ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
امتحنوا كل شيء
امتحنوا كل شيء (1تس5:21)
إن كلمة امتحان هي كلمة معروفة عند الجميع صغيرا وكبيرا, ولعلها تبعث شكلا من أشكال الخوف, ولكن الحياة لا تخلو من الامتحانات, لأنها أفضل وسيلة لتقييم حياة الإنسان وسلوكه ومسيرته, فهناك أهمية كبيرة للامتحانات.
الامتحانات وضعت لنختبر بها مدي معرفتنا وثقافتنا, فهي تبين للإنسان كيف أمكنه أن يستخدم هذه المعرفة, في مجالات حياته المختلفة, من عمل أو أي أمور حياتية, أو أن هذا الاختبار يكشف ما يتمتع به الإنسان من خبرة وحنكة.
وهنا نسأل كيف نمتحن كل شيء في عالم هذا وصفه؟
توجد خمسة مقاييس تساعدنا في امتحان كل شيء, وهذه المقاييس هي مقاييس جيدة وصالحة:
1- وصايا الله
إن أول مقياس نضعه أمامنا هو مقياس كلمة الله, فهي التي تستطيع أن تقيس سلامة ما نقوم به, إن كان قرارا أو فكرا وذلك علي المستوي الشخصي أو الجماعي, فكن علي دراية بوصايا الكتاب المقدس لتستطيع أن تفرز الصحيح من الخطأ, فعليك أن تستخدمها كسلاح.
+ السيد المسيح.. نتذكر أنه في حرب عدو الخير إبليس أمام السيد المسيح, أراد أن يقيس هذه الحروب بمقياس الكلمة, فبعد أن صام السيد المسيح أربعين يوما, وكان جسده في احتياج إلي الطعام حاربه إبليس بقوله: إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا (مت4:3), وكانت إجابة رب المجد من الكتاب فقال: مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله (مت4:4).
قد يوهمك إبليس أن يسوع أضعف من أن ينقذك, فامتحن هذا الفكر وضع أمامه ما كتبه القديس بولس الرسول: لأن جهالة الله أحكم من الناس! وضعف الله أقوي من الناس (1كو1:25), فحتي إن بدت الوصية أنها لا تتناسب مع الزمن أو العصر الذي نعيش فيه, إلا أن الوصية ثابتة ومقياسها سليم وتتناسب مع كل العصور والأزمنة.
وقد يدس لك الشيطان كلمات سامة تفسد التعليم الصحيح (2بط2:1), فامتحن هذا وطابقه بالتعليم الذي تسلمناه (رو6:17).
لذلك كل فكر نقوم بقراءته أو سماعه أو رؤيته يجب أن نقيسه بمقياس كلمة الله الكاملة, وكلمة الكاملة تعني أننا لا نحكم علي الوصية ببعض الكلمات القليلة, مثال لذلك بولس الرسول, يقول لتلميذه تيموثاوس: وبخ, انتهر, عظ (2تي4:2).
ونلاحظ هنا أن هذه الكلمات حادة, ولا يمكن اعتبارها مقياسا سليما للتعليم, ولكن عندما نقرأ باقي الآية نجده يقول: بكل أناة وتعليم, فإن كان الغضب في الآية السابقة بسبب الغيرة المقدسة, فإنه ينصح أن يكون هذا التوبيخ أو الغضب بطول أناة وتعليم, فطول الأناة هي إحدي الوسائل التي تساعدنا علي الفهم, بالرغم من وجود التوبيخ والانتهار, فمثلا نتعرض أحيانا لبعض الضيقات في الحياة سواء علي المستوي الفردي أو المستوي الجماعي, فنسمع كلمات ربنا يسوع المسيح في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16:33).
وهذه كلمات معزية للإنسان حتي إن اجتاز ضيقة ليس هو السبب فيها, يعرف أنه في العالم سيكون لنا ضيقات, ولكن في نفس الوقت يكون له ثقة أن الله هو الغالب في النهاية, والقديس بولس الرسول يقول: لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا (2كو4:17).
بمعني أن الضيقة إن قيست بمقدار المجد الأبدي تصير ضيقة خفيفة, فعلي الإنسان أن يقيس الأمور بصورة متكاملة, ولا يقتطع جزءا من سياق الحديث ويفهمه بمعزل عن باقي الحديث, لكي لا يكون الفهم ناقصا.
2- الإفراز والحكمة
هي الوسيلة الثانية التي يستطيع بها الإنسان أن يمتحن كل شيء, وكلمة الإفراز من الكلمات الرهبانية المهمة جدا, أما الكلمة المستخدمة, بين عامة الناس فهي الحكمة, وهنا نسأل كيف يكون الإنسان حكيما؟
كثير من التصرفات والقرارات لا تنجح إلا بالحكمة, وكان وصف الحكمة قديما بالشعر الأبيض, ولكن وجدنا في قصة أيوب الصديق وأصحابه الثلاثة أن أليهو الشاب كان أكثر حكمة منهم فقال أليهو بن برخئيل البوزي: أنا صغير في الأيام وأنتم شيوخ لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدي لكم رأيي. قلت: الأيام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة (أي32:6-7).
فموهبة الإفراز والحكمة من الأمور التي نحتاجها في حياتنا اليومية باستمرار, ويقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: إذا دخلت الحكمة قلبك ولدت المعرفة لنفسك. فالعقل يحفظك والفهم ينصرك. لإنقاذك من طريق الشرير ومن الإنسان المتكلم بالأكاذيب (أم2:10-12).
كثيرون قد ضلوا الطريق لعدم استخدامهم الحكمة والإفراز في أمور حياتهم, ولكن كلما اقترب الإنسان من الله أقنوم الحكمة, كلما ازداد حكمة, وهذا يظهر في فلسفة كنيستنا عندما تدرب أولادها علي قراءة الإنجيل والصلاة في كل يوم, لأن هذا يجعلنا ملتصقين دائما بشخص المسيح, وبالتالي نكتسب الحكمة في قراراتنا وحياتنا اليومية.
القديس الأنبا أنطونيوس كان دائما يحث أولاده علي الحكمة, فيقول لهم: يا أحبائي اطلبوا نهارا وليلا لكي تأتي عليكم موهبة الإفراز هذه. فما أعظم أن يكون الإنسان حكيما وأن يضع الكلمة في مكانها الصحيح.
وكما يعلمنا سفر الأمثال: تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها (أم25:11). ويصف القديس الأنبا أنطونيوس الإفراز بأنه عين النفس, فالإفراز شيء مطلوب في الحياة اليومية, متي يتكلم؟ متي يسكت؟ متي يأخذ قرارا؟ وهكذا.. والنعمة هي التي تساعد الإنسان في هذه الحكمة.
لقد سئل الأنبا مقار: ماذا يعمل الإنسان المخدوع بإعلانات شيطانية تشبه الحقيقة؟ أجابه الأنبا مقار قائلا: يحتاج الإنسان لذلك الأمر إلي إفراز كثير للتمييز بين الخير والشر, كما يميز الحنك الخمر من الخل, وإن كانا متشابهين في اللون. إن أمور النعمة يلازمها الفرح والسلام والمحبة والحق.
أما الخطية بأنواعها فهي مضطربة ولا يصاحبها أية محبة أو فرح من نحو الله.