من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يخاطب بها الله هي نشكرك. وحسب تقليد كنيستنا, فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي نفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات, بعد أن نتلو الصلاة الربانية.
كيف نقتني فضيلة الستر؟
أولا:ـ تذكر ستر الله لك
إن الله يستر علينا في مواقف عديدة.. وفي سقطات كثيرة.. وفي خطايا مختلفة.. وأتذكر أنني أثناء خدمتي قبل البطريركية, طلب مني أن أذهب إلي شخص كبير في السن ومريض, لكيما يتناول من جسد الرب ودمه, وبالفعل ذهبت إليه, ولكن قبل أن يأخذ التناول طلب مني أن يعترف.
وكانت أول كلماته أن الله ستر عليه في خطايا كثيرة, منذ أن كان عمره تسع سنوات! ثم بدأ يسرد هذه الضعفات والخطايا وبعد يومين من اعترافه انتقل من هذا العالم!! فالله يستر علينا جميعا, ومن لا يشعر بستر الله هو إنسان جاحد.
ثانيا:ـ تعلم أن تحب الآخرين:
تعلم أن تحب الآخر مهما كان يحمل من ضعفات, حب الجانب الحلو الذي في الإنسان, فأي إنسان به جانب حلو وجانب سيء, فانظر إلي الجانب الجيد فيه, فالسيد المسيح عندما تحدث مع زكا العشار اهتم بجزء صغير, وهكذا فعل مع السامرية.
وأيضا مع اللص اليمين اهتم بالكلمة الجيدة التي قالها: اذكرني يارب متي جئت في ملكوتك (لو23:42), واعتبرها توبة.. أو صلاة.. أو حياة جديدة.. لقد ركز السيد المسيح في هذه العبارة, ولم يركز في باقي الأخطاء السابقة, والقديس بطرس الرسول يقول: ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة, لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا (1بط4:8).
والقديس مار أفرام السرياني يقول: التلذذ بعيوب الآخرين يدل علي أننا ممتلئون بغضة.
والقديس مكاريوس الكبير يقول: يا أخي أحكم علي نفسك قبل أن يحكموا عليك.
وهنا نتذكر قصة القديس الأنبا موسي الأسود, عندما طلبوا منه أن يحضر محاكمة أحد الرهبان, امتنع في البداية, ولكن مع إصرار الآباء علي حضوره أطاع وحضر, ولكنه دخل إليهم وهو يحمل علي ظهره شوالا من الرمل!! فسأله الآباء ما هذا يا أبانا؟!! فأجاب هذه خطاياي تجري وراء ظهري, وقد أتيت اليوم لأحكم علي غيري!! وهذا ما يجب أن نتعلمه كي ما نعيش به, ونغير من سلوكنا, ولنعلم جيدا أن الذي يريد أن يسير في طريق السماء, يجب أن يتحلي بنعمة الستر علي الآخرين, لأنه هو أيضا يتمتع بستر الله عليه.
ثالثا:ـ تعلم ألا تدين غيرك
وهنا قد يتساءل البعض: إذا, لماذا يوجد مجالس تأديب؟! نجيب أن هذا نظام في إدارة العمل, ولكن ما نريد أن نتحدث عنه هنا هو الإدانة علي المستوي الشخصي وفي علاقاتنا الاجتماعية والشخصية.
والأنبا أنطونيوس يقول: لا تدن غيرك لئلا تقع في أيدي أعدائك. بمعني أن الذي يدين إنسانا علي خطية ما, يأتي اليوم الذي يقع فيه, في نفس الخطية التي أدان عليها..
وأيضا يقول أحد الآباء: إذا أدنا أنفسنا لا يبقي لنا وقت لندين فيه الآخرين.
وكما يقول أحد القديسين: ليس هناك أفضل من أن يرجع الإنسان بالملامة علي نفسه في كل شيء.
فالعبارات كثيرة جدا في موضوع الستر, لكن خلاصة الأمر: أنك عندما تصلي صلاة الشكر في كل مرة, يجب أن تصلي وتقول أشكرك يارب لأنك سترت حياتي, في الماضي وفي الحاضر.. سترت علي أسرتي, الكبير فيها والصغير.. سترت علي أصدقائي.. سترت علي خدمتي.. سترت علي كنيستي.. سترت علي مجتمعي.
والستر يشتمل أيضا الحفاظ علي خصوصيات الوطن الذي نعيش فيه, لذلك نسمع أحيانا خبرا أن شخصا ما, تم اتهامه بالخيانة العظمي! وهذا يعني أنه أفشي أسرار وطنه!! لذلك يجب علي كل إنسان أن يضع حسابا لكل كلمة ينطق بها.
