اهتم أحمد لطفي السيد (1872-1963م) بترقية الوطنية المصرية, أو الجامعة المصرية, في نفوس المصريين, مؤكدا أن مصر يجب أن يملكها المصريون دون الأتراك ودون الإنجليز, فقد عمل علي ترسيخ دعوة مصر للمصريين, وكان واحدا من دعاة الوحدة الوطنية, ومن ذلك مثلا أن صحيفة (الجريدة) تابعت الخلاف الذي نشأ بين الأقباط والمسلمين عام 1908م, حيث نشرت مقالا في صفحتها الأولي عنوانه فيم الخصام في عددها الصادر بتاريخ 7 يونيو 1908م, وأغلب الظن أن كاتب هذا المقال هو أحمد لطفي السيد نفسه, مدير الجريدة ورئيس تحريرها في ذلك الوقت.
انتقد الكاتب الخلاف الذي نشأ آنذاك حول تقلد وظائف الحكومة, فقد اشتكي بعض المواطنين الأقباط في ذلك الحين من عدم المساواة مع غيرهم من المواطنين في تقلد الوظائف, بينما رد بعض المواطنين المسلمين علي تلك الشكوي بإنكار هذا الزعم. ويقول: انتظرنا بهذه المجادلة القائمة بين كتابنا من الأقباط والمسلمين في غير مصلحة أن ينتهي أمرها. فما هي إلا تزداد علي نغمة يشفق منها الحريص علي مصلحة الفريقين وحدة تفرق ما بين التوأمين. أولي بالكتاب أن يصرفوا أقلامهم إلي تقرير المبادئ التي يجب أن نسير عليها لتعزيز الوحدة القومية وبث روح التضامن بين المصريين علي السواء. لا أن يقف بعضهم لبعض موقف المحاسب علي ما جادت الإنكليز به عليهم من الوظائف التي ليس منها جاه يطلب فإن الجاه كله بيد المحتلين. وليس من ورائها تأييد مذهب سياسي فإن المبادئ السياسية في مصر حرام علي المصريين الموظفين حتي علي الوزراء السياسيين. ففيم الخصام؟.
وهو يري أن أصل الوظيفة ضريبة تضرب علي كل كفء لها لا مزية يمنحها من أسعده الحظ. فكان من الطبيعي أن يفر كل امرئ من التوظف كما يفر من الضريبة كلما استطاع سبيلا. إلا في البلاد التي ترقت وسادت فيها خدمة المبادئ لا خدمة الأشخاص. هنالك لكل حزب سياسي مبدأ يسعي لتأييده وغرض صالح يسعي لتحقيقه. تدخل الأحزاب السياسية في معترك الانتخاب فالحزب الفائز تكون منه الوزارة. وفي بعض البلاد يتغير الموظفون العالون بتغير الوزارات. في تلك البلاد يسعي الحزب للوزارة وللوظيفة لتأييد المبدأ السياسي وتحصيل الجاه اللازم له حتي ينجح في تحقيق مقاصده التي هي خير البلاد والمحافظة علي مجدها واستقلالها, ويضيف ما الوظيفة كما قلنا أمام الشرف والنظر الصحيح إلا ضريبة من الضرائب يجب علي الكفء دفعها كما يجب علي غير الكفء أن يتظلم من إسنادها إليه كما يتظلم الذي لا أرض له من أن تضرب عليه ضريبة عقارية.
ويتساءل: هل يلحظ إخواننا الكتاب الذين يتحاسبون علي الوظائف فيما يكتبون أن غرض الموظفين من الفريقين هو تأييد مذهب سياسي أو تحقيق غرض عام يري الأقباط أن تحقيقه نافع للبلاد ولا يراه المسلمون؟ وهل كان الأقباط حزبا سياسيا خاصا والمسلمون حزبا سياسيا آخر؟ أم الواقع أن الأحزاب السياسية عندنا كل واحد منها هو مجموع من المسلمين والأقباط؟, ويضيف أنه علي ذلك يمكن القول بأن الضالة المنشودة في كل هذه الجلبة ليست شيئا آخر إلا نقد راتب من مال الحكومة الذي تصرفه أجرة لإنجاز أعمالها.
وعند الكاتب أن الحكومة أقيمت لمصلحة المحكومين لا لمصلحة الحكام حتي إذا كان للحاكم مصلحة خاصة من الحكم وجب عزله لأنه يكون مظنة للجور والانتفاع من وظيفته كما أن طالب التولية لا يولي. ويؤكدضرورة الأخذ بمبدأ الكفاءة بين المصريين, حيث يدعو كلا من المسلمين والأقباط إلي أن يحتجوا معا بصوت واحد علي الأجانب الموظفين في وظائف الحكومة مع وجود الأكفاء من المصريين الذين لهم الحق الطبيعي في أن يعملوا لخير أمتهم والذين حقهم في ذلك مقدس مقدم علي حق الأجانب في خدمة مصر إن كان لهم حق في ذلك.
ويقول: إن مس الأقباط من الإنكليز قرح فقد مس المسلمين قروح. فما طعن لورد كرومر علي الأقباط في كفاءتهم كطعنه علي المسلمين في كفاءتهم ومبادئهم ودينهم أيضا. ولم يكن الإنكليز ليظلموا أحد الفريقين معا بحرمان الأمة من خدمة أبنائها لها بالحرية اللازمة لكل موظف يحترم وظيفته وقومه.
ولا ينسي الكاتب أن يظهر حرصه علي الهدف العام للمصريين آنذاك من حيث حق مصر في نيل الاستقلال مذكرا القراء به, فيقول إنه: إذا ثبت ذلك وترجمت أقوال جرائدنا العربية إلي اللغات الأخري, ألا نخشي أن يقال إنا منقسمون بعضنا علي بعض نتنازع رواتب في وظائف لا عمل لنا فيها إلا تنفيذ إرادة الغير. إشاعة جديدة تضم إلي الإشاعات الأخري التي تبعدنا عن أن نستحق الاستقلال. كأني بالأجانب يقفون أمام هذه الحركة عن قرب فلا يسع أحدهم إلا أن يبتسم من عملنا ابتسامة تدمي قلب الحر وتفطر كبد الغيور علي وحدة قومه. ابتسامة معناها أن هؤلاء القوم لا يزالون يعتبرون التوظف موردا من موارد الرزق ثم يجيء في خاطرهم بعد ذلك أنهم لا يرون وزراءنا وموظفينا يستقيلون من وظائف الحكومة كما يستقيل أمثالهم في البلاد الأخري لأي عمل لا يجيء علي ما يعتقده.. ثم يكون من وراء ذلك أن يثبت في أذهانهم ما رمي به بحق وبغير حق أننا بعيدون جدا عن الحكومة الذاتية. علي أن الموظفين من الطرفين لا أظنهم يشاركون الجرائد في مثل هذا الانقسام فنناشد كتابنا الوطنية إلا ما أقفلوا هذا الباب الخطر النتائج خدمة لوحدتهم القومية وانصرفوا إلي تقرير المبادئ التي يجب أن نسير عليها لترقية المسلمين والأقباط معا لاستقلال مصر.
د. رامي عطا صديق
[email protected]