من بين المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسرة والمجتمع في مصر, وربما في بعض البلدان الأخري أيضا, تبرز مشكلات الطلاق والانفصال والهجر, ومن جانب آخر عزوف البعض عن الزواج خوفا من الأعباء الخاصة بتكوين أسرة وتحمل المسئولية, فضلا بالطبع عن الأسباب المادية والظروف الاقتصادية التي تحول دون الارتباط في بعض الأحيان, أو قد تكون سببا مباشرا لتأخر سن الزواج.
تدل إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء علي ارتفاع نسب الطلاق وحالات الانفصال خلال السنوات القليلة الماضية في المجتمع المصري, حيث وصلت حالات الطلاق إلي 201ألف حالة في 2018م, وبلغت 225ألفا و929 حالة طلاق خلال عام 2019م, و218ألف حالة طلاق خلال عام 2020م, ما قد يعني وقوع حالة طلاق واحدة كل دقيقتين علي وجه التقريب, وهي بالطبع نسبة كبيرة.
تتسبب مشكلة الطلاق, ومعها مشكلتا الهجر والانفصال, في حدوث مشكلات أخري منها التفكك الأسري, وتشرد الأطفال, أو علي أقل تقدير نشأتهم في بيئة غير مناسبة, حيث يعيشون مع الأم وحدها أو مع الأب وحده, وربما مع طرف ثالث قد يكون الجد والجدة أو أحد الأقارب, فضلا عن انهيار أيقونة الأسرة, التي تمثل أساس المجتمع, ما يستلزم وقفة جادة للبحث عن حلول لتلك المشكلات الرئيسة وما ينتج عنها من مشكلات فرعية, التي تتنوع أسبابها بين ظروف وعوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية وثقافية.
أذكر أن هناك جهودا قديمة سابقة في هذا الشأن, حيث سبق وأن دعا الكاتب والمفكر والمصلح الاجتماعي سلامة موسي (1887-1958م) في خمسينيات القرن العشرين, في كتابه المرأة ليست لعبة الرجل, إلي إنشاء وزارة للعائلة في مصر, بهدف بحث الأسباب التي تؤدي إلي التنافر بين الزوجين, وتشجيع الآباء علي التناسل المعقول, ورد المكانة إلي البيت, وتعليم الشبان والفتيات وقت عزوبتهم التفاصيل السامية عن الحب والحياة الزوجية وشرف الأمانة الزوجية وجمال الجسم والنفس.
ومنذ سنوات بعيدة تأسست مراكز المشورة الأسرية في عدد من الكنائس المحلية والإيبارشيات المحافظات والمناطق الرعوية, منها مثلا في المعادي والدقي وشبرا الخيمة ومصر الجديدة والمحلة الكبري والإسكندرية وغيرها, حيث لا توافق الكنيسة -وحسب توصيات لجنة الأسرة بالمجمع المقدس- علي إتمام سر الزواج إلا بعد اجتياز الخطيبين دورة تأهيلية في المشورة الأسرية, ونفس الحال في الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية اللتين تهتمان بهذا الأمر.
تتضمن دورات المشورة الأسرية الكنسية محاضرات عن سر الزيجة في المسيحية والحياة الزوجية السليمة وطريقة التعامل المثلي بين الزوجين وطرق التفاهم داخل الأسرة وتربية الأبناء والحوار معهم, وهي محاضرات يقدمها مجموعة من المتخصصين, من رجال الدين والأطباء النفسيين والمتخصصين في موضوع المشورة وقضايا الأسرة.
وعلي الجانب الإسلامي فقد قرر فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب, شيخ الجامع الأزهر, إنشاء وحدة لم شمل الأسرة, بهدف تأكيد الترابط بين أعضاء الأسرة, ولا يقتصر وجودها في القاهرة وحدها, حيث ثمة تطلع إلي التوسع في ذلك الأمر من خلال افتتاح فروع لها في جميع محافظات الجمهورية. ويقدم المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية التابع لجامعة الأزهر دورات تدريبية في هذا الشأن, وقد أعد المركز في العام 2019م دليل المشورة والفحص لراغبي الزواج, وهو دليل يتناول التوعية بالهدف الشرعي من الزواج, وبيان أحكام العلاقات بين الزوجين, وأهمية فهم الزوجين للنواحي النفسية والاجتماعية والثقافية لنجاح الحياة الأسرية, ودور الحوار بين الزوجين في تقوية علاقاتهما ومجابهة المشكلات والضغوط الحياتية, وكيفية التعامل مع المشكلات المسببة لفشل الزواج, وضرورة المشورة والفحص لراغبي الزواج من المنظور الطبي بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة.
وتجدر الإشارة هنا إلي مبادرة مودة للمقبلين علي الزواج, والتي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي. حسب موقع المبادرة علي شبكة الإنترنت (http://www.mawadda-eg.com/home) فإن مودة هي مبادرة تسعي إلي وحدة الأسرة المصرية, والحد من نسب الطلاق التي ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة, حيث تهدف المبادرة إلي تزويد المقبلين علي الزواج, بالتأهيل النفسي والاجتماعي الكافي لتشكيل الأسرة وحل أي خلافات محتملة, ودعم مكاتب فض المنازعات الأسرية للقيام بدور في الحد من حالات الطلاق, بالإضافة إلي مراجعة التشريعات التي تدعم الأسرة وتحمي حقوق الزوجين والأطفال.
تستهدف مبادرة مودة الشباب المقبل علي الزواج, في الفئة العمرية من 18 وحتي 25 عاما, وتنظم العديد من الدورات التدريبية, بشكل يساهم في تأهيل الشباب المصري المقبل علي الزواج, من الجنسين, وإعدادهم لبدء حياة زوجية ناجحة, التأهيل النفسي والاجتماعي والشرعي لطرفي العلاقة, لبناء شراكة تقوم علي الحب والاحترام والمسئولية, التوعية بالشروط الواجب توافرها لبدء أولي خطوات الحياة الزوجية, تثقيف الشباب المقبل علي الزواج, من خلال عرض نماذج ناجحة في الحياة العملية والأسرية.
جهود كبيرة تبذلها المؤسسات الدينية, الإسلامية والمسيحية, ووزارة التضامن الاجتماعي والجامعات وبعض منظمات المجتمع المدني المعنية بالأسرة, وإننا ننتظر جهدا موازيا من جانب مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام والفن, للحفاظ علي استقرار الأسرة المصرية, من حيث وحدتها وتماسكها والتفاهم القائم علي الاحترام بين جميع أعضائها, ما يعزز قدرتهم علي مواجهة مختلف المشكلات وتجاوز الصعاب التي قد يمرون بها.
==========
تقدم دورات المشورة الأسرية محاضرات عن الزيجة والحياة الزوجية السليمة وطريقة التعامل المثلي بين الزوجين وطرق التفاهم داخل الأسرة وتربية الأبناء والحوار معهم