إن الإغراء الذي تعرض له أبوانا الأولان كان هو المرئيات…
إنه الشجرة, والثمرة, التي كانت أمامهما شهية للنظر وبهجة للعيون (تلك 3:6). وبنفس الوضع كانت سادوم بالنسبة إلي لوط, أرضا معشبة, صالحة للمرعي, كجنة الله, كأرض مصر (13:10).
انظروا إلي قصة يوسف وامرأة فوطيفار. كانت هي ناظرة إلي الأمور التي لا تري, إلي جمال الجسد وشهوته أما يوسف, فكان منشغلا بالرب: غير ناظر إلي الأشياء التي تري.. فخلص يوسف, وسقطت المرأة.
وبنفس الوضع سقط سليمان:
أن مأساة سقوطة كان سببها قوله ومهما اشتهته عيناي, لم أمنعه عنهما (جا 2: 10).
لذلك قال بنيت لنفسي بيوتا, غرست لنفسي كروما. عملت لنفسي جنات وفراديس… جمعت لنفسي أيضا فضة وذهبا.. اتخذت مغنين ومغنيات, وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات… (جا2: 4ـ10).
وماذا كانت النتيجة؟
اكتشف أخيرا أن كل هذه المرئيات هي باطل الأباطيل. الكل باطل وقبض الريح, ولا منفعة تحت الشمس.
ولكنه اكتشف هذه الحقيقة متأخرا بعد أن أثرت علي روحه وبردت نفسه وأسقطته فيما لا يسقط فيه الحكماء!
إن الغني قد أتلف سليمان, وأوقعه في شهوات متعددة, وأمال قلبه إلي النساء. والغني أيضا أبعد الشاب الغني عن المسيح, فمضي حزينا..
ولكن بعض الأغنياء احتفظوا بمحبتهم لله, لأنه لم يحبوا المال: ولم ينشغلوا بجمعه وتكويمه وخزنه, وإنما باعوا كل أموالهم وأعطوها للفقراء, كما فعل القديس أنطونيوس الكبير والقديسة ميلانيا, وكما كان يفعل أيضا أيوب الصديق.
العيب إذن ليس في المال ذاته, إنما في النظر إليه, في محبته, وفي الاتكال عليه, وفي الكبرياء بسببه.
كل هذا عن الأشياء التي تري.
فما هي إذن الأشياء التي لا تري؟ نذكر منها الأبدية!
الذي يفكر في أبديته, إنما يفكر في ما لا يري, لأنه لا يري هذه الأبدية بعينيه. ولأن هذه الأبدية كما قال بولس الرسول هي ما لم تره عين, وما لم تسمع به أذن, وما لم يخطر علي قلب بشر.
والذي ينظر إلي أبديته, لا شك أنه سوف لا يهتم بهذا العالم الحاضر, بل يزهده ولا يتمسك به.
وفي الأبدية ننظر الله بالروح
الله الذي قال عنه الكتاب.
الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب, هو خبر (يو 1:18).
والمتعة بالله شيء لا يدخل تحت نطاق الحواس, لذلك فهي أبدية.
هي فرح لا ينطق به وعجيب, ولا يستطيع أحد أن ينزعه منا..
ليتنا ننشغل بالله, المحيط بنا الحال في وسطنا, القارع علي أبوابنا, الذي قال لنا ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر والذي قال إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم.
هو إذن معنا وفي وسطنا: وإن كنا لا نراه, ولكننا سنحس وجوده. وفي الأبدية سنراه وجها لوجه كما قال الرسول (1كو 13: 12).
سنراه ونري ملائكته وأرواح قديسيه, الذين لا نراهم الآن
ملائكة الرب حالة حول خائفيه وتنجيهم, وتملأ الكنيسة, وكلهم أرواح خادمة, مرسلة للخدمة, لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1:14). ومع ذلك فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية, ولكننا سنراهم في الأبدية, وكذلك أرواح القديسين.
أما الآن, فنحن ننظر إليهم بالروح ونراهم بالإيمان, ونستحي من حضرتهم معنا إن فعلنا خطية.
الروح من الأشياء التي لا تري.
أما الجسد فإنه من المرئيات.. لذلك فالشخص الروحي المحب لله, لا يعيش ناظرا إلي الجسد وطلباته: إنما إلي الروح التي لا تري. يهتم بها وبغذائها الروحي, وبمصيرها الأبدي وبكل ما يربطها بالله الذي لا يري, ويجعلها ملتصقة به…
والذي ينظر إلي مالا يري, يهتم بالمعنويات وبالإيمان والخير.
فالإيمان هو الثقة بما يرجي, والإيقان بأمور لا تري (عب 11:1)
والذي يعيش في الإيمان, إنما يعيش ناظرا دائما إلي ما لا يري لأن الأمور التي تري هي خاصة بالعيان وليس بالإيمان. وقد قال الرسول لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان (2كو 5:7).
وبالروح نعيش في المعنويات التي لا تري, السلام الذي نحسه ولا نراه, الخير الذي نتبعه ولا نراه.. وكذلك كل الفضائل غير المرئية.
وفي كل أمورنا ننظر إلي قوة الله غير المنظورة العاملة معنا
ولا ننظر إلي ضعفنا الظاهر.. وذلك كما قال إليشع عن تلميذه جيحزي: افتح يارب عيني الغلام ليري أن الذين معنا أكثر من الذين علينا. وأهم شيء معنا هو قوة الله, التي نراها بالإيمان عاملة في الكون. وبهذه القوة ونفرح. ونغني مع الرسول أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني..