يبدو الكلام تقليديا أو كليشيهات إن تحدثنا عن أن بدايات الأعوام فرصة لمراجعة الذات, فقد يقول البعض إن الأعوام تبدأ دوما فهل يعني هذا بالضرورة أن شيئا جديدا سيحدث للجميع؟!
في الحقيقة أن الغيير هو قرار شخصي جدا, لا يمكن أن يجبر شخص علي أن يتخذ قرار التغيير طالما لم يكن نابعا من ذاته, لكن القرار أيضا لا يأتي من فراغ, فربما أن بداية العام فرصة تحفز النفس علي وضع أهداف تكون نقطة انطلاق لحال أفضل, ومن المؤكد أن تهيئة الظروف لإحداث التغيير لا تأتي من فراغ فالأمر يحتاج إلي مجهود, وإلي حسن اختيار الرفقاء فالمرء يعرف بخليله, لكن لنجعل دائرة الدعم أكبر اتساعا ونضم إليها المجتمع الكبير, أو الوطن, وماذا لو قلنا: والعالم أيضا.
ربما يكون الشخص طامحا للتغيير لكن الظروف المحيطة لا تساعده, وتصبح عزيمته حينها هي نقطة القوة الوحيدة, وفي أحيان أخري تكون الظروف المحيطة مشجعة ودافعة إلي الأمام, وهنا تكون قوة الفرد مضاعفة, ويكون هذا من حسن حظه.
نحن الآن لانزال في الشهر الثاني من العام الجديد, عام يتطلع فيه العالم إلي التخلص من الوباء اللعين, ويبدو أنه قد شارف علي الرحيل بالفعل بعد اللقاحات السائدة والعلاجات التي تقف علي أبواب الإجازة, لكن العالم في الوقت نفسه قد سار إلي مسافة طويلة في طريق التقدم التكنولوجي, وفي تحويل مسارات كثيرة إلي العالم الافتراضي, وترك ذلك أثره علي اقتصاديات العالم كله, وعلي وظائف انتهت للأبد وأخري اتسع نطاق الاحتياج إليها, وعما يعنيه ذلك, فالأمر ببساطة أن التغيير قد حل دون استئذان, ليس تغييرا في المفاهيم وحسب, وإنما في أنماط كسب الرزق, وفي أنواع الدراسات والتعليم الأكثر طلبا, وفي تغيير شامل لنمط الحياة, فهل لاحظ الجميع ذلك؟ والأهم هل فهم الجميع ذلك؟ الإجابة المؤسفة هي: لا!
لا أعرف كيف أن أمرا جللا كحلول الوباء لم يدفع الجميع للتغيير؟! أو حتي لمجرد التوقف ومراجعة الحسابات؟ لقد رحل أحباء دون انتظار ولا وداع, انهارات اقتصادات وصعدت أخري. للأسف اختار البعض أن يغمض عينيه عما حدث وما يجري, إما عن جهل أو اختيارا للبقاء في منطقة الراحة, لكن هذا لا يعني أن الزمن لن يسير للأمام, فالتاريخ لا يسير للخلف أبدا, هناك أمم تنهض وأخري تغرق في الفشل, الأمر متروك لاختيار أفرادها, وعلي المستوي الفردي التقدم للأمام هو محض اختيار فردي بحت, وكل ما أرجوه أن يستغل كل فرد فينا الهمة الحالية لدي دولتنا للنهوض وللتقدم لصنع انتصارات فردية حقيقية مهما بدا ذلك صعبا, فمن قال إن التغيير سهل؟ وأن عدم الاستسلام لمنطقة الراحة أمر سهل؟
يجري الآن نشر الكثير من المقالات في المواقع والمجلات المتخصصة في علوم الإدارة وتنمية الذات, عن أثر وباء الكورونا والعمل من المنزل علي الأفراد, نعم.. لقد أثر ذلك فينا سلبا, وليس دفن الرؤوس في الرمال, أو الاستسلام للأمر واعتباره شخصيا هو ما سيحل الأزمة, المسألة تحتاج لوقفة واعية مع النفس لفهم ما جري, ولإصلاح الأضرار النفسية, ولمحاولة التأقلم مع العالم الجديد, الذي ينمو في اتجاه ليس سهل الاستيعاب بسرعة مفرطة, هذا هو واجبنا نحو أنفسنا, ونحن الأجيال الجديدة لتي سنترك لها العالم من بعدنا, لأنفسنا علينا حق الرحمة والتعاطف والدعم! نعم.. فليس كل دعم نفسي نحتاجه من خارجنا, ما نحتاجه من الداخل هو أكثر بكثير, حين ندعم أنفسنا عن وعي وفهم سنكون قادرين علي دعم الآخرين, وأي كلام سوي ذلك هو محض هراء.
يتجه العالم الآن نحو الاعتراف بما فعلته الكورونا بنا سلبا وإيجابا, تجاوز العالم الصدمة الأولي ويعيد بناء نفسه واقتصاداته وعلاقاته الاجتماعية, وهذا هو أيضا واجبنا نحو أنفسنا ومجتمعنا ووطننا.
أهلا بالتغيير الذي يدفعنا للأمام, وألف لا لكل ما يجعلنا أسري لماض انتهي ولن يعود, لكن كل ذلك لن يكون سوي بالعلم والمعرفة والعزيمة والإرادة, ونحن كمصريين لها بكل تأكيد.