فماذا قال الكتاب عن عدم تصديق التلاميذ للقيامة وعن تكرار هذا الشك منهم مما أعثر غيرهم؟
1- يقول الإنجيل المقدس إنه ظهر أولا لمريم المجدلية فذهبت هذه وأخبرت الذين معه وهم ينوحون ويبكونفكيف تلقوا بشارتها بالقيامة؟ يجيب القديس مرقس الإنجيلي قائلا:فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا(مر16:9-11
2- ثم ظهر الرب لتلميذي عمواس فلم يعرفاه وما كانا قد صدقا ما قالته النسوة عن القيامة حتي أن السيد المسيح وبخهما قائلا:أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلي مجده.. ثم ابتدأ من موسي ومن جميع الأنبياء يفسر بهما الأمور المختصة به في جميع الكتب (لو24:25-27).
3- وأخيرا آمن هذان التلميذان فماذا كان وقع إيمانهما علي الرسل؟ يقول القديس مارمرقس:وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين (مر16:13).
نسمع بعد ذلك أن النسوة ذهبن إلي القبرفدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع وظهر لهن ملا كان وبشراهن بالقيامة فذهبن وأخبرن التلاميذ فماذا كان وقع هذه البشارة عليهم؟ يقول القديس لوقا الإنجيلي في ذلكفتراءي كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن (لو24:11).
هؤلاء هم الأحد عشر رسولا أعمدة الكنيسة كثرت أمامهم الشهادات من مريم المجدلية ومن تلميذي عمواس, ومن النسوة فلم يصدقوا كل هؤلاء.
5- فما الذي حدث بعد ذلك: ذهبت مريم المجدلية وأخبرت بطرس ويوحنا عن القبر الفارغ فذهبا معها إلي هناكوأبصرا الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان علي رأسه ليس موضوعا مع الأكفان بل ملفوفا في موضع وحده (يو20:7,6).
هنا يقول الإنجيل عن يوحنا إنهرأي فآمن(يو20:8) ولكننا علي الرغم من هذا نقرأ شيئا عجيبا
6- نقرأ بعد أن عرف الكل إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان (لو24:34) حدث أن الرب نفسه قام في وسطهم وقال لهم سلاما لكم.
فهل آمنوا لما ظهر وكلمهم؟ كلا بل إنهم جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا(لو24:37).
حتي أن الرب وبخهم علي ذلك ثم قال لهم: انظروا يدي ورجلي إني أنا هو.. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي(لو24:39)
حقا أية بدعة كانت تحدث في الإيمان لو أن التلاميذ ظنوا أن ما رأوه كان روحا كأن الجسد لم يقم.. لذلك أراهم الرب يديه ورجليه.
7- إذن المشكلة لم تكن مشكلة توما الرسول فقط, الذي قال له الربأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن(يو20:27).
إنما كانت مشكلة الأحد عشر جميعهم كلهم شكوا.. وكلهم احتاجوا إلي براهين واحتاجوا أن يجسوا ويلمسوا ويروا موضع الجروح لكي يؤمنوا..!
وعالج الرب عمليا مشكلة أن يظنوا ظهوره لهم خيالا أو روحا وفي ذلك قال القديس بطرس السدمنتي:إن السيد المسيح في فترة حياته بالجسد علي الأرض كان يثبت للناس لاهوته أما بعد القيامة فأراد أن يثبت لهم ناسوته!
الرب يثبت ناسوته
لذلك نسمع أنه بعد القيامة سمح من أجل إقناعهم بناسوته أخذ وأكل قدامهم(لو24:43) فعل هذا بينما نحن نعلم أن جسد القيامة هو جسد روحاني نوراني لا يأكل ولايشرب إنما فعل الرب هذا ليقنعهم بناسوته أما جسده بعد الصعود فهو لا علاقة له بهذا الأكل من طعام مادي.
نلاحط في كل هذا أن شكوك التلاميذ قابلها الرب بالإقناع وليس بالتوبيخ أو بالعقاب.
إنهم هم الذين سيأتمنهم علي نشر الإيمان في العالم كله فينبغي أن يكونوا هم أنفسهم مؤمنين إيمانا قويا راسخا يمكن أن يوصلوه إلي الآخرين مقنعا لايقبل الشك .. فأوصلهم الرب إلي هذا الإيمان القوي إن كانوا لم يصلوا إلي الإيمان الذي يؤمن دون أن يري فلا مانع من أن يبدأوا بالإيمان المعتمد علي الحواس مع أنه درجة ضعيفة!
تنازل الرب وقبل منهم هذا الإيمان الحسي لا لكي يثبتوا فيه وإنما ليكونوا مجرد بداءة توصل إلي الإيمان الذي هو الإيقان بأمور لاتري (عب 11:1) وهكذا قال القديس يوحناالذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا (1يو1:1)
وهذا الإيمان الذي اعتمد في بداءته علي الحواس ما لبث أن اشتد وقوي واستطاع أن يقنع الأرض كلها بما رآه وما سمعه لئلا يظن البعض أن الرسل كانوا مخدوعين أو صدقوا أمورا لم تحدث.
وهكذا رأينا القديس بولس يبشر فيما بعد بما رآه وما سمعه وهو في طريق دمشق.
وشرح هذا الموضوع كله للملك أغريباس وشرح له ما رآه قائلا رأيت في نصف النهار في الطريق أيها الملك نورا من السماء أفضل من لمعان الشمس وسمعت صوتا يكلمني (أع26:13-15) وختم ذلك بقوله من ثم أيها الملك أغريباس لم أكن معاندا للرؤية السماوية.
هذا هو السيد المسيح الذي عمل علي تقوية إيمان تلاميذه والذي عالج شك توما وعزي بطرس في حزنه وعزي المجدلية في بكائها وأعاد الإيمان إلي الكنيسة, وكأني أتصور ملاكا واقفا علي قبره قبيل القيامة ينشد قائلا:
قم حطم الشيطان لا تبق لدولته بقية
قم بشر الموتي وقل غفرت لكم تلك الخطية
قم قو إيمان الرعاة ولم أشتات الرعية
واغفر لبطرس ضعفه وامسح دموع المجدلية
واكشف جراحك مقنعا توما فريبته قوية