أشعر مع غيري من المواطنين, بالكثير من القلق علي حاضر الوطن ومستقبله مع كل حادث توتر يقع بين المسلمين والمسيحيين, هؤلاء الذين يشكلون معا ما أصطلح علي تسميته بالجماعة الوطنية المصرية, حيث تحمل تلك الحوادث, التي أصبحت متكررة بشكل ملحوظ, تهديدا للسلم الأهلي وهدوء المجتمع وأمنه, وهي تعوق عملية الاستقرار والتنمية التي يتطلع المواطنون إلي تحقيقها, لاسيما وأن المصريين يمرون, وبالأخص بعد اندلاع ثورتي 25 يناير 2011م و30 يونية 2013م, بمرحلة انتقالية حساسة, علي كل المستويات والأصعدة, مرحلة جديدة تتطلب تأكيد التكامل القومي والاندماج الوطني, وتدعيم الوحدة الوطنية بين المواطنين تحقيقا السلام الاجتماعي والمضي قدما نحو ترسيخ نظام جديد يقوم علي أساس القانون والمواطنة ورفع ألوية الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, والرغبة في تحقيق مكانة مجتمعية أفضل تتجاوز مشكلات الماضي وإخفاقاته.
إن تحقيق الأهداف الكبري والمشروعات القومية مسئولية مشتركة بين كافة مؤسسات المجتمع الرسمية منها والمدنية, والظن أن ترسيخ ثقافة المواطنة, حيث المشاركة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تمييز بسبب الدين أو اللون أو النوع الاجتماعي أو الانتماء الفكري والأيديولوجي.. إلخ.
واحد من بين تلك الأهداف الكبري, التي تتطلب تدخل مؤسسات المجتمع الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية والتشريعية, وغيرها مع العمل علي إنعاش الذاكرة الوطنية بحوادث التاريخ القريب والبعيد التي تؤكد رسوخ الوحدة الوطنية في نفوس المصريين, من أجل ضمان وطن واحد متحد ومجتمع قوي متماسك يسعي أبناؤه من أجل البناء لا الهدم, والإيمان بأننا نعيش في وطن واحد ويجمعنا مصير مشترك, نعاني فيه هموما مشتركة ونواجه تحديات واحدة نعمل علي مواجهتها وتجاوزها إلي آفاق أوسع وأكثر رحابة من العيش المشترك والعمل الجماعي, الإيجابي والبناء.
وثمة تساؤلات كثيرة تفرض نفسها هنا, لماذا تستأثر محافظة المنيا بصعيد مصر بالنصيب الأكبر من تلك الحوادث؟ ألا يستدعي الأمر التوقف أمام تلك الظاهرة؟ وهل يدرك أطراف الأزمة تأثير تلك الحوادث علي قيمة الانتماء والشعور بالأمن والسلام, فضلا عن تأثيرها علي الاستثمار والسياحة وصورة مصر وعملية التنمية بوجه عام؟ ألا يتطلب الأمر اهتماما أكبر من جانب مؤسسات الدولة الأمنية السياسية والدينية والثقافية والتعليمية والقانونية ـ التشريعية؟ ولماذ يهتم بعلاج قشور المشكلة ونتائجها دون الاهتمام بالبحث في الأسباب لاقتلاعها من الجذور؟
لماذا لا يتم تشكيل فرق بحثية تضم تخصصات مختلفة, مثل علوم التاريخ والإعلام والتربية والنفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد وإدارة الأزمات, لدراسة التوترات والاحتقانات التي تقع علي خلفية دينية من حيث أسبابها وظروفها وحلولها المقترحة؟.
ولماذا لا نستفيد من الجامعات المصرية الموجودة في كل محافظة في دراسة تلك المشكلات وبحث آفاق الحل؟ هل يتابع المسئولون وأطراف الأزمة ما تطرحه بعض الصحف والمؤلفات من كتابات رائدة تستهدف الخروج من نفق الأزمة؟ أم أن المثقفين يعيشون في واد والمسئولين في واد آخر؟.
تساؤلات كثيرة تنتظر إجابات واضحة, ومن قبلها إرادة قوية وعزيمة لا تلين تستهدف التوصل إلي حلول قاطعة للخروج من النفق المظلم.
إنه دائما ما تتردد في ذهني كلمات الشيخ الأزهري الجليل رفاعة الطهطاوي (1801 ـ 1873م), رائد التنوير في مصر الحديثة, حين قال: ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بيننا, نبنيه معا بالحرية والفكر والمصنع, ومن بعده مقولة المجاهد الوطني مكرم عبيد (1889 ـ 1961م): هاكم وطنيتنا, نحن في الوطن والوطن فينا شعارا وشعورا, كما أذكر أبياتا شعرية من وحي ثورة 1919م, جاء فيها: إن كنت صحيح بدك تخدم مصر أم الدنيا وتتقدم لا تقول نصراني ولا مسلم ولا يهودي يا شيخ اتعلم اللي أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم.
وفي كتابه (مستقبل الثقافة في مصر ـ 1938م) يقول مؤلفه الدكتور طه حسين لعل الاختلاف بين المسلمين والأقباط في الدين أن يكون أشبه بهذا الاختلاف الذي يكون بين الأنغام الموسيقية فهو لا يفسد وحدة اللحن, وإنما يقويها ويذكيها ويمنحها بهجة وجمالا.