القيامة باعثة الكرازة
لم تكن قيامة السيد المسيح له المجد مجرد حدث وانتهي لكنها قوة سارية من القيامة عبر الأجيال وإلي منتهي الدهور, فالقيامة هي أمر مستحيل علي إدراك عقول بني البشر.. ولما حدثت القيامة أصبح المستحيل ممكنا.. وأصبح الضعف قوة.. وأصبح الخوف جراءة.. وأصبح السر مجاهرة بقوة القيامة.. وتحولت أحوال البشر الأموات والأحياء.
وتحول الأموات من اليأس.. إلي الرجاء.. ومن الظلام إلي النور.. ومن الجحيم إلي الفردوس.. ومن الأحزان الدهرية.. إلي الراحة الأبدية.. ومن عذاب الجحيم.. إلي النعيم الدائم. قام السيد المسيح له المجد بقوة لاهوته فصارت حياة بعد الموت, ووهب الحياة للذين يجاهدون من أجلها.
والأموات الذين رقدوا علي رجاء القيامة وصاروا في الجحيم ففي القيامة أعلن نورها وبشرهم بالراحة الأبدية وسباهم من الجحيم وصعد بهم إلي الفردوس وأعطاهم عطايا روحية.
والأحياء وهبت لهم القيامة المقدسة أفراحا روحية فتبددت أحزان التلاميذ.. وانطلقت نفوسهم بالرجاء والفرح الدائم فسرت أفراح القيامة سريانا داخليا تتمتع به النفس وتشبع منه, دون أن تستطيع التعبير عنه بكلمات أو تصرفات معينة.. وتذكروا كلام السيد المسيح له المجد حينما قال لهم..
في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16:33).. وأيضا أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلي فرح (يو16:20).. ولكنني سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم, لا ينزع أحد فرحكم منكم (يو16:23).
ففرح التلاميذ حينما رأوا الرب في إنجيل معلمنا يوحنا (20:20) يقول: دخل الرب إلي العلية والأبواب مغلقة وقال لهم: سلام لكم.
ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب ومجدوا الله وتهللت نفوسهم بالرغم أن هناك متاعب وضيقات ومصاعب الكرازة والاضطهادات المتوقعة من اليهود.
القيامة واهبة قوة الكرازة
حينما صلب رب المجد ترك في أنفس التلاميذ قلوبا محطمة.. تحطمت خواطرهم.. وضاعت آمالهم وفقدوا الأمل.. وسرت في داخلهم مخاوف واضطرابات, ففي إنجيل معلمنا لوقا (23:31):
لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا, فماذا يكون باليابس.
قام اليهود وسلموا رب المجد للرومان ليجلد ويصلب.. واستهزأوا به.. وحرسوا قبره وخافوه.. وإذ كانوا فعلوا بالسيد المسيح هكذا, فماذا يفعل اليهود بالتلاميذ الأطهار.. حاملين بشارة القيامة.. فاضطهدوهم ونكلوا بهم وقتلوهم, ولكن في القيامة تلامس التلاميذ مع آلام الصليب وأدركوا أن مفهوم القيامة هي كمال محبة الله.. ومن المحبة انبعثت قوة الكرازة وبعثت لهم أمور روحية خفية تهيئ قلوبهم ونفوسهم بالكرازة, فالقيامة وهبت لهم التغيير.
تغير التلاميذ تغير عجيب.. من ضعف.. وخوف.. وخذلان.. وانكسار.. إلي قوة ظهور.. ومجاهرة في اليهودية وفي كل المسكونة بكرازة السيد المسيح له المجد غير مهتمين بما يفعله اليهود بهم.
فبقوة القيامة انتشرت الكرازة.. ونجحت الرسالة إذ كان التلاميذ رأوا ضعف الصليب بقبول السيد المسيح بإرادته رضي أن يعلق علي الصليب.. وكانت ظنونهم عكس ذلك أن القوة المدركة لرب المجد حينما أتي الجنود وقادة اليهود ليقبضوا عليه في بستان جثسيماني بأورشليم.
فقال لهم السيد: من تطلبون.. أجابوا: يسوع الناصري, فقال لهم: أنا هو.. فرجعوا إلي الوراء وسقطوا علي الأرض.
فنظر التلاميذ لهذه القوة المرهوبة تسلم للصلب فحينما نظروا الأمر هربوا واختبأوا.. فالقيامة بعثت الكنيسة من جديد وتحقق الجميع من نتائجها, ولبسوا التلاميذ القوة ليصيروا أفواها للكرازة وصاروا ساعين للحق لأجل العالم الجديد فانكسر خبر الموت بكرازة القائم من الأموات.
كما جاء في رسالة معلمنا بولس الرسول إلي أهل كورنثوس (15:55):
أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟
وتحققت الإرسالية بإرسال الله التلاميذ عبر الزمان ليكرزوا بحياة التوبة ليهيئوا للملكوت القلوب المؤمنة بالدينونة فتعيش الأجيال الفضيلة.. وتتزين بالأعمال الصالحة, ويرتقي الإنسان بمحبة أخيه الإنسان, ويقدم ما يمكن تقديمه من أعمال الرحمة وأعمال الخير, لينعم بحسن الجزاء, كما قال السيد في سفر الرؤيا:
ها أنا آتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد حسب أعماله إن كانت خيرا وإن كانت شرا (رؤ22:12).
أيها الأبناء المباركون..
القيامة وهبت لنا الحياة الأبدية ووهبتنا الحرية من بعد العبودية.. وأضاءت لنا طرق الفضيلة بنورها.. وأعطتنا الرجاء فيه.. بسلوكنا وتمسكنا بآدابنا المسيحية, فنعلن للجميع أن القيامة جلبت علينا التغيير إلي حياة أفضل, سالكين في حياة القداسة والطهارة, معلنين للجميع نور تعاليم القائم من الأموات, هذا الذي غير مسار حياتنا إلي أعمال تليق بأبناء القيامة, سالكين بالاستقامة, معلنين المحبة للجميع.