1ـ إذا جلست لتتحدث مع مجموعة من الناس, فلا تأخذ الجلسة لحسابك الخاص..
لا تحاول أن تكون المتكلم الوحيد, أو المسيطر علي دفة الحديث, أعط غيرك فرصة لكي يتحدث هو أيضا, ويعبر عن رأيه, ولا تشعره بأنه غريب في مجلسك يسرنا أن نسمع وأيك. لا تظن أن باقي الحاضرين لا يفهمون مثلك… ولا تضع نفسك في موقف المدبر, الذي يقبل ما يحجبه من آراء, ويرفض ما لا يعجبه.
2ـ حبذا لو كنت آخر المتكلمين. وليكن لتأخرك في الحديث غايتان: هما الأدب والحكمة.
أما الحكمة فهي أن تدرس الموضوع جيدا قبل أن تتكلم فيه, وتستعرض في ذهنك كل وجهات النظر وأسانيدها وبراهينها, حتي إذا ما تحدثت يكون ذلك عن دراية ومعرفة, وتكون قد أعطيت غيرك فرصة للتعبير, وأعطيت نفسك فرصة للتفكير.
3ـ أما الأدب فهو أن تفضل غيرك علي نفسك.
تقدمه في الحديث عليك, احتراما لرأيه, أو لسنه, أو لخبرته, أو لرغبته في إبداء رأيه.
وفي هذا الأدب لا تحاول أن تجيب علي كل سؤال وبخاصة الموجه إلي غيرك. انتظر إلي أن يتكلم الآخرون. وخذ في حديثك المتكأ الأخير. وضع في اعتبارك من هم أكبر منك مقاما. أو أكبر منك سنا, أو أكثر منك علما. وتذكر قول الآباء في البستان:
إذا جلست وسط الشيوخ, فلا تتكلم.
وإن سئلت عن رأيك, فقل: لا أعرف.
إن اليهو بن برخئيل البوزي في قصة أيوب الصديق, جلس صامتا, تاركا أيوب وأصحابه يتحدثون خلال 28 أصحاحا, وهو لا يفتح فمه, لأنهم كانوا أكثر منه أياما. وأخيرا فتح فاه لما فشل كل هؤلاء في الحديث. وقال لهم أنا صغير في الأيام وأنتم شيوخ. لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدي لكم رأيي. قلت الأيام تتكلم, وكثرة السنين تظهر حكمة (أي 32: 6ـ7).
4ـ لهذا, كن متواضعا في حديثك وفي صمتك..
لا مانع إذا دعيت إلي الكلام في بعض الأوقات أن ترد باتضاع قائلا: البركة فيكم. كيف أتكلم وفلان موجود؟ ليتفضل فلان, فإنه يفهم في هذا الموضوع أكثر مني… ليتني أسمع وأستفيد. أنا في الحقيقة لم أدرس هذا الموضوع جيدا… أخاف أن أتكلم فأضيع وقتكم..
وليكن هذا الاتضاع في قلبك, قبل أن تلفظه بلسانك, وإن تكلمت هكذا, فلتكن كلماتك بمشاعر صادقة, وليست بطريقة متصنعة. إنما بتعبير حقيقي عما في أعماقك.
5ـ وطبعا يقتضي الاتضاع والأدب أنك لا تقاطع غيرك أثناء حديثه..
لا تسكته لكي تتكلم أنت, فإن هذا يدل علي عدم احترامك لمحدثك, أو عدم احترامك لكلامه. أو هو دليل علي ثقتك بنفسك, وتفضيل ذاتك عليه. كما يحدث أحيانا إذا ما قاطعت غيرك, إنه لا يقبل ذلك, ولا يكون مستعدا لسماعك, وقد تتبادلان معا مقاطعة الكلام, بدون فائدة.. وتختلط كلماتكما بطريقة مشوشة, وبأسلوب معثر للآخرين.
