8- الكهنوت إذن مسحة وإرسالية..
الكهنوت دعوة وإرسالية
يقول الكتاب: روح السيد الرب علي, لأنه مسحني لأبشر المساكين, أرسلني لأعصب منكسري القلب.. (إش61:1).
قال: مسحني وأرسلني, فالمسحة تسبق الإرسالية.. والذي لا يرسله الرب, لا فائدة من عمله. انظر قول الوحي الإلهي: ..وأنا لم أرسلهم ولا أمرتهم. فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب (إر23:32).
9- في العهد الجديد نفس الوضع:
الدعوة, الاختيار, المسحة, الإرسالية:
يقول الكتاب عن السيد المسيح: ثم دعا تلاميذه الاثني عشر (مت10:1), وهذه الدعوة شرحها الإنجيل بالنسبة إلي كل واحد علي حدة, ثم ماذا؟ يتابع البشير كلامه فيقول: هؤلاء الاثنا عشر, أرسلهم يسوع, وأوصاهم قائلا…. (مت10:5).
إذن هنا دعوة لأشخاص معينين.. وهنا إرسالية لهم وليس لكل أحد.
ودعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم قوة وسلطانا.. وأرسلهم ليكرزوا.. (لو9:1, 2), وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا, وأرسلهم اثنين اثنين (لو10:1).
وقال الرب عن هذه الإرسالية: كما أرسلني الآب, أرسلكم أنا.. (يو20:21). وقال في صلاته للآب: كما أرسلتني إلي العالم, أرسلتهم أنا إلي العالم (يو17:18). وفي تأكيد الإرسالية من الله قال: اطلبوا إلي رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده (مت9:38).
وقال عن الاختيار: لستم أنتم أخترتموني, بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر (يو15:16), والاختيار يدل علي أنه ليس لكل أحد.
إذن هنا اختيار وإرسالية, ولا يستطيع أحد أن يعمل هذا العمل من ذاته, بل المدعو من الله كما هارون.
10- والمسيح لم يرسل فقط, وإنما أرسل, وحدد مكان العمل, ونوع العمل أيضا.. لكي لا يعمل أحد من ذاته..
في أول الأمر قال لهم: إلي طريق أمم لا تمضوا, ومدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلي خراف بيت إسرائيل الضالة (مت10:5, 6). ثم قال لهم أخيرا: تكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة, وإلي أقصي الأرض (أع1:8). وفي اختيار وإرسال بولس قال له: اذهب فإن سأرسلك إلي الأمم بعيد.
ومن جهة العمل, قال لهم: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم, وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس, وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به (مت28:19, 20). اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.. من آمن واعتمد خلص (مر16:15ـ 16).
وهنا نجد رسالة معينة.. خاصة بهذه الإرسالية..
أن يكرزوا, ويتلمذوا, ويعمدوا, ويسلموا ما تسلموه من الرب.
الكنهوت رسالة معينة
إذن هناك إرسالية في العهد القديم وفي العهد الجديد, ليس للكل, وإنما كانت لأشخاص معينين, يرسلهم الرب برسالة خاصة.
11- وحتي في الفترة التي بين العهدين, نقرأ عن يوحنا المعمدان, الكاهن ابن زكريا الكاهن, أنه قيل عنه في الإنجيل: كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة, ليشهد للنور, ليؤمن الكل بواسطته (يو1:6ـ 7).
12- نفس الوضع, إرسالية لشخص معين, برسالة معينة. نلاحظ هنا أن كهنوته كان للشهادة للنور, ولا تركيز علي تقديم الذبائح.
كان عمل هذا الكاهن أن يهيئ للرب شعبا مستعدا (لو1:17). ويهيئ الطريق قدامه, كارزا بمعمودية التوبة (مر1:2-4).
الله اختار يوحنا, قبل أن يولد وقدسه وهو في بطن أمه, وملأه من الروح القدس (لو1:15) وأرسله وحدد له رسالة معينة يقوم بها ككاهن لم تكن تقديم الذبائح, بل الكرازة بمعمودية التوبة, وإعداد القلوب لاستقبال الرب.
13- مادام الكهنوت إذن دعوة واختيار وإرسالية من الله, إذن ليس هو لجميع الناس, وإنما لمن اختارهم الرب ودعاهم
في مملكة الله, مادام الله هو الملك, فهو الذي يختار خدامه, وهو الذي يدعو ويرسل, ولا يعمل أحد شيئا من ذاته بل كل شيء حسب أمر الرب (خر39:43) حسب المثال الذي صنعه الرب (خر25:9).
ليس هذا عن درجة الرسولية فقط, بل عن خلفائهم الأساقفة أيضا, إذ يقول الرسول لأساقفة أفسس: احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس عليهما أساقفة, لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه (أع20:28).
إذن الأساقفة خلفاء الرسل يقيمهم الروح القدس رعاة.
الروح القدس هو الذي يقيم وهو الذي يرسل. لذلك يقول السيد المسيح: اطلبوا إلي رب الحصاد أن يرسل فعلة إلي حصاده (مت9:38).