يقترب العام من نهايته فيلملم ما تبقي له من أيام وساعات وسويعات ودقائق ليرحل بلا عودة تاركا بضع ذكريات بعضها حلو والبعض الآخر عكس ذلك..
كمهاجر يعلم أنه راحل لا محال إلي مكان لن يعود منه أبدا وعليه أن يسرع في جمع كل أشيائه وأشلائه..
عام يوشك علي الأفول وآخر يوشك علي الشروق وها نحن نقف بين غروب وشروق متكرر موجودين وسط السنين غير مدركين ما هو الهدف الحقيقي من ذلك الوجود الإجباري..
خلقنا الله واختارنا ليهبنا حياة من بين ملايين الحيوات المحتملة يوم زرعنا في الأرحام.. خلقنا لأمر جلل عظيم.. فقد كرمنا علي كافة المخلوقات ورفعنا قدرا عن الملائكة حتي أنه -جل شأنه- سخر لنا الملائكة الحافظة لتحفظنا وتحرسنا في دخولنا وخروجنا ونومنا ويقظتنا, فهل خلقنا في هذا الكون لما نحن عليه وما نحن فاعلون من عادات عهدناها وتسلمناها من جيل إلي جيل؟!!!
الحقيقة أننا هنا لهدف أسمي بمراحل مما نعتقد وهذا الهدف هو التدبر في خلق الله لنتعرف عليه هو جيدا وليتحول إيماننا بوجوده من موروث شفهي إلي يقين تام..
نبدأ علاقتنا معه هنا لنستكملها معه هناك.. ومن لم يبدأها هنا لن يكون له مكان معه هناك قولا وأحدا..
ولتلك العلاقة ضوابط وقوانين وعلامات استرشادية لا يخطئها العارفون
وصايا الله ونور القلب وصفاء الذهن وحصافة البصيرة وحضور الذات الإلهية الدائم في الخفاء قبل العلن.. وغيرها من ثمار الروح المغروسة في المعية الإلهية..
إنها كلها زاد الإنسان وزواده لاقتناء الحياة السليمة الصحيحة السعيدة هنا وهناك مهما قابل من تحديات وتجارب واختبارات واختيارات..
وللوصول إلي تلك العلامات والإشارات والتدرج فيها إلي درجات عليا بخطوات راسخة لابد من جلسات صادقة لمحاسبة النفس وتقديم كشف حساب حيادي عما بداخلنا من ضعفات أمام الله والتعهد الصادق الأمين بالجهاد في تقويمها..
إنه أشبه ببيع الروح لخالقها بميثاق أبدي وفق شروطه المقدسة الخالية من العيب والدنس القادرة علي الحماية والبركة والمعية الإلهية الآمنة التي تصل بنا لمرحلة قدرتنا أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوي الشر تحت أقدامنا.
وهل يوجد موعد أنسب وأجمل من نهاية العام لتقديم ذلك الكشف بمصداقية وشفافية ونحن في حضرة الله؟!!
ادخل إلي خلوتك.. وأغلق بابك.. وافتح قلبك وروحك علي مصاريعها.. وانطلق لتحاسب نفسك بنفسك وتعترف أمام الله وتتعهد باستكمال الجهاد لتنال النعمة..
فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه فكل ما حولنا ما هو إلا بخار يظهر قليلا ثم يضمحل.. باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح..
اسال نفسك
كم مرة أدنت غيرك واغتبته بما فيه أو ليس فيه ولم تلتزم الصمت وتنظر إلي خطاياك وذنوبك التي سترها الله عن عيون الناس حتي الآن بل.. فربما لو أخذت نفسك الآن أنت ومن تغتابه لدخل هو الفردوس.. ولوجدت نفسك أنت في الجحيم إذ كان قد تاب وتطهر ونال الغفران وأنت نلت الهلاك..
كم مرة حللت لنفسك ما حرمته علي غيرك بدعوي الظروف والشفقة علي نفسك وأدرجت اسمك في سجل المنافقين وأنت تعلم جيدا مكانهم وهو الدرك الأسفل من النار؟!!
كم مرة ظلمت وتجبرت لمجرد أنك في مكانة أعلي ونسيت أن فوق القوي الأقوي وفوقهما الله القادر علي كسرك بل سحقك تماما بكلمة واحدة تصدر منه كنوع من العدل الواجب النفاذ وقتما يشاء؟!!
كم مرة حاربت غيرك في رزقه موهوما أن ذلك يرفع من قدرك ويزيد من دخلك والنتيجة كانت عكس ذلك تماما فمن حاربته لمع نجمه وأنت فقدت احترام المحترمين وكسبت لعنات وخراب لبيتك ونسلك وصحتك ورزقك؟!!
كم مرة حاولت إفساد حياة الآخرين لمجرد أنك بائس فاشل ولم تدرك أنك أنت سبب هذا البؤس والفشل والشقاء بسبب شر قلبك وحقدك الذي لم ولا ولن يحرق سواك؟!!
كم وكم وكم مرة؟!!
إنه الحساب الذي لابد أن تقدمه بنفسك لنفسك أمام الله قبل أن يقدم عنك وقت ما لا ينفع توبة ولا رجوع ولا غفران..
فمحكمة الله ليس بها استئناف والحكم فيها نهائي مشمول بالنفاذ..
هيا بنا يا أحبائي ننفض غبار الكسل والفتورالروحي وضبابية البصر والبصيرة وننهض ونستفيق فلا أحد يعلم متي يكون موعد الرحيل واللقاء المحتوم..
اليوم إن سمعتم صوته لا تقسوا قلوبكم
وتذكروا دوما أن الرحيل لا يعرف عمرا ولا حالة صحية.. إنه زمن محدد معلوم لديه مجهول لدينا ومن هنا أتت الحكمة من الاستعداد الدائم والتوبة المتجددة الصادقة.
أما من يشككون في وجود الله من الأساس فهذا لن يعفيهم من المشهد المهيب كاملا وستكون هناك مفاجآت مرعبة سيتمني الشخص أن يعود للحياة ولو ساعة زمن واحدة ولكن هيهات.
فما نجت النعامة من خطر داهم يقترب منها لمجرد أنها وضعت رأسها داخل حفرة بالرمال لتمنع نفسها عن رؤيته.
عام يمضي نشكر الله عليه ونتعلم مما مررنا به ونعترف أمام الله بذنوبنا بشجاعة وصدق وأمانة ونجدد عهودنا معه لنستقبل عاما جديدا جميلا مكللا بالمراحم والرأفات.
وكل عام وأنتم وبلدنا الحبيبة مصر بخير وسلام وبركة.