عرف المواطن المصري طريقه إلي صناديق الاقتراع منذ ما يقرب من قرن ونصف, كاستحقاق سياسي من حقه ومن واجبه, فيه يقف كطرف أصيل في معادلة الحكم ليختار بإرادته الحرة من يمثله. وما بين ملك, وخديوي, وسلطان, ورئيس, ورئيس معزول ورئيس مؤقت, تعاقب علي عرش مصر أثناء التاريخ الحديث 19 حاكما.
مرت عمليات المشاركة الانتخابية بمرتفعات ومنخفضات, ففي أوقات سياسية فاصلة شهدت المقار الانتخابية زخما كبيرا وفي أوقات أخري انخفضت نسب المشاركة, ولعل السبب والعامل الرئيس في ارتفاع نسب المشاركة مرتبط بالوعي السياسي الذي تشكل وزاد في السنوات الأخيرة.
منذ سنوات, كان قد استقر في وجدان المواطنين أنه لا جدوي من عملية المشاركة فخلت المقار الانتخابية من روادها, ثم بعد قيام ثورة 25 يناير وما ترتب عليها من أحداث وانقضاض فصيل علي السلطة اختلف الأمر, فقد زاد الوعي بأن عدم المشاركة قد يؤدي إلي هدم الدولة, أو كما يقولون إن إحدي نتائج رفض المشاركة هي أن ينتهي الأمر بأن يحكمك من هم أدني منك.
وبمرور الوقت, ومع الأحداث المتنوعة التي مرت بها مصر, أصبح لدي المواطن القدرة علي قراءة العالم السياسي المحيط به, إن افترضنا أننا علي مقياس في أقصي اليمين الوعي السياسي وفي أقصي اليسار الجهل السياسي, فحينما يقوم المرشحون بتوجيه رسائلهم عبر منصاتهم المختلفة هل يتمكن الفرد من فهم الرسائل الصريحة والأجندات الخفية؟, وهل يتكون لديه حكم حول مرشح ما أنه يتصرف بنزاهة مقابل أنه يمارس ألعاب نفسية؟
فالوعي السياسي يتضمن إدراك الجمهور للسياسات العامة والأجندات المتنوعة للمرشحين, من خلال الحكم علي برامجهم وأفعالهم, هل فعلا يمارسون السياسة أم يتلاعبون بالشعارات الرنانة؟ وحينما يكون الناخبون مفتقرين إلي المعرفة ببعض القضايا السياسية فإن مصداقية المرشح تكون سببا في رفع الوعي.
وبالطبع يختلف مستوي الوعي السياسي بين الأفراد, هناك أشخاص لديهم فهم جيد للسياسة ومعرفة بالقضايا السياسية, مقابل آخرين لديهم معرفة محدودة ومعلومات قليلة, ووفق معدلات تعرض الفرد للرسائل السياسية ومشاركته في نقاشات المجال العام وتعرضه لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يؤثر الوعي علي المواقف السياسية للمواطنين وسلوكهم الانتخابي.
والوعي السياسي له تأثير إيجابي ومباشر علي المعرفة السياسية في حين أن المعرفة السياسية لها تأثير إيجابي علي المشاركة السياسية, أي أن الوعي السياسي لا يؤثر بشكل مباشر علي المشاركة السياسية ولكن لابد من وجود معرفة سياسية, وقد وجدت إحدي الدراسات أن الحملات الانتخابية تؤثر بين المواطنين غير الواعين سياسيا, لتبدأ بعدة مراحل هي التمهيد أو الإقناع أو التعلم فيما وجدت دراسات أخري أن الحملات الانتخابية تؤثر بشكل كبير علي المواطنين الأكثر وعيا لأنهم يسعون للمزيد من المعرفة, وعامة فالوعي مهم لأنه يقود للمشاركة السياسية وهي أمر أساسي في ترسيخ الديمقراطية, إذ يمكن اعتبار المشاركة السياسية سيطرة مجتمعية علي الحكومة.
وليس شرطا أن يرتبط الوعي السياسي بأي شكل من الأشكال بالهوية الحزبية ولكنه يرتبط بعوامل مثل المستوي التعليمي وكذلك ارتفاع العمر ومعدل تعرض الشخص للرسائل الخاصة بالانتخابات.
وقد أشارت دراسة سابقة حول أطر صورة الرئيس المحتمل في الإعلام المصري وتزامنت أثناء الانتخابات الرئاسية قبل الماضية, إلي أن وعي المواطنين بمكونات صورة الرئيس المحتمل تتضمن إرساء دولة القانون وأن يكون رئيس مسئول, قادرا علي الاضطلاع بمهامه كقائد, ينتشل البلاد من ظروفها الاقتصادية الصعبة, ويكسر شوكة الإرهاب, ويتحدي المؤامرات, ويتمسك بالعدل, ويحسن جودة الخدمات ويتحدي الأزمات ويصنع المستقبل.
وتوصلت نفس الدراسة لمكونات صورة المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي أن لديه شعبية جارفة وهو المنقذ للبلد وهو رجل دولة, لا يرسم عبارات الزيف والوهم علي جدران قلوب الناس, وهو من يعيد زرع القيم والأخلاق الحسنة في المصريين, وأنه ذو الأخلاق الراقية, والشجاعة, صادق ولديه خبرة وقدرة علي إدارة الدولة, ولديه رؤية سياسية, وقد قدم نفسه كنموذج صادق للجندي المصري المعتز بجنديته وانتمائه لجيشه والمخلص لوطنه, شعبيته جارفة ليعيد لنا الشعور بالأمان.
وتمثلت أطر وعي المواطن في الرغبة من الرئيس المحتمل بالتركيز علي إطار المسئولية التي تتضمن اتخاذ إجراءات عاجلة أو حلول لما يواجه المجتمع من مشكلات, وإطار الاهتمامات الإنسانية بالتأكيد علي النواحي العاطفية والبعد الإنساني للمرشح, وكذلك الإطار الأخلاقي ويركز علي وجود مرجعية دينية وكذلك إطار النتائج الاقتصادية وحلول لما تواجهه الدولة.
بسبب كل ما مرت به البلاد من أحداث بعد ثورة 25 يناير, انطبع في الأذهان وعي سياسي أيقظ ضرورة المشاركة في الانتخابات حتي دون أن يتم حث المواطنين علي ذلك فهو واجب, فالكل يعلم أن صوته ليس مجرد رقم في إحصائية المشاركة ولكنه تعبير حقيقي لحماية حرية الاختيار.