منذ أيام قليلة زرت الإذاعي الكبير والإعلامي الرائد الأستاذ فايز فرح, متعه الله بالصحة والعافية, كانت الزيارة في بيته, بل كانت في الحقيقة في صومعته الممتلئة بالكتب في كثير من مجالات الثقافة وشتي ضروب المعرفة, وهي زيارة تعودت القيام بها بين الحين والآخر, ربما منذ المرحلة الجامعية, لأتزود من علمه وثقافته, نتناقش ونتحاور حول الحالة الثقافية والإعلامية, من حيث الإصدارات الجديدة واهتمامات الشباب.
كنت قد تعرفت إليه في قاعات أسقفية الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية, في الندوات التي كانت تنظمها مجموعة المشاركة الوطنية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية, وأتذكر أنه في إحدي هذه اللقاءات أهدانا كتابه شخصيات مصرية وأفكار عصرية الذي يضم سيرة مجموعة من رواد التنوير والفكر المستنير, فكان هذا الكتاب بداية الصداقة, بل ربما بداية التلمذة, وفي كل لقاء كان يهديني واحدا أو أكثر من مؤلفاته, فأزداد علما ومعرفة وثقافة.
منذ تلك الفترة, حيث المرحلة الجامعية خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين, بدأت القراءة للأستاذ فايز فرح, لأتعرف من خلال مؤلفاته علي عدد كبير من رواد الثقافة والتنوير, من مصر والعالم, فقد فتح أمام عيني واحدة من بوابات المعرفة وبوابات البحث, حيث مجال التراجم والسير الذاتية, والتعرف علي دور الشخص/ الفرد في كتابة التاريخ وصناعة التغيير.
وهو دائما ما يوصي الشباب بالتفكير خارج الصندوق, والمواظبة علي قراءة الكتب ومطالعة الصحف, وقد أوصاني بالقراءة كثيرا, خاصة في مجال الفلسفة, وذكر لي أنه كان قد درس التاريخ في كلية الآداب جامعة القاهرة, لكنه كان عاشقا للفلسفة التي فتحت له آفاقا واسعة من التحليل العميق ورؤية الأمور بعقل راجح.
يتمتع الأستاذ فايز فرح بروح المحبة والود والبساطة والتواضع, بالإضافة إلي تشجيع الآخرين وتحفيزهم باستمرار, وأتذكر هنا أنه بكل أبوة وتواضع ومحبة اصطحبني إلي دار المعارف منذ عدة سنوات, حين رغبت في نشر كتابي العبور إلي الآخر, الذي صدر بالفعل في سلسلة اقرأ فبراير 2019م, وأذكر أنه واستمرارا في التشجيع كتب مقالا عن كتابي في جريدة وطني تحت عنوان رامي عطا يعبر بنا إلي الآخر, وأذكر أنه قدم لي كتابا عن سلامة موسي وكتابا آخر عن المهاتما غاندي.
هو عاشق لأدب الرحلات, والكتابة عن رحلاته وسفرياته حول العالم, بأسلوب مشوق وجذاب, حيث يأخذك في جولة سياحية ممتعة, تجعلك تنتقل لتلك المواقع. وهو أيضا عاشق للمرأة, يكتب عنها بود شديد, ويتحدث عنها باحترام كبير, في مقالاته ومؤلفاته والندوات التي يشارك فيها, حيث يؤمن قولا وعملا بأن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة, مثلما علي الرجل أن يساند المرأة ويدعمها ويساعدها علي تحقيق ذاتها, وإفادة المجتمع كعضو فاعل ونشيط. وهنا تحية من القلب للسيدة الفاضلة زوجته, هي الكاتبة الصحفية الكبيرة الأستاذة مني الملاخ, التي شغلت منصب نائب رئيس تحرير مجلة (المصور) التي تصدر عن مؤسسة دار الهلال, وهي بالمناسبة من أسرة صحفية وإعلامية كبيرة, فهي ابنة شقيق الأستاذ كمال الملاخ, الأثري المعروف والصحفي الكبير والناقد الفني ذائع الصيت, وأختيها بالأهرام نادية الملاخ وأليس الملاخ, وشقيقهم الدكتور يوسف الملاخ أستاذ المونتاج الشهير.
في الإذاعة, وبالتحديد إذاعة الشباب والرياضة, استضاف الأستاذ فايز فرح كثيرين من رموز المجتمع, في الدين والسياسة والثقافة والفكر والفن والأدب, وأقام مسابقة عن الإنجيل في نحو عام 1969م, باركها قداسة البابا كيرلس السادس, ونيافة الأنبا شنودة أسقف التعليم والتربية الكنسية في ذلك الوقت, وكان يقدم هدايا قيمة للفائزين. ولسنوات طويلة كان يذيع قداس عيد الميلاد المجيد وعيد القيامة المجيد للإذاعة والتليفزيون, حتي إن قداس العيد ارتبط عند كثيرين بصوت الأستاذ فايز فرح.
شغل منصب نائب رئيس الإذاعة المصرية ووكيل وزارة الإعلام, وهو عضو نقابة الصحفيين وعضو اتحاد الكتاب, وجمعيات ثقافية كثيرة, لكن أعظم منصب شغله ومازال يشغله هو كونه صحفيا وإعلاميا, يطل علينا بمقالاته الرشيقة والممتعة والمفيدة, في صحف وطني والأهرام والأخبار. ولأنه يؤمن بضرورة نشر الثقافة والمعرفة فقد أسس صالون فايز فرح الثقافي, وكان يعقده شهريا في جمعية الشبان المسيحية بشارع الجمهورية في وسط البلد, وكان لي شرف المشاركة في بعض فعالياته وأنشطته.
في مقالاته ومؤلفاته اهتم بسير العظماء ورواد التنوير, وقادة الفكر والفلسفة والأدب والفن, وله هنا عشرات المؤلفات, أذكر منها: عباقرة رحلوا زهورا, عظماء قهروا اليأس, أحاديث في الأتوبيس, تأملات مصرية ساخرة, عباقرة وعشاق, العمل مفتاح النجاح, فكر سلامة موسي وكفاحه, رحلات وحكايات, عش عاشقا تحيا مرتين, أربعون كتابا في كتاب, يا عزيزي كلنا فلاسفة, عباقرة في الذاكرة, المرأة أيقونة الإنسانية, طفولة العباقرة.
إنني أطلب من الله سبحانه وتعالي أن يمد في عمره وأن يمتعه بالصحة والعافية, وأطلب من زملائه وتلاميذه وكل محبيه الدعوة له حتي يتماثل للشفاء, ليستمر عطاؤه, ويستمر نبض قلمه الذي يبدع لنا دررا وجواهر فكرية وثقافية وأدبية.
Ramyatta610@yahoocom