كثيرا ما تؤرقني الحالة الثقافية العامة, خاصة أنني بحكم عملي في مجال التدريس الجامعي أتعامل مع عدد غير قليل من شباب الجامعات, سواء داخل المدرجات من خلال إلقاء المحاضرات والساعات المكتبية والأنشطة الداخلية, أو خارجها من خلال الأنشطة الثقافية المتنوعة والزيارات الميدانية للمؤسسات الصحفية والإعلامية والمواقع الثقافية والفنية والأثرية.
وفي حوار منذ فترة قريبة مع الصديق العزيز الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد أيوب, رئيس تحرير مجلة المصور, تحدثنا عن مشكلة عدم اهتمام البعض, خاصة من الشباب, بالقراءة واقتناء الكتب, وانصرافهم نحو مصادر أخري لتحصيل المعلومات والمعرفة, وهي مصادر قد لا تكون بالدقة الكافية ولا الجودة المطلوبة لتكوين عقل ناضج يهتم بالتحليل والنقد وتكوين رؤية تجاه الذات والآخرين, فمع كامل الاحترام والتقدير لمختلف مصادر المعرفة, فإن قراءة الكتب تظل مصدرا رئيسيا وطريقا أساسيا للمعرفة.
وأتذكر ما قاله الأستاذ أحمد أيوب إن الأخطر من عدم اهتمام البعض بالقراءة هو استسلامنا لهذه الحالة!! وقد اتفقت معه, وكان تعليقي أن الأصعب من وصف المشكلة ورصد نتائجها, هو الاستسلام لها والانبطاح أمامها وعدم الاجتهاد والعمل علي حلها.
هناك أسباب متعددة لضعف الاهتمام بالقراءة, وهناك أيضا الكثير من النتائج والآثار المترتبة علي عدم القراءة, وبالتأكيد هناك بعض الحلول والاقتراحات التي تتردد بين الحين والآخر.. فمن بين الأسباب: الانصراف نحو اهتمامات أخري في اتجاه التسلية والترفيه بعيدا عن الموضوعات والقضايا الجادة, واكتفاء البعض بالثقافة المسموعة والمرئية عوضا عن القراءة, فضلا عن سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي علي اهتمام كثيرين من الشباب, وفي مقدمتها موقع فيسبوك, الذي يستحوذ علي جانب كبير من وقت المستخدمين, كما أن البعض وصف المنشور الـPost, الذي يتكون من خمسين كلمة وربما أقل من ذلك بأنه مقال اليوم, أيضا ارتفاع أسعار بعض الكتب المطبوعة في ظل زيادة أسعار الورق والأحبار وعملية النقل والتوزيع وغيرها من عمليات وممارسات ترتبط بصناعة الكتاب.
ومن أبرز النتائج المترتبة علي ضعف الاهتمام بالقراءة تسطيح العقول من خلال الاكتفاء بقشور المعرفة, وتذبذب الهوية, وغياب الوعي الكافي تجاه قضايا الفرد والوطن والمجتمع الإقليمي والدولي, ومن ثم التأخر عن الأقران في الدول الكبيرة والمتقدمة.
أما عن الحلول والاقتراحات فإن الأمر يتطلب خطة عمل تتضمن أفكارا واقعية وعملية لتشجيع الشباب وتحفيزهم علي القرارة باستمرار والبحث الدائم عن المعرفة من خلال قصور الثقافة ومراكز الشباب والأندية والمدارس والجامعات والجوامع والكنائس ومنظمات المجتمع المدني, بالإضافة إلي وسائل الإعلام علي مختلف أشكالها, من الجرائد والمجلات والمواقع الصحفية الإلكترونية والمحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية, وشبكات التواصل الاجتماعي التي تتبعها..
من هذه الاقتراحات تنظيم المسابقات الخاصة بالمعرفة والمعلومات ولعلنا نتذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أشاد منذ فترة ليست بعيدة ببرنامج السمابقات الشهير العباقرة الذي يقدمه الكاتب والروائي عصام يوسف علي شاشة إحدي القنوات التليفزيونية, وهو برنامج يحظي بمتابعة كبيرة وواسعة.
تنظيم مسابقات في قراءة وعروض الكتب, نشر المقالات المناسبة في الجرائد والمجلات والمواقع الصحفية الإلكترونية, وتشجيع المشاركين في مثل هذه المسابقات بالهدايا المناسبة.
عودة الاهتمام بمكتبة المدرسة والكلية والمعهد, ومركز الشباب والنادي وقصر الثقافة, والجامع والكنيسة, وحث الجمهور من مختلف الأعمار, خاصة الأطفال والشباب, علي استعارة الكتب وقراءتها, وإقامة الندوات وحلقات النقاش حول بعض الكتب بحضور الكاتب.
تشجيع عملية تبادل الكتب بين الشباب بعضهم بعضا, فبعد الانتهاء من قراءة كتاب ما, يمكن تبادله مع زميل آخر.
وهناك بعض النصائح لتشجيع الشباب علي التحلي بعادة القراءة, لتصبح عادة يومية وجزءا من نمط الحياة, منها: البدء بقراءة الكتب في المجال الذي تحبه, قد يكون التاريخ السياسة الاقتصاد الجغرافيا علم الاجتماع علم النفس الإعلام الأدب الفن الرياضة الدين الطب الهندسة.. تحديد وقت معين للقراءة كل يوم, مع زيادة مدة القراءة بمرور الوقت, القراءة في مكان مناسب يكون جيد الإضاءة وجيد التهوية, حتي يكون مشجعا ومحفزا علي القراءة, استخدام القلم الرصاص عند قراءة الكتاب وتدوين أهم الملاحظات, لزيادة التفاعل مع المادة المقروءة, استثمار الوقت في المواصلات التي تحتل جانبا كبيرا من الوقت من خلال الاستفادة من الكتاب المطبوع أو الكتاب المسموع, القراءة في التخصص الذي تعمل فيه, إلي جانب التخصصات الأخري, ذلك أن المعرفة تتكامل وكل مجال يستفيد من المجالات الأخري, ما يحقق موسوعية الثقافة والمعرفة, وفي تاريخنا الحديث والمعاصر هناك العديد من المثقفين الموسوعيين منهم أحمد لطفي السيد وسلامة موسي وطه حسين وعباس محمود العقاد وطه حسين ولويس عوض وغيرهم الكثير.
وهكذا تبقي القراءة طريقك ومفتاحك لحياة جديدة ومتجددة, تحثك دائما علي الإبداع والتألق والأمل.
د.رامي عطا صديق
[email protected]