يبدو العالم مخيفا للغاية!
كيف يمكن إذن أن نتحدث عن الأمل؟ لا بارقة ظاهرة بأنه ينتظرنا, فماذا نحن فاعلون؟ هذا الشعور إن لم يكن هو شعورك في هذه اللحظة فهو بالتأكيد شعور بعض ممن حولك إن لم يكن معظمهم!
لكن.. لحظة واحدة, هل كان العالم مكانا هانئا قبلا؟ في الحقيقة لا يتوقف البشر عن خلق الصراعات وصناعة الأزمات, كل ما في الأمر أن موقعك في خريطة العالم هو ما يتوقف عليه تأثرك بما يحدث فيه, وبالطبع هناك أوقات أصعب من أخري كالحروب الكبري مثلا, ولأن العالم الآن أصبح قرية صغيرة, أو لنقل غرفة واحدة, فقد صار تضرر الجميع قائما طوال الوقت تقريبا, لأن البشر صاروا يتبادلون مشاعر القلق والضرر النفسي طوال الوقت عبر وسائل الاتصال المتنوعة, وهو أمر له إيجابياته لكن له سلبياته العميقة بطبيعة الأمر, ونحن لا ننتبه عادة لذلك.
مالا يدركه معظم الناس أيضا, أن وباء الكورونا قد غير العالم للأبد, وترك آثارا لا يمكن إغفالها علي أنماط حياة البشر, وإحساسهم بالأمان والاستقرار, لكن الأغلبية يعتقدون أن الوباء مر كما جاء, باعتباره أزمة طويلة وقد انقضت.
زاد الأمر صعوبة, الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا, وتطالعنا الأنباء كل يوم بآثار اقتصادية مدمرة, وقد لمس الضرر كل شعوب العالم, أما بالنسبة للتوقعات, فللأسف الجميع يتجه لتوقع الأسوأ, وكان هناك من يتغذون علي إشاعة الخوف, ولا أحد في صف الأمل.
ويبدو ظاهريا أنه لا أمل في الغد أصلا, فكيف لنا أن نتأمل في غد تحيطه كل هذه الأوجاع؟
أما حقيقة الأمر, أنه كما تسطع الشمس كل نهار, فلابد أن يأتي الغد بالجديد, وهذا ليس كلاما شاعريا, أو محاولة للهروب من الواقع, علي العكس هو محاولة حقيقية للتشبث بالحياة, فلا بديل لدينا سوي أن نبحث عن النور في أشد أوقات الظلام حلكة, ولا يجب أن يكون الحل وفقا لأنماط تفكيرنا الاعتيادية, أو بناء علي توقعاتنا السابقة عن الغد, في اللحظات الصعبة كل المهم هو النجاة.. النجاة وحسب, كل الأحلام الأخري يمكن تأجيلها, إذا كان سقف طوحنا هو النجاة حينها لن نصاب بالإحباط, علي العكس تماما, سيعلو سقف التوقعات يوما بعد الآخر, كلما مشينا خطوة في سبيل الخروج من النفق.
كل ما يهم الآن هو إشاعة الأمل, ولا أقصد التفاؤل الساذج غير القائم علي الجد والاجتهاد الحقيقي, وإنما التفاؤال القائم علي الثقة في الله, والإيمان بقدرة الإنسان علي مواجهة الصعاب, وأهمية التكاتف والتكافل في الأوقات الصعبة, والتفكير بأنماط أكثر مرونة وذكاء.
لو أن البشر استسلموا لكل ما مر بهم من أوبئة وحروب, لما كنا قد جئنا إلي هذه الحياة, ودورنا هو ليس النجاة وحسب بل أن نسلم العالم إلي أبنائنا في أفضل صورة ممكنة.
في الأوقات الصعبة تظهر معادن البشر, وقدرة الأقوياء منهم علي الخروج من الأزمات ومساعدة غيرهم, وكما الغد لابد سيأتي, فإن قوة الإنسان أيضا تتجدد مع كل نهار, وهذه هي سنة الحياة.
في هذه الأوقات ساعد نفسك أولا كما ركاب الطائرة التي تعرضت للخطر, ثم أقرب أقربائك, وهكذا دواليك, اعمل بجد للنجاة فالحياة غالية, طبعا غالية! هل أخبركم أحد بغير ذلك؟
لا تستهن بقضاء الوقت مع الأحباء, لا تقسو علي نفسك, اسمح لحزنك أن يأخذ وقته, ولخوفك أن يعلن عن نفسه, ولقلقك أن يظهر, لكن لا تسمح لأي منهم بالقضاء علي ثقتك في نفسك ولا غدك ولا في الله من قبل ومن بعد.
الحياة قد تبدو غير عادلة, ولا تحترم غير الأقوياء, فلتمارس اللعبة بقوانينها, ولتكن قويا, فالحياة تستحق.