فنعمة الستر نعمة غالية جدا, حاول أن تشعر بها, وتذكر دائما عدد المرات التي ستر الرب عليك فيها, وحاول أن تستر علي كل من تعرفهم, وكل من هم حولك, وتعلم هذه الفضيلة في حياتك كل يوم.
نعمة المعونة (1)
اللهم, إلي تنجيتي. يارب, إلي معونتي أسرع. ليخز ويخجل طالبو نفسي. ليرتد إلي خلف ويخجل المشتهون لي شرا. ليرجع من أجل خزيهم القائلون: هه هه! وليبتهج ويفرح بك كل طالبيك, وليقل دائما محبو خلاصك: ليتعظم الرب! أما أنا فمسكين وفقير. اللهم, أسرع إلي. معيني ومنقذي أنت. يارب, لا تبطئ (مز70:1-5).
الله هو صاحب المعونة, وكلمة المعونة كلمة معزية ولها معان وأبعاد كثيرة, فمثلا قد يشعر الإنسان في بعض الأحيان أنه لا يستطيع القيام بعمل ما!!.. أو أنه عاجز علي مواجهة بعض المواقف.. أو بعض الأشخاص, وهنا لا يعزيه إلا هذه الصلاة القصيرة, والتي نحبها جميعا اللهم التفت لمعونتي, يارب أسرع وأعني, وهذه الصلاة تعتبر من الصلوات السهمية التي من الممكن أن تقال في أي وقت وفي أي مكان.
وأيضا يقول الله علي فم إشعياء النبي هذه العبارة المعزية:
لا تخف لأني معك. لا تتلفت لأني إلهك. قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري. إنه سيخزي ويخجل جميع المغتاظين عليك. يكون كلا شيء مخاصموك ويبيدون. تفتش علي منازعيك ولا تجدهم. يكون محاربوك كلا شيء وكالعدم. لأني أنا الرب إلهك الممسك بيمينك, القائل لك: لا تخف. أنا أعينك (إش41:10-13).
ومن أكثر الأمثلة المشهورة عن معونة الله لأولاده, هو داود النبي فهو شخص كان أصغر إخوته, وله بنية جسدية ضعيفة, وقد اختاره الله وأرسل له صموئيل النبي لكيما يمسحه ملكا عوضا عن شاول الملك, ليقود مملكة بني إسرائيل ويخلصها.
فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط إخوته. وحل روح الرب علي داود من ذلك اليوم فصاعدا (1صم16:13), ومن المعروف أنه هناك ثلاثة ملوك, تم تناوبهم علي كرسي المملكة, وهذه هي المملكة المتحدة. بمعني أن هذه هي الفترة التي كانت أسباط إسرائيل الاثنا عشر تحت قيادة ملك واحد, ثم بعد فترة ملك سليمان, انقسم أسباط بني إسرائيل إلي مملكتين, مملكة يهوذا وكانت تتكون من سبطين, ومملكة إسرائيل وتتكون من عشرة أسباط.
وداود النبي كما يقول عنه الكتاب: وكان أشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر (1صم16:12), فهو مجرد راعي غنم, ذي حس مرهف في كتابة الشعر, وكتب لنا العديد من المزامير, وقد تعرض لتجارب كثيرة, منها القتل من قبل شاول.
وبالرغم من كل محاولات شاول لقتل داود, إلا أنه في إحدي المرات أتيحت الفرصة لداود لقتل شاول, ولكنه رفض فعل ذلك, واكتفي بقص جزء من جبة شاول التي كان يرتديها!! وقال داود لشاول: لماذا تسمع كلام الناس القائلين: هوذا داود يطلب أذيتك؟ هوذا قد رأت عيناك اليوم هذا كيف دفعك الرب اليوم ليدي في الكهف, وقيل لي أن أقتلك, ولكنني أشفقت عليك وقلت: لا أمد يدي إلي سيدي لأنه مسيح الرب هو (1صم24:9-10).
وقد وعد الله داود بالمعونة, كما قال الكتاب: وقد أرحتك من جميع أعدائك. والرب يخبرك أن الرب يصنع لك بيتا (2صم7:11), وقد استمرت معونة الله تسند داود حتي صار ملكا, وحتي في سقوطه لم تتركه معونة الله!! ودفعته إلي التوبة, وهذا يتضح من خلال مزمور التوبة ارحمني يا الله كعظيم رحمتك.. (مز50 قبطي).