لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل: قد اختفت طريقي عن الرب وفات حقي إلهي؟ (إشعياء40:27). شعر يعقوب أن طريقه محجوب ومخفي عن الله, فهو لا يري ما يجري في محنته ولا يبالي بمصلحته, وقضيته تجاهلها الله الذي لا يهتم به أو بأنه يعامله بظلم ولا يهتم بتبرئته, ولا يري مشاكله ويتجاهل ادعاءه, فالعدل الذي يستحقه لم يحدث وكأنه فلت من علم الله.
ولكن هل فعلا طريقي مختبئ عن الله, هل فعلا الله لا يراني في ضيقتي ولن يتدخل لأجلي؟ هل فعلا لا ينتبه الله إلي صلاتي ودموعي ومعاناتي؟ هل فعلا أهمل الله الترافع عن قضيتي ولن يصدر الأحكام علي أعدائي؟
بالطبع لا, فالله يعلم كل شيء, الرب يعلم طريق الأبرار, أما طريق الأشرار فتهلك (مزمور1:6). ربما لا نري تدخل الله في معاناتنا بعد, ولكن هذا لا يعني أنه لن يتدخل, ربما لا نري عقاب الظلم والشر ولكن هذا لا يعني أنه غائب عن الأحداث وأن الأمور متروكة لسيطرة الشرير.
أما عرفت أم لم تسمع؟ إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا. ليس عن فهمه فحص (إشعياء40:28).
وبسؤال مواز لأسئلة الإنسان يسأل الوحي ألا تعرف؟ ألا تسمع مما فعله الله قبلا؟ ألا تفهم؟ فالرب هو الخالق الأبدي لا أحد يستطيع أن يقيس أعماق فهمه أو فهم أفكاره أو الوصول لنهاية حكمته, فهمه يعصي علي إدراكنا المحدود لأنه بلا حدود, وهو لا يتعب ولا يكل أبدا ولا يعجز عن إيجاد حلول ينقذ بها شعبه, وقوته سيستخدمها حين يأتي وقتها هو يعلم كل شيء وفهمه خارج استيعاب وإدراك البشر, هو الإله الأبدي ليس له بداية أيام ولن تنتهي حياته, عنايته تدرك كل شيء ولا شيء يفلت أو يستثني من يده.
هل فلتت النجوم والكواكب من مسارها؟ هل أتي يوم لم تشرق فيه الشمس؟ كما أن الكون يسير في توقيتاته الدقيقة كذلك أمورنا في أمان, لن يعجز عن إنقاذنا أو حفظنا. وكوننا لا نتمكن من إدراك فهمه وحكمته في ظروفنا لا يعني أن طريقنا مخفي من أمامه.
هل تخفي طرقنا عنه وهو الذي قاد شعبه في طريق لم يمر بها إنسان؟ الذي سار بنا في البرية في أرض قفر وحفر, في أرض يبوسة وظل الموت, في أرض لم يعبرها رجل ولم يسكنها إنسان, وأتيت بكم إلي أرض بساتين لتأكلوا ثمرها وخيرها. فأتيتم ونجستم أرضي وجعلتم ميراثي رجسا (إرميا2:6-7).
كلا, لعل طرقنا مخفية عنا نحن, لعلنا لا نفهم ولا نعرف, أو كما قال آساف: وأنا بليد ولا أعرف. صرت كبهيم عندك (مزمور73:22). فقد سير الله شعبه حيث لا طريق! في أرض لم يسبق لإنسان أن عبر بها, أي شخص يمكنه أن يقول هذه الأرض خطرة ومهجورة ولم يمهدها إنسان قبل, ولكن الله هو صاحب الطرق, كلي الفهم هو يعرف جيدا طريق الأبرار, وكيف لا فهو الذي صنع في البحر طريقا حيث لا طريق!
ربما يكون الطريق مخفيا عن إدراكنا لأننا محدودون, ولكنه مرسوم ومعد وممهد ومختوم من قبل صاحب الطرق, الذي يعرف ما لا نعرفه, ويعلم ما هو في الظلمة وعنده يسكن النور.
الطريق مرسوم ومعد وممهد من قبل الرب, والمقصود بالطريق هو طريق الوصول لحل المشكلة وانتهاء الضيقة, لا داعي للقلق بشأن التفاصيل لو كان ما يحدث معاكس أو معوق لحل المشكلة, هناك مثل يقول: الشيطان يسكن في التفاصيل أي أنه يستخدم التفاصيل ليوهمنا أن الله غير مهتم وأن الأمور في يده وهو متحكم في تحريك الأحداث ضدنا.
ولكن ليفتح الرب أذهاننا فندرك أن الله قد سبق ورسم طريق الحل ولا يستطيع العدو أن يعطله مهما بدا, فالطريق مخفي عن العدو, لذا مهما فعل ومهما تحرك هنا وهناك, برياح مضادة, بأشخاص معاندين, فهو غير ممسوس من العدو, وما يفعله العدو كلا شيء وكالعدم (إش41:12).
الوحيد الذي بيده تغيير الأوقات والأزمنة هو الله لأن له الحكمة والجبروت, وهو يغير الأوقات والأزمنة. يعزل ملوكا وينصب ملوكا. يعطي الحكماء حكمة, ويعلم العارفين فهما. هو يكشف العمائق والأسرار. يعلم ما هو في الظلمة, وعنده يسكن النور (دانيال2:20). ولأن الله كلي الحكمة والقوة فهو يفعل كل ما سبق دون أن يكون للعدو سلطان إطلاقا سوي أن ينفذ مقاصد العلي.
ربما نري الضيقة بلا مخرج, والمشكلة بلا حل, لكي يشجعنا الكتاب أن نطلب وجه الله, فيقول: في الضيق دعوت فنجيتك, استجبتك في ستر الرعد (مزمور81:7). أي ستأتي لنا استجابات من المكان السري المختبئ منشأ الرعود حيث حضور الله المرهب المهيب, حيث لا صوت آخر, هناك من ذلك المكان المخفي عن عيوننا تنشأ الحلول, فالرب هو الجاعل في البحر طريقا وفي المياه الكثيرة مسلكا (إشعياء43:16). وله في الموت مخارج (مزمور68:20).
ومن المكان الذي لا يتضح فيه حل يخرج الحل, من منشأ الرعد حيث أشرف الرب علي عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعج العسكر المصريين (خر14:24), فرجعوا لخلف وأدركوا أن الرب هو الذي يقاتل عن شعبه, ربما تضيق حلقات المشكلة فيبدو أنه لا حل ولكن الطريق للحل ليس مخفيا, ربما مستور عن أعيننا وبالتأكيد عن أعين العدو ولكنه يراه بوضوح.