هذا الطفل الصغير برعم في طور التفتح لم يكد يأتي إلي الحياة فيختطفه الموت في غفلة من القدر وفي لمح البصر!!
هذا الشاب اليافع القوي وحيد أبويهتبتسم له الحياة ..تعاهده عهودا براقة وتعده وعودا رقراقة تلوح له بأحلام وردية فتفوح بنسمات البساتين الوارفة الأشجار المزدهرة الآمال الباسقة التطلعات ها هو يلقي حتفه في حادث أليم وفي غضون ثوان معدودة يصبح ذكري لماض لم يكتمل مستقبله المنشود
وهاذي الأم الشابة المسؤولة عن بيت وأسرة وأطفال ليس لهم في الحياة سواها تصاب بمرض قاتل وترحل تاركة أولادها وهم في مسيس الحاجة إلي وجود ظلها
وعلي النقيض تماما تجد ذلك العجوز الطاعن في العمر المكدس بدنه الهزيل بالأمراض والضعف والذي طالما اشتهي الموت كل ساعة ليرتاح من آلامه وعجزه ويريح من حوله من حمله تجده لازال حيا.. ينبض قلبه العليل نبضات حزينة اكتفت تماما من الحياة والألم
وهذا الابن ا لمعوق عقليا أو العاق أخلاقيا الثقيل الحمل يعيش حياة مشوهة لا يدري هو بها ومرهقة حتي الثمالة لمن حوله ويأبي الموت الاقتراب منه ولو علي سبيل التهديد الكاذب
شخص يعيش في بزخ مرعب وآخر بالكاد يجد ما يسد به رمقه يزحف زحفا نحو حدود دولة أخري هارعا إليها هاربا من وطيس حرب ضارية أتت علي كل ما يملك وما لا يملك
تفاوت كبير وعجيب يصرخ صرخات تدوي في عقول المتفكرين المفكرين معلنة عن تساؤل ملح:
هل يظلم الله؟!!
ولكي نجد الإجابة السديدة علي هذا التساؤل المشروع لابد أولا أن نضع تعريفا واضحا لمفهوم الظلم
وفي مفهومي الخاص الظلم هو اعتلال ميزان العدل فيميل إلي جانب دون الآخر
تخيل أمامك فيزان تقليدي له كفتان متساويتان
وضع ما يعادل كيلو جراما من نوع من أنواع الفاكهة في كفة
وفي الكفة الأخري ضع نصف الكيلو من نفس هذه الفاكهة
قولا واحدا سيختل الميزان ويفقد اعتداله وعدله
ولكن ماذا إذا أكملت النصف كيلو جرام بفواكه أخري ليكتمل الكيلو في الكفة الناقصة ؟!!!
الآن قد انعدل الميزان واعتدل واسترجع العدل
موازين الله عادلة عدل مطلق حتي لو بدت للعين البشرية السطحية الكليلة عكس ذلك لكل إنسان قسط من العطايا والنعم والوزنات رمز لهم بـ 24 قيراط موزعين بميزان من الماس بدقة فائقة ستجد هذا الفقير ـ الذي يبدو لك مظلوما قليل الحظ ـ له من العافية والصحة البدنية ما يؤهله للجهد اليومي المضني لكسب قوته وققد أنعم عليه براحة البال وهدوء السر ووهبه ولدا صالحا سندا وعوضا له عن صبره.
وعلي العكس ستجد من حباه الله بثروة طائلة قد حرم الصحة الجسدية ولربما تمني أن يكون فقيرا قويا معافا عفيا ولربما سلبت منه راحة البال من شدة خوفه علي أمواله وأعماله وتوجسه من الطامعين من حوله ربما تمني ابن هذا الرجل الفقير المحروم من بذخ العيش أن يكون ولده من صلبه بدلا عن ذلك المنحرف الدمن الذي يحمل اسمه بلا نفع
هذا الطفل الذي اختاره الله في مقتبل العمر لم يعاقبه وإلا لصرنا نحن جميعا معاقبين فكلنا أموات وتلك هي الحقيقية الوحيدة
الموت مرحلة انتقالية من بعد أدني إلي بعد أعلي حتي التلاقي مرة أخري.
أدري وأدرك جيدا أن الاشتياق قاتل وخاصة للأبناء ولكن هذا الشعور الجامح يعزيه الإيمان واليقين أننا فقط نفتقد الحبيب ولكننا لم نفقده وإنما سبقنا إلي دار البقاء الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والمرض والألم والبكاء.
لو أتاح الله لنا أن نري لمحة مما انتقل إليه الصالحون لبكينا شوقا للمكوث معهم لروعة ما هم فيه
لذا الموت في حد ذاته أبدا ما كان عقابا إلا للهالكين الذين ماتوا في خطاياهم وآثامهم و هنا جاءت الحكمة من موت الفجأة واختطاف الصغير العفي وبقاء الكبير المريض.
ليعلنها الله بوضوح لا يقبل التشكيك (أنت علي موعد مع الله في أي لحظة فكن مستعدا).
أما عن الظلم الحقيقي والذي يجوز فعلا في شخص ما فإذا تكشف لك جوهر هذا الشخص كاملا وخفاياه وما قد اقترفه من ظلم وأذي لغيره ستتأكد أن ظلم الله له هو قمة العدل ولكن الإنسان قلما يعترف أن ما يحل به من ابتلاء هو تكفير لذنوب وحق يستحقه
تأكد يا عزيزي أن العدل هو الله بل هو اسم من أسمائه ولا تكترث كثيرا فيمن يشكك في هذه الحقيقة السرمدية الأزلية واعلم الإجابة يقينا داخل قلبك وعقلك وروحك في كل مرة يأتيك ذاك السوال الساذج داخل عقلك صارخا بصمت متسائلا
هل يظلم الله ؟!!!