لم تكن ثورة 30 يونيو 2013م, والتي احتفلنا منذ أيام قليلة بمرور عشر سنوات علي اندلاعها, مجرد ثورة شعبية قام بها المصريون ضد النظام الحاكم, ونقصد علي وجه التحديد جماعة الإخوان المسلمين التي أرادت الانحراف بسيرة الوطن ومسيرته والعمل علي تغيير هويته التي ترسخت عبر آلاف السنين, جماعة أرادت أخونة وطن بأكمله, ومارست السياسة علي أرضية دينية, ما يبعدنا كثيرا عن مفهوم الدولة المدنية الحديثة, التي تفصل الدين عن السياسة دون أن تفصله عن المجتمع وحياة الناس فيه, لأن الدين مقدس أما السياسة فهي متغيرة.
في تقديري أن ثورة 30 يونيو في جانب أساسي من جوانبها, وفي بعد رئيس من أبعادها, كانت التفافا حقيقيا وتجمعا صادقا حول الوطن مصر, من حيث استيعاب ماضيه والتفكير في حاضره والتطلع إلي مستقبله, فالتاريخ ماضي وحاضر ومستقبل, ولا يمكن تجاهل أو إنكار أيا من هذه الأبعاد. ومن هنا كانت ثورة الشعب المصري, حيث شارك فيها نحو ثلاثين مليونا من المواطنين, تواجدوا في كثير من الشوارع الرئيسة والميادين الكبيرة, في القاهرة والأقاليم, من الشباب والشيوخ, رجالا وسيدات, وقد جاءت الثورة تعبيرا عن رغبة حقيقية في تصحيح المسار وإعادة توجيه البوصلة من خلال العودة بمصر واستردادها مرة ثانية وطنا محبا للجميع, يحتضن الكل ويستوعب الكل, وطنا لا يستبعد أحدا ولا يقصي أيا من مكوناته, وطنا يؤمن بأن الجميع مدعو للوحدة والتكاتف والتماسك والعمل والاشتراك والتعاون والتعاضد من أجل تحقيق الصالح العام وإنجاز الخير العام.
كانت جماعة الإخوان المسلمين قد تأسست في نهاية العشرينيات من القرن العشرين كجماعة دينية, إلا أنها اهتمت بالسياسة ومارست العنف لاحقا, وقد أصبحت جماعة محظورة منذ الخمسينيات, بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م, لكنها ما لبثت أن تحولت إلي جماعة محظوظة بعد قيام ثورة 25 يناير 2011م, التي استهدفت نيل الحرية وتحقيق الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, لكن تيارات بعينها أخذتها بعيدا عن مسارها, هي علي وجه التحديد الجماعات الدينية المتطرفة, ولما وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلي الحكم وتربعت لمدة عام, فإنها اصطدمت بكثير من مكونات الجماعة الوطنية المصرية, من خلال تصريحات غير مسئولة وممارسات تبعد عن سياسات الدول الحديثة, حيث اصطدمت بالمواطنين الأقباط والمرأة والفنانين والصحفيين والإعلاميين ورجال الجيش والشرطة والقضاء وغيرهم.
ولعلنا لا ننسي حالة التشفي والكيد والتكبر والتعالي التي مارسها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدوهم, حيث استخدموا خطابا سياسيا لا يلائم تطورات العصر, ولا يليق بمصر القرن الحادي والعشرين, خطابا يفرق ولا يجمع, وقد استخدموا خطابا لا يحترم التنوع ولا يؤمن بالتعددية, علي الرغم من أن سمة التعددية والتنوع واحدة من أبرز السمات التي يتميز بها المجتمع المصري منذ مئات السنين, حيث يعيش المصريون في إطار من الوحدة الحاضنة للتنوع, وكان من الملاحظ أن هذا الخطاب قد أخذ يزداد ويمتد ويتعالي يوما بعد آخر وفي أكثر من موقع, فمن كان يصدق عودة أفكار وأحاديث عن فرض الجزية علي المواطنين الأقباط في مقابل عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية؟! ومن كان يتخيل تزايد الدعوة لحصر دور المرأة المصرية في أدوار تقليدية والمطالبة بعودتها إلي المنزل؟! فضلا عن مهاجمة الفن والفنانين, وبروز معاملات غير لائقة للصحفيين والإعلاميين وغيرهم!! ما أساء للدولة المصرية ومواطنيها سواء في الداخل أو في الخارج.
من هنا كان لابد للمصريين من أن يقوموا, وكان لابد لهم من أن ينهضوا ويتمردوا ويثوروا, فكانت ثورة 30 يونيو, وكان فجر يوم جديد, وكان التطلع نحو بناء جمهورية جديدة, أراد المواطنون المصريون أن تقوم علي دعائم المواطنة والحرية والقانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوعي القومي والحوار الوطني, وغيرها من قيم الدولة المدنية الحديثة التي تواكب العصر, تسايره ولا تتخلف عنه, فكانت ثورة المصريين في 30 يونيو رسالة للجميع بأن مصر دولة عظيمة وحرة وأبية, صاحبة حضارة عريقة وصانعة مجد تليد, وأنها لن تتخلي يوما عن مجدها, بفضل يقظة ووعي جميع مواطنيها.
نعم, ما تزال هناك تحديات كثيرة ومشكلات كبيرة يواجهها المصريون أملا في تحسين الحاضر وبناء مستقبل أفضل, ومن ذلك مثلا مشكلات الفقر والمرض والجهل والأمية, وقضية الزيادة السكانية, ومشكلة الغلاء وارتفاع الأسعار, والهجرة غير الشرعية, وهجرة العقول الواعدة, بالإضافة إلي مشكلة التطرف والتشدد وأحداث العنف والإرهاب, وهي بالطبع تحديات ومشكلات من شأنها تعطيل كل خطوة تستهدف التنمية والإصلاح. ولكن تبقي مصر هبة المصريين وصنيعة أبنائها, ويبقي الأمل دائما مع كل صباح جديد, نؤمن فيه بقيم الإنتاج والعمل والمواطنة والحوار.. من أجل حاضر أفضل ومستقبل مشرق, لنا ولأولادنا من بعدنا.