جميل أن الله يفتخر بأولاده ويمتدحهم, ويتحدي الشيطان بهم.
إن كان الشيطان قد أسقط كثيرين, فإن أيوب ليس مثلهم لأنه ليس مثله في الأرض. إنه نوعية أخري.
رجل كامل ومستقيم. فهل رأيت أيها الشيطان هذه التحفة الجميلة التي اسمها أيوب؟ هل جربت حيلك معه؟ هل قدرت عليه؟ هل صعدت إلي مستوي محاربته؟
وقطعا كان الشيطان قد مر عليه وفشل… ولكنه لكي يخفي خجله من فشله, حاول أن يبرر ذلك بقوله هل مجانا يتقي أيوب الله؟ (أي 1:9).
أليس أنك سيجت حوله وحول بيته من كل ناحية. باركت أعمال يديه, فانتشرت مواشيه في الأرض. ولكن أبسط يدك الآن ومس كل ماله, فإنه في وجهك يجدف عليك (أي 1:11,10).
وكان الشيطان يكذب في هذا الادعاء. فقد كان آدم معه أكثر مما كان مع أيوب من الغني وسقط. إذن بركة الغني ليست هي التي تحفظ من السقوط. كما لم تحفظ سليمان بعد ذلك بزمن طويل (جا 2).
كان الله واثقا من أيوب وقوة احتماله, فسمح للشيطان أن يجربه وقال للشيطان هوذا كل ماله في يدك. ولكن إليه لا تمد يدك.. إنما سماح بشرط, له حدود.. وخرج الشيطان ليعمل في غير رحمة. يضرب بعنف.. لا ضربة واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثا, وإنما بتخريب شامل!! ضربات حاسد حقود. وظلت الأخبار تتوالي علي أيوب قاسية مريرة.لم يمت له ابن واحد, بل كل الأبناء وكل البنات. مرة واحدة!.. ريح شديد (آثارها الشيطان).. وصدمت زوايا البيت الأربع, فسقط علي الغلمان وماتوا (أي 1:19). وكل أملاك أيوب ضاعت أيضا… البقر والآتن سقط عليها السبئيون وأخذوها, وضربوا الغلمان بحد السيف. والجمال أخذها الكلدانيون, وضربوا الغلمان بحد السيف. والغنم والرعاة, نزلت نار من السماء وأحرقت الكل (أي 1:14ـ 19). واستطاع الشيطان ـ لما أخذ أذنا ـ أن يفعل كل ذلك.
ياللهول. حقا إن الشيطان ـ وإن كان قد فقد نقاوته ـ إلا لم يفقد طبيعته كواحد من الملائكة المقدرين قوة (مز 103:30) ينزل نارا من السماء تحرق الغنم والغلمان. ويثير ريحا شديدة عبر القفر تصدم البيت فيسقط, ويموت كل الذين فيه. ويسخر السبيئين والكلدانيين لتنفيذ مشيئته, فينهبون ما لغيرهم ويقتلون الغلمان ويخرب كل بيت أيوب. ولو كان أيوب شخصا عاديا لسقط ميتا أمام كل هذا..
أما أيوب فقد احتمل كل هذا ولم يجدف علي الله, بل قال عبارته المشهورة.:
الرب أعطي, الرب أخذ. ليكن اسم الرب مباركا (أي 1:21).
(لم يقل السبئيون أخذوا ولا الكلدانيون أخذوا. بل الرب أخذ!
إنه يتعامل مع الله وحده, لا مع السبئيين ولا مع الكلدانيين. وكل ما يفعله الناس ضده, لابد قد مر علي الله ضابط الكل. فإن كان الله قد سمح بأن يأخذوا كل ماله. فليكن اسم الرب مباركا. إنني لا أملك كل ما معي, إنما أنا مجرد وكيل علي ما أعطاني الله. هو أعطي وهو أخذ بحكمة يعطي, وبحكمة يأخذ. أما أنا فماذا أقول:
عريانا خرجت من بطن أمي, وعريانا أعود إلي هناك.
ما كنت أملك شيئا من كل هذا حينما ولدت. وسوف أترك كل شيء حينما أغادر هذا العالم عريانا. الله أودعني وديعة, ثم سمح الله واسترد وديعته, ليكن اسم الرب مباركا في لك هذا لم يخطئ أيوب, ولم ينسب إلي الله جهالة (أي 1:22)… ولكن من هول الكارثة يقول الكتاب عن أيوب إنه:
مزق جبته, وجز شعر رأسه, وخر علي الأرض وسجد (أي 1:20).
مزق جبته لهذه الكارثة التي تمزق قلب أي إنسان: علي الأقل موت أبنائه السبعة وبناته الثلاث في يوم واحد. ولكنه سجد علي الأرض احلالا للرب الذي أعطي وأخذ… ولم يقل الكتاب إنه صرخ أو بكي. أو نعي أولاده…
ولكن قسوة الشيطان لم تقف عند حد ولم يكتف بهذا!
ولم يخجل من فشله في محاربته لأيوب البار. وعاد يقول للرب جلد بجلد. