المرأة ليست لعبة الرجل.. عنوان كتاب صدر للكاتب والمفكر الكبير سلامة موسي (1887-1958م) في خمسينيات القرن العشرين, وهو عبارة عن مجموعة مقالات اختصت بالمرأة المصرية وتطوير نظرة الرجل لها ونظرة المرأة لنفسها, حيث ناقش عددا من الأفكار المهمة وقدم الكثير من الرؤي المستنيرة, التي دارت في مجملها حول الدعوة للمساواة والحرية والتعليم والعمل والاختلاط, وفي المقابل مواجهة الظلم والاستبداد والتقاليد البالية.
في مقدمة الكتاب يتفاءل سلامة موسي لأن عدد الطالبات في يناير 1956م بلغ 5736 طالبة يتعلمن في الجامعات الثلاث (القاهرة وعين شمس والإسكندرية), وأن هذا العدد مضافا إليه نحو عشرين ألف طالبة في المدارس الثانوية سوف يغزو المجتمع المصري بذكاء مدرب, وكرامة مؤيدة, وبعائلات تبني علي أساس من الأمهات المتعلمات. وعندئذ يرقي هذا المجتمع المصري فلا يكون كما هو الآن مجتمعا انفصاليا لا يختلط فيه الرجال بالنساء.
ويؤكد أنه يجب علي المرأة المتعلمة أن تعمل خارج البيت وأن تؤدي خدمة اجتماعية لوطنها, إلي جانب الزواج والأمومة, فإن هذا العمل الاجتماعي يكسبها العقل الاجتماعي ويربي شخصيتها ويدرب ذكاءها ويؤكد استقلالها الاقتصادي والروحي والاجتماعي, فلا تتخصص المرأة للزواج كما لا يتخصص الرجل للزواج لأن حياتنا, نحن الرجال والنساء, أغلي من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص.. إن المرأة العصرية أرحب آفاقا واكثر اهتماما من أن يستغرق المنزل كل حياتها.
وهو يدعو المرأة المصرية إلي أن تثبت وجودها الإنساني والاجتماعي بالعمل والإقدام, وأن تختار حياتها واختباراتها, فلا تكون لعبة يلعب بها الرجال, فالمرأة ليست خادمة الرجل يلعب بها ويلهو وتنجب له الأطفال وتطبخ له الطعام وتغسل له المرحاض, بل هي ثمرة ألف مليون سنة من التطور, ومن ثم كوني إنسانا كما أنت امرأة, ولكن لا تقنعي بأن تكوني أنثي, زاهية الملابس, مصففة الشعر, مجلوة البشرة, تشخشخين بالذهب والألماس.
وهو يمتدح المرأة العاملة المنتجة لأنها اجتماعية تحمل في نفسها جميع الفضائل الاجتماعية, وأولها حرية التفكير وحرية التجربة وحب الخير العام, لذا فإن عليها قبل الزواج أن تتعلم حرفة أو صناعة تكسبها الاستقلال الاقتصادي الذي يتيح لها الاختيار الحسن للزوج, كما يمكنها أن تكون عضوة في هيئة اجتماعية.
وعند كاتبنا أن الشباب المهذب هو الإنسان الإنساني الذي يحترم المرأة, ولذلك يستطيع أن يحبها الحب الشريف المقدس.. أيها الشباب المصري كن متمدنا, وكن عصريا, وكن إنسانيا. تذكر أخت قلبك ولا تصدق من يقولون لك إن المرأة حية لها سم, وأنها لئيمة.
ويري سلامة أن الرق نشأ من الغزو, ذلك أن القبيلة التي كانت تغزو قبيلة أخري, وتتغلب عليها, فإنها كانت تقتل رجالها أو تستعبدهم, ثم تسبي النساء, حيث تخطفهن وتبيعهن, وهو يناقش مسألة تعدد الزوجات, حيث يري أنه لا يمكن لامرأة مصرية أن تعد نفسها مستقلة أو أن تكون لها شخصية مادام سيف التعدد مشهورا علي رأسها, موضحا أن المجتمع المصري -آنذاك- قد اعتاد احتقار المرأة, وأنها لا تتساوي مع الرجل في أي حق اجتماعي أو اقتصادي, ومن ذلك مثلا أنها في المصنع تؤدي عمل الرجل ولكنها لا تنال أجر الرجل.
ويميل كاتبنا إلي الاختلاط بين الرجال والنساء باعتباره ظاهرة صحية, يساعد علي الاستقامة الجنسية وتجنب الشذوذ, فالاختلاط لباب الشرف وصميم الأخلاق الاجتماعية العليا.. فإذا حرمنا إنسانا الاختلاط بالمجتمع, والإنتاج للمجتمع, فإننا بذلك نحرمه الإحساس الاجتماعي بكل ما يحمل هذا الإحساس من مسئولية وفضيلة وشرف وإنسانية, كما أن المرأة لن تكون حكيمة إذا حرمناها معارف الدنيا واختباراتها وغيرها من ألوان النشاط.
ويقارن الكاتب بين المرأة الغربية والمرأة المصرية, حيث تقوم نظرة الغرب للمرأة علي أن تعمل وتنتج وتكسب كالرجل سواء, وأنها يجب ألا تلتزم البيت إلا وقت المرض والولادة, وعليها أن تخرج وتتعب وتعرق وتلهث وتصطدم بالدنيا وتتعلم من كوارثها, فالإنسان ليس كرسيا نقعد عليه فيبلي وإنما هو جسم حي ينمو ويتعلم ويتدرب بالحركة والتفكير والجهد, ولذلك جعلوا نساءهم يعملن ويكسبن, وأشركوهن في الحكم والقضاء والتعليم والسياسة والعلوم والفنون. أما نحن فإننا نحميهن في البيت حتي لا يتلوثن بالمجتمع, مع أن هذا المجتمع هو الذي نختلط به نحن الرجال فيربينا ويكسبنا القيم الاجتماعية التي يسميها بعضنا روحية.
وهو ينتقد كون المرأة تقيم لنفسها حدودا داخلية تمتنع بها عن الكثير من النشاط الاجتماعي, ما يحد من ذكائها, حيث تخاف وتحجم وتتراجع, في حين يقدم الرجل ويجرؤ, ولكن يجب أن تحيا المرأة في المجتمع كما تحيا في البيت, وأن يكون لها نشاط دستوري ومدني واجتماعي وثقافي حتي تتعدد اهتماماتها, وحتي تبقي عضوا متطورا عاملا في ارتقاء الأمة وتطورها, وحتي تتكون شخصيتها وتنضج مثل الرجل سواء.