هل يتأخر الله في الاستجابة؟ سؤال يفرض نفسه علينا علي الأقل مرة في العمر..
نطلب طلبا من وجهة نظرنا هو طلب عادل عظيم مبهج منطقي.. نرفع أعيننا بالتضرع وقلوبنا بالخشوع والتورع.. تنحني أجسادنا ساجدة مستنجدة طالبين استجابة.. ثم ننتظر وننتظر وننتظر وننتظر ولكن لا شيء يبدو في الأفق القريب أو البعيد فيتحول الانتظار إلي تساؤل ثم ضجر وضيق..
لماذا تتأخر يارب في الاستجابة؟!!
دعونا أولا نبدأ بتعريف كلمة الاستجابة من المنظور الروحي الفلسفي وهي ببساطة السلوك الذي يحدث كرد فعل لحدث أو فعل ما. فالاستجابة إذن هي نوع من الإجابة لكنها لا تعني مطلقا الإجابة بالإيجاب.. بنعم..
وحين نتأمل الكون- بمن زاره من بشر منذ بدء الخليقة وسير الآباء والصالحين في الكتب المقدسة والتاريخ علي مر العصور والأزمان ونتفهم طبيعة الأمور والأحداث والحوادث ببصيرة العارفين المستنيرين -تجد أن الله- له كل المجد-له ثلاث طرق للاستجابة.. لا رابع لهم!!
الأولي وهي الاستجابة الإيجابية الفورية أي أنه يحقق طلبك كما تريده فورا وبلا تأخير.
والثانية هي الاستجابة الإيجابية المؤجلة حيث يحقق طلبك كما تريده ولكن بعد فترة من الزمن طالت أم قصرت.
أما الثالثة فهي الاستجابة السلبية أو الرفض لذلك الطلب تماما وإلغاء تحقيقه أو استبداله بصورة مختلفة تماما عما طلبت..
إذن أين تكمن المعضلة؟ وما سبب شعورنا الطاغي بأن الله لا يسمع ولا يستجيب؟
المشكلة حقيقة تكمن في دواخلنا نحن إذ أننا نلهث خلف تحقيق مشتهيات قلوبنا المادية والعاطفية والنفسية كالطفل الساذج الذي يلهث خلف عود ثقاب آملا في إشعاله بمفرده ليشعر بنشوة كونه رجلا كبيرا غير مدرك أنه لو ترك لرغبته قد يشتعل هو نفسه بها ويموت محترقا..
ونقف هنا برهة ونسأل أنفسنا هل تلك الاستجابة -خاصة المؤجلة أو الرافضة- تصب في صالحنا أم هي عقاب أو عدم استحقاق؟
الأمر كله مرهون بحقيقة علاقتك بالله في الخفاء وهذا لن يعرفه أحد في الكون سواك أنت وخالقك..
إذا كنت إنسانا أمينا مع الله ومع نفسك قبل الناس في كل خطوة بحياتك.. لا تؤذي أحدا ولا تدين أحدا.. تعيش في تدقيق لأفعاك وتجدد توبتك كل يوم أنت بالتأكيد في معية إلهية دائمة وكأنك قد بعت روحك لله وبايعته علي كل تفاصيل حياتك بصدق وبلا رياء.. في هذه الحالة فقط تأكد أن كل ما يمنحه الله لك خير وكل ما يمنعه عنك أو يستبدله هو رحمة وخير أعظم بكثير..
دائما ما أجد قصة حياة يوسف البار الصديق مرجعا وافيا دسما لكل فضيلة في أبهي وأوضح صورة ويوسف البار أعظم من يمثل الإنسان الذي باع روحه لله وبايعه علي كل تفاصيل حياته..
فلو حدث موقف واحد مما تعرض له يوسف لأي شخص مهما بلغ إيمانه لاهتز بل تزلزل وربما انتهي..
هل يعقل أن يكون حفظه للوصية وطهارته ورفضه لغواية زوجة فوطيفار سببا لزجه في ظلمات السجون؟!! أليس هذا المشهد وحده يكفي لاقتلاع معتقده برمته؟!!
لكن يوسف كان بالفعل قد باع روحه لله بصدق فلم يكترث ولم يشك لحظة في استجابته والتي حتما ستكون لخير عظيم.
وقد كان.. ولم يخلف الله وعده وعهده.. ولم يكن السجن سوي بوابة استثنائية لصعود يوسف عرش الملك علي أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ.. بل وفي أصعب سبع سنوات عجاف مرت علي البشرية كان الرخاء في يده ومن يده وأقامه الله علي جميع خزائن الأرض..
هل أدركتم الآن؟ وحين يكتمل المشهد مدي روعة الاستجابة..
أما أولئك الذين استكبروا بيع أرواحهم بالصدق لله فالتقطها الشيطان والتقمها أعوانه فهؤلاء بالتأكيد أمرهم مختلف تماما.
قد تزدهر الحياة معهم جدا خاصة في البدايات ازدهارا كاذبا الكثير من المال والمقتنيات أعداد من الأوراق النقدية والأملاك تتكدس بعضها فوق بعض السلطة والشهرة حتي يسلم الإنسان روحه كاملة لتلك الفاتنات الساحرات الفانيات الساحقات للروح ويتأكد الشيطان أنه قد استعبده وأحكم قبضته علي روحه وامتلكها..
فيبدأ الوجه الآخر الحقيقي لهذه المبايعة المهلكة يتكشف ولنا في كل من استعبدتهم شهوة المال والملذات الجسدية والمادية أعظم العظات بلا عد ولا حصر.
ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.
إذا يا أحبائي فلنطلب دوما من الرب علاقة صادقة قوية أمينة نطبق فيها أهم شرط لمعيته أن نطلب أولا ملكوته وبره والباقي تلقائيا سيعطي لنا ويزاد.
وقتئذ فقط سنهدأ تماما ونستنشق أنفاس السلام النابع من اليقين وسندرك أنه حتما يستجيب أفضل وأصح استجابة.