منذ مطلع شهر يناير من العام الحالي 2024م بدأت مجلة الكرازة, وهي الصوت الرسمي المعبر عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, في نشر باب جديد عنوانه حدث من 100 عام, يعده الصديق العزيز والباحث الجاد رامي جمال صموئيل, وهو باحث في التاريخ ويشغل موقع أمين مكتبة سان مارك للاطلاع بمصر الجديدة التي أسسها الأب الحبيب القمص مرقس كمال (1951-2020) كاهن كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة, وهي مكتبة متخصصة في المؤلفات والدراسات التاريخية, حيث تحتوي مئات المؤلفات والجرائد والمجلات, الأمر الذي يفيد القراء والباحثين المهتمين بالتاريخ بفروعه المختلفة.
يتضمن الباب الجديد, الذي تنشره مجلة الكرازة ويعده رامي جمال, مدعوما ببعض الصور النادرة, ما حدث منذ مائة عام, وبالتحديد في عام 1924م, عبر الاستعانة بالصحف التي صدرت في مصر عام 1924م مثل (الأهرام- الوطن- مصر- الهلال- المصور- الوطنية- الكرمة- النهضة الإكليركية وغيرها من صحف), بالإضافة إلي عدد من الكتب والدراسات التي تناولت تلك الفترة من تاريخ مصر الحديث, حيث تضمنت الأخبار التي احتواها الباب بناء كنائس في مختلف نواحي مصر, وتأسيس جمعيات أهلية قبطية بواسطة مواطنين مخلصين للكنيسة والوطن إذ آمنوا بدورهم في خدمة المجتمع وتحديثه, من خلال ما تقوم به تلك الجمعيات والمؤسسات من أنشطة اجتماعية وفعاليات ثقافية, بالإضافة إلي عنايتها بأعمال الخير والبر والإحسان, وافتتاح مدارس لكل المصريين وما تقوم به من أنشطة ومسابقات علمية وثقافية وأدبية وفنية ورياضية وما تنظمه من حفلات سنوية, وإنشاء مستشفيات لعلاج المرضي غير القادرين, وتأسيس ملاجئ للأولاد وأخري للبنات تضم الأطفال الذين بلا مأوي, وصدور صحف جديدة آنذاك, تنوعت ما بين صحف سياسية وأخري اجتماعية وثقافية ودينية, في القاهرة وغيرها من محافظات مصر, وزيارات مهمة لأحبار الكنيسة القبطية, ورحيل شخصيات عامة, كانت مؤثرة وفاعلة في زمنها, وعلاقات تعاون ومحبة جمعت بين المواطنين المسيحيين والمواطنين المسلمين من أبناء الوطن مصر, وأخبار كنيستنا القبطية في القدس- فلسطين, وموضوع دير السلطان, ومشاركة المواطنين الأقباط في المجال العام, السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وغيرها من أخبار وقضايا وموضوعات.
علي هذا النحو فإن هذا الباب يمثل جهدا كبيرا ومتميزا, وهو بمثابة دليل مهم أمام الباحثين والقراء لأبرز الأحداث والأفكار التي شهدتها الكنيسة والوطن منذ مائة عام. هذه الأحداث وغيرها من آراء وأفكار بمثابة علامات مضيئة ومحطات مهمة ومواقف كاشفة أمام قراء اليوم, لعلنا نستفيد منها ونتعلم, فنري ماذا صنع الأجداد, وماذا فعل الآباء, حتي يتعلم الأبناء منهم ويواصلون مسيرتهم ويقتدون بهم, ونحن نعيش اليوم/ الحاضر ونتطلع للغد/ المستقبل, ففي تقديري أن هناك أهمية كبيرة لاسترداد حوادث الماضي, وعودة الحياة لها مرة أخري, وقراءة ما فات قراءة واعية ومتأنية, من حيث الاستفادة من الدورس التي حملتها مواقف الماضي, وما تحمله من حكم ومواعظ وخبرات وعبرات, وتحقيق التواصل بين الأجيال, وتنمية الانتماء للوطن عند الشباب, والاستفادة من تاريخ الشخصيات الراحلة, والمساهمة في علاج بعض المشكلات والأزمات الحالية والمعاصرة.
ومن المقولات المأثورة هنا أن التاريخ ذاكرة الأمة وأمة بلا ذاكرة هي أمة بلا حاضر وربما بلا مستقبل, وأن من حوي التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلي عمره, وأن قراءة التاريخ واجب من الواجبات الدينية المقدسة.
يتبقي أن أذكر أن مجلة الكرازة, وهي مجلة نصف شهرية إذ تصدر حاليا كل أسبوعين, كان قد أصدرها قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث في يناير 1965م حين كان أسقفا للتعليم والمعاهد الدينية, لتكون لسان حال الكلية الإكليريكية, ولما جلس علي الكرسي البابوي في عام 1971م فإنه واصل إصدارها لتكون لسان حال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, حيث يواصل مسيرتها حاليا قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني, متعه الله بالصحة والعافية ودوام العطاء, وقد أشرف عليها نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها طيلة عشر سنوات من عام 2012م إلي عام 2022م, ومع مطلع يناير 2023م صار يشرف عليها نيافة الحبر الجليل الأنبا ماركوس أسقف دمياط وكفر الشيخ والبراري ورئيس دير القديسة دميانة ببراري بلقاس, يعاونه فريق عمل من الصحفيين والكتاب والمصممين, حيث يكتب فيها عدد من الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة إلي جانب عدد من الكتاب والباحثين في مجالات كثيرة ومتنوعة, ويضم فريق العمل من الآباء الكهنة القمص جرجس حبيب والقس مينا فوكيه, ومن فريق التحرير أيضا الصديق الحبيب نادر شكري والصديق العزيز د.ملاك بشري حنا, ومن التصميم الفني الأستاذ أيمن تيموثاؤس والأستاذ فادي فؤاد, هؤلاء وغيرهم يخدمون بإخلاص وأمانة لنشر الكلمة وتقديم رسالة الحياة.