القديس الأنبا بولا أول السواح, عاش ثمانين سنة كسائح لم ير خلالها وجه إنسان, أي عاش حوالي المائة سنة. وغالبية السواح الذين عاشوا أعمارا طويلة, ولم يكن هؤلاء نباتيين فحسب, بل كانت حياتهم كلها زهدا, وكانت أطعمتهم زهيدة, ومع ذلك كانت صحتهم قوية.
والقديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان عاش 105 سنوات, وكانت حياته صوما مستمرا, وكان قويا في صحته يمشي عشرات الأميال ولا يتعب.
موضوع الطعام النباتي لا أريد أن أبحثه علميا بل عمليا, في حياة البشرية منذ آدم..
حقا, إن الأحماض الأمينية الرئيسية موجودة بغني في البروتين الحيواني أكثر مما في البروتين النباتي, التي توجد فيه علي أية الحالات بنسب أقل, ولكنها كانت كافية لكل الذين ذكرناهم, وعاش بها الرهبان والنباتيون في صحة قوية.
ومع ذلك لا ننسي أن الكنيسة تسمح في بعض الأصوام بالسمك, ولا شك أنه يحوي بروتينا حيوانيا, كما أن هناك فترات طويلة من الإفطار.
لا تخف إذن من الصوم, فالصوم يفيد الجسد.
فائدة الصوم للجسد
للصوم فوائد عديدة للجسد, نذكر بعضا منها فيما يلي:
1- الصوم فترة راحة لبعض أجهزة الجسد.
إنها فترة تستريح فيها كل الأجهزة الخاصة بالهضم والتمثيل, كالمعدة والأمعاء والكبد والمرارة, هذه التي يرهقها الأكثل الكثير, والطعام المعقد في تركيبه وبخاصة الأكل المتواصل أو الذي في غير مواعيد منتظمة, كمن يأكل ويشرب بين الوجبات, في الضيافات وفي تناول المسليات والترفيهات وما أشبه. فترتبك أجهزته إذ يدخل طعام جديد يحتاج إلي هضم, علي طعام نصف مهضوم, علي طعام أوشك أن ينتهي هضمه..!
أما في الصوم, ففي خلال فترة الانقطاع تستريح أجهزة الجسم هذه, وفي تناول الطعام تصلها أطعمة خفيفة لا تتعبها. وكذلك يريحنا في الصوم تدريب عدم الأكل بين الوجبات. وما أجمل أن يتعود الصائم هذا التدريب, ويتخذه كمنهج دائم حتي في أوقات الصوم, إلا في الحالات الاستثنائية.
من فوائد الصوم أيضا للجسد أن:
2- الطعام النباتي يريح من مشكلة الكوليسترول.
ما أخطر اللحوم بشحومها ودهونها في إزادة نسبة الكولستيرول في الدم, وخطر ذلك في تكوين الجلطات, حتي إن الأطباء يشددون جدا في هذا الأمر, ويقدمون النصائح في البعد عن دسم اللحم والبيض والسمن وما إلي ذلك, حرصا علي صحة الجسد وبخاصة بعد سن معينة وفي حالات خاصة. وينصحون أيضا بالطعام النباتي, ويحاولون علي قدرة الطاقة إرجاع الإنسان إلي طبيعته الأولي وإلي طعام جنة عدن.
ومن فوائد الصوم أيضا للجسد أنه:
3- بالصوم يتخلص الصائم من السمنة والبدانة والترهل.
هذه البدانة التي يحمل فيها الإنسان كمية من الشحوم والدهون, ترهقه وتتعب قلبه الذي يضطر أيضا أن يوصل الدم إلي كتل من الأنسجة فوق المعدل الذي أراد له الله أن يعوله.. بالإضافة إلي ما تسببه السمنة من أمراض عديدة للجسد.
لا تهتموا بما للجسد
ويصر الأطباء من أجل صحة الجسد علي إنقاص وزنه. ويضعون له حكما لابد أن يسير عليه يسمونه الريجيم Regime ويأمرون الإنسان البدين -الذي يعبترونه مريضا- بأن يضبط نفسه في الأكل, بعد أن كان يأكل بلا ضابط.
إن الصائم الذي يضبط نفسه, لا يحتاج إلي ريجيم.
والصوم كعلاج روحي, أسمي من العلاج الجسدي, لأنه في نفس الوقت يعالج الروح والجسد والنفس معا.
ليت الإنسان يصوم بهدف روحي, من أجل محبته لله, وسينصلح جسده تلقائيا أثناء صومه, فهذا أفضل من أن يصوم بأمر الطبيب لكي ينقص وزنه..
حقا, إنها لمأساة, أن الإنسان يقضي جزءا كبيرا من عمره, يربي أنسجة لجسمه, ويكدس في هذا الجسم دهونا وشحوما.. ثم يقضي جزءا آخر من عمره في التخلص من هذه الكتل التي تعب كثيرا في تكوينها واقتنائها..!
ولو كان معتدلا, ولو عرف من البدء قيمة الصوم ونفعه, ما احتاج إلي كل هذا الجهد في البناء والهدم..
لعل هذا يذكرني بالتي تظل تأكل إلي أن يفقد جسدها رونقه. ثم ينصحها الأطباء أن تصوم وتقلل الأكل وتتبع الريجيم. وهكذا تقلل الأكل, ليس من أجل الله, وإنما من أجل جمال الجسد.. فهي لا تأكل, وفي نفس الوقت لا تأخذ بركة الصوم, لأنها ليست محبة في الله تفعل هذا..!
أما كان الأجدر بكل هؤلاء أن يصوموا, فتستفيد أجسادهم صحيا, ولا تفقد رونقها, وفي نفس الوقت تسمو الروح وتقترب إلي الله.
صوموا إذن لأجل الله, قبل أن يرغمكم العالم علي الصوم بدون نفع روحي.
ولعل من فوائد الصوم أيضا, وبخاصة فترات الانقطاع والجوع, أن: