تقوم المسيحية علي حقيقة قيامة المسيح, ولو أن القيامة باطلة لكانت المسيحية كلها باطلة, لكن المسيح قام بالحقيقة قام..قام كما قال, وأرانا نفسه حيا ببراهين كثيرة, وأضحي قبر المسيح الفارغ مهد الكنيسة, وصار الإيمان بالقيامة هو نسيج وجود الكنيسة علي الأرض, واليوم يري الناس المسيح رأس الكنيسة غير المنظور في الكنيسة جسد المسيح المنظور, وبالرغم أن قيامة المسيح لا تحتاج إلي برهان, فهو الإله الذي له وحده عدم الموت (1تي6:16) وهو الذي لم يكن ممكنا أن يمسك من الموت (أع22:24) فهو رب الحياة وواهب الحياة (يو6:33), لكن ما أكثر البراهين المقنعة والأدلة الواضحة التي تقدمها لنا كلمة الله والتاريخ والمنطق الدالة علي قيامة المسيح من الموت ظافرا منتصرا نذكر منها الآتي:-
1-شهادة التلاميذ:
كانت حياة التلاميذ مشهودا لها من الجميع, فلقد اتسمت بالأخلاق والمصداقية, ولم يتهمهم أحد من أعدائهم بالكذب أو الخداع, ولذلك نحن نصدق شهادتهم, وقد رسمت ريشة الوحي المقدس التلاميذ بعد الصليب وهم في قمة الخوف والهلع, وتركوا السيد وهربوا, وأصبحوا في حالة يرثي لها, فلقد شعروا بالإحباط والفشل, فقائدهم ومعلمهم الذي وضعوا فيه كل آمالهم قد صلب, وبذلك انهارت كل أحلامهم, وتحطمت كل أمنياتهم, واجتمعوا في العلية والأبواب مغلقة, ولم يكن يخطر ببالهم قيامة المسيح.
ولكن عندما قام المسيح غير حياتهم, وبدل خوفهم إلي سلام, وجبنهم إلي شجاعة, وحزنهم إلي فرح عميق, وإنكارهم وهروبهم إلي قوة وشهادة.
**كان التلاميذ مجموعة قليلة ضعيفة لم يستطيعوا أن يمنعوا صلب المسيح, ولو لم يكن المسيح قد قام, ما أمكن للتلاميذ أن يجاهروا بالقيامة, وما كانوا خاطروا بأنفسهم وخرجوا للكرازة بالقيامة, وقدموا حياتهم للموت والعذاب في سبيل إيمانهم, وهذا دليل قوي جدا علي صدقهم وصحة ما ينادون به, فهل من المنطق أن يبذل الإنسان حياته من أجل أكاذيب لا يؤمن بها أو خرافات, أو اختراعات مختلقة.
**لقد نادي التلاميذ بقيامة المسيح في مدينة أورشليم التي عرف أهلها كل شيء عنه, وأمام رؤساء الكهنة الذين شاهدوا بأنفسهم موته علي الصليب, ودفنه في القبر, وذلك دون أن يعترض أحد من هؤلاء علي انتشار الخبر (أع2: 22-41, 3: 13-26, 4: 1-21).
**إن التلاميذ لم يكونوا من الأغنياء والأقوياء الذين لهم نفوذ وسلطان وبالتالي إذا ادعوا بغير الحقيقة لا يجدون أية معارضة من الناس, ولكن التلاميذ كانوا فقراء لا نفوذ لهم, وكان اليهود أعداؤهم أقوياء, ولهم صولجان وسلطان, وبالرغم من هذا لم يستطيعوا إسكات التلاميذ أو القضاء علي شهادتهم, وفي هذا دليل قاطع أن قيامة المسيح حقيقة لاشك فيها.
**لو فرضنا أن التلاميذ كانت لهم مكاسب معينة من وراء المناداة بقيامة المسيح, كنا نشك في صدق شهادتهم, لكن الدارس للتاريخ يعرف أن اليونانيين كانوا يستهزئون بهم (أع17: 18, 32), وكهنة اليهود كانوا يقبضون عليهم ويعذبونهم بكل أشكال وألوان التعذيب (أع4:1-3, 5: 17, 18), وبما أنه ليس من المنطق أن يختلق التلاميذ موضوع القيامة الذي لا نصيب له من الصحة, ويتحملون الآلام المبرحة في سبيلها, من هنا ندرك أن القيامة حقيقة لا تقبل الشك.
2-القبر الفارغ:
نعم ! إن القبر الفارغ هو أحد الأدلة القوية علي قيامة المسيح, هو شهادة صامتة أبلغ من كل كلام علي القيامة.
وكم من سهام صوبها النقاد تجاه القبر الفارغ لكنها تحطمت داخله, وذلك لأن المعني الوحيد للقبر الفارغ هو قيامة المسيح من الأموات ولا يوجد تفسير آخر لهذه الظاهرة غير ذلك وهل يمكن أن يقبل اليهود إعلان التلاميذ عن قيامة المسيح دون مقاومة لولا القبر الفارغ؟ وهل كان من السهل علي التلاميذ إعلان حقيقة القيامة في أورشليم لو لم يكن القبر قد خلا حقا من جسد المسيح؟!
وأمام هذه الحقيقة المفزعة لليهود حاول قادة اليهود أن يقدموا رشوة للحراس ليقولوا إن تلاميذ المسيح سرقوا جسده وهم نيام (مت28:11- 15) وهذا أيضا دليل قوي علي أن القبر كان فارغا, ومن ناحية أخري فإن ادعاء سرقة جسد المسيح هو ادعاء كاذب وباطل فالحراس لم يروا التلاميذ يسرقون الجسد وإلا لقبضوا عليهم, وإذا كان الادعاء أن السرقة تمت وهم نيام فليس لديهم ما يثبت ذلك لأن شهادة النائم كشهادة الغائب لا يعتد بها, وهل من المعقول أن كل الحراس ناموا في وقت واحد؟!, وكيف لم يستيقظ الحراس عندما كسرت الأختام, تحرك الحجر من علي باب القبر ألم يحدث صوتا أو ضجة توقظ ولو واحدا من الحراس؟!!
نعم ! إن القبر الفارغ هو المهد الذي ولدت فيه الكنيسة لأنه أكبر دليل علي قيامة رب الكنيسة من بين الأموات.
والجدير بالذكر أن الحجر الذي كان موضوعا علي قبر المسيح كان حجرا ضخما وثقيلا, وهذه الحقيقة يؤيدها صراحة أو تلميحا كل الكتاب الذين أشاروا إليه فيقول البشير متي حجرا كبيرا (مت27:60), ويقول البشير مرقس عن الحجر إنهكان عظيما جدا…النسوة كن في حيرة وهن في طريقهن إلي القبر وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر (مر16: 3و4).
ولكن هل يقف الحجر حائلا أمام صخر الدهور, وهل يعقل أن يمنع الحراس الشمس من الشروق فمكتوبوإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه(مت2: 28). إن هذا الحجر الذي أرادوه حجر عثرة في طريق الحق, فإذا برب الحق يجعله حجر زاوية في البناء المسيحي, وهذا الحجر الذي ظنوه سدا حائلا منيعا, جعله الفادي برجا راسخا شامخا عظيما يعلن للملأ عن قيامة رب السماء.
ذهب رؤساء الكهنة والفريسيون إلي بيلاطس وقالوا له يا سيد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم فمر بضبط القبر إلي اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي, فقال لهم بيلاطس عندكم حراس, اذهبوا واضبطوه كما تعلمون فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر (مت27:62- 66).
ولقد تم ختم القبر بحضور الجند الروماني, وما كان ممكنا فتح باب القبر لا إذا كسر الختم, وبالطبع هذه جريمة ضد الدولة الرومانية, ومن كان لدية الاستعداد لكسر الختم ويعرض حياته للخطر, ولكن الختم كسر, والحجر دحرج, وكان علي الجنود أن يسرعوا لقياداتهم ليخبروهم بما تم, فلقد كان الكل يخافون كسر الختم الروماني خوفا علي حياتهم.
