأصح لهم أن يقدموا دعما صادقا ومثمرا إلي مشاريع التكامل الإقليمي العربي وإلي مؤسسات العمل العربي المشترك, وإلي تعميق التعاون وفي إطار حركة عدم الانحياز بين هذه المؤسسات, من جهة, والمؤسسات العاملة في إطار منظمة التعاون الاقتصادي (ايكو) التي تضم إيران, تركيا, الباكستان, أفغانستان ودول آسيا الوسطي.