6ـ من أدب الحديث أيضا: أنه لا يعلو صوتك علي صوت محدثك…
وعموما الصوت الهادئ له وقار واتزانه. أما الصوت العالي في المناقشة فهو أمر غير لائق. وقد قيل عن السيد المسيح له المجد أنه كان لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (متي 12:19). إن الحوار الهادئ يأتي بنتيجة. أما الأصوات العالية فتتحول إلي شبه شجار تذكر أن الله عندما تحدث مع إيليا النبي, كلمه بصوت منخفض حفيف (1 مل 19:12), لذلك أبعد عن صخب الصوت, ولا تظن أن كرامتك أو انتصارك في علو صوتك أو حدته.
إن قوة الكلام هي في منطقه وحجته وإقناعه, وليس في حدته وعلوه.
ولا يتفق مطلقا مع أدب الحديث أن يعلو صوتك علي محدتك ويغطي علي كلامه, أو أن يكون في نبرة صوتك ما يشعره بعدم احترامك له. إنك بهذا لا تكسب, مهما ظننت أنك تكسب الحوار. لذلك إن تكلمت, فليكن كلامك هادئا متزنا وديعا…
7ـ إن كنت في حوار, وأخطأ أحد: فلا تكشفه, ولا تحرجه, ولا تتهكم عليه.
ولا تتعرض لأخطائه في قسوة. اظهر الرأي السليم في إيجابية ووقار, دون أن تحطم غيرك. خذ الخير الذي في كلام محدثك, واترك الباقي… امدح النقط البيضاء السليمة التي في حديث من أخطأ قبل أن تتعرض للرد علي أخطائه. وليكن ردك بموضوعية دون أن تمس شخصه أو عقليته. ثم اذكر رأيك إلي جواره, وليس فوق حطامه.
إن المسيحية ليست مجرد صليب نعلقه فوق صدورنا, أو نختمه علي سواعدنا, إنما هي حياة مقدسة مخبأة داخلنا, تظهر مشرقة في أفعالنا وأقوالنا وأساليبنا.
8ـ إن كنت تعرف ما سيقوله محدثك, فلا تخجله وتسكته.
سواء كان ذلك في قصة أو فكاهة أو رأي ما.. إنما استمع إلي كلامه في هدوء, كما لو كنت تسمعه لأول مرة. واظهر إعجابك بما يستحق الإعجاب فيما تسمعه. ولا تسبقه بالكلام, أو تكمل له ما يريد أن يقوله. فيضطر أن يقطع حديثه, ويصمت في خجل..
9ـ وفي المناقشة: إن وجدت الحق في الجانب الآخر, فلا تماحك…
إنما اعترف بالحق ولا تغالط. فإن المخالطة تفقدك احترام الناس وتثورهم ضدك. كما أنك لا تكون فيها شخصا روحيا. امتدح محدثك علي رأيه. وقل له: إنك علي حق في هذه النقطة…
10ـ أما إن كنت صاحب الرأي الصواب, وتنازل محدثك عن رأيه, فاتركه ينسجب بدون إذلال.
لا تحاول أن تريق ماء وجهه, وأن تشعره بالهزيمة, أو أن تشعر بذلك الذي يستمعون إليكما. ولا تجعل هذا الانسحاب مدعاة لافتخارك وانتفاخك. إنما كن كريما في حوارك, ولا تسبب إحراجا للطرف الآخر. المهم أن تصل معه إلي الحق, وليس إلي رفعة نفسك…
11ـ هناك أمور من الأفضل أن تكلم فيها غيرك علي انفراد.
بعض المناقشات تكون أنجح وأفيد علي انفراد. كما قال الرب إن أخطأ إليك أخوك, فاذهب وعاتبه فيما بينك وبينه وحدكما (متي 18:15). من الجائز أن يعترف بخطئه أمامك علي انفراد بينما لا يستطيع أن يفعل ذلك أمام الناس.