والسؤال, هل من المنطق أن تقف الأختام الرومانية أمام الأوامر السماوية؟! لقد قام المسيح ظافرا منتصرا رغما عن وجود الأختام علي الحجر الضخم علي باب القبر.
3-صمت الأعداء:
براهين القيامة القوية جعلت الأعداء يصمتون, فلم ينف الأعداء قيامة المسيح بل ظلوا صامتين دون أي برهان منهم علي عدم صحة القيامة, ويسجل لنا سفر الأعمال عظة بطرس في يوم الخمسين (أع ص2), والتي كان موضوعها عن القيامة, لكن أحدا من اليهود لم يقاوم بطرس, ولم يعترض علي ما أعلنه عن قيامة المسيح, ولم يقدم أي واحد من السامعين دليلا ضد القيامة, لأن برهان القيامة كان واضحا وضوح الشمس.
نعم ! إن صمت اليهود كان أبلغ من كل كلام المسيحيين علي صدق القيامة.
4-ميلاد الكنيسة :
لقد تأسست الكنيسة المسيحية علي أساس تجسد وموت وقيامة وصعود المسيح (أع20: 22-41, أع4:5- 32).وهل من المنطق أن تقوم وتؤسس الكنيسة ما لم يكن المسيح قد مات وقام, فبدون هذه العقيدة الأساسية سيكون إيماننا باطلا وكرازتنا باطلة, وهل يمكن أن نقبل أعمال الله بدون صليب وموت وقيامة؟! فإيماني لو أن المسيح جاء إلي أرضنا وعاش بدلا من الثلاثة والثلاثين سنة ثلاثة وثلاثين قرنا من الزمان يشفي مرضانا, ويفتح عيون عميانا, ويقيم موتانا, ويجول يصنع خيرا هنا وهناك دون أن يصعد إلي هضبة الجلجثة ويموت علي الصليب ثم يقوم ظافرا منتصرا فما كان مجيئه وتجسده ذات فائدة أو نفع لحياتنا ومستقبلنا الأبدي, وهل من المنطق أن تتحمل الكنيسة كل ألوان وأشكال الاضطهادات العنيفة والمريرة التي عانتها علي مر الأجيال والعصور ما لم يكن إيمانها بموت وقيامة المسيح حقيقة لا شك فيها علي الإطلاق؟
5-يوم القيامة أصبح يوم العبادة:
لقد كان اليهود يقدسون يوم السبت حسب نص الوصيةوكلم الرب موسي قائلا: وأنت تكلم إسرائيل قائلا سبوتي تحفظونها.فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم من دنسه يقتل قتلا, إن كل من صنع فيه عملا تقطع تلك النفس من بين شعبها, ستة أيام يصنع عمل وأما اليوم السابع ففيه سبت عطلة مقدس للرب كل من صنع عملا في يوم السبت يقتل قتلا (حز31: 12-15).فإذا عرفنا أن الرسل كانوا يهودا لعرفنا مقدار الجهد الذي بذلوه لتغيير يوم العبادة بالنسبة لهم, وكيف نجد تفسيرا لتغيير السبت بيوم الأحد إلا بالقيامة, لقد كان التلاميذ يهودا متمسكين بالسبت, ولا يمكن تغيير هذا التمسك العقائدي والاجتماعي إلا بسبب أقوي وهو القيامة.
ولو لم يكن المسيح قد قام حقا وفعلا ما استطاع التلاميذ وكلهم من اليهود أن يبدلوا سبتهم المقدس ويحتفلوا بالأحد المسيحي.
نعم ! إن يوم الأحد من كل أسبوع شهادة دائمة ومستمرة لقيامة المسيح من بين الأموات ظافرا منتصرا.
عبرة في عبارة
المسيح قام…حقيقة لاتحتاج إلي برهان
فكيف لايقوم خالق الأكوان ؟!
وكيف لايقوم واهب الحياة للأنام؟!
وكيف لا يقوم من أمر الموتي بالقيام ؟!
لذا كيف لا نشدو مدي الأيام
بأحلي الأنغام المسيح قام…حقا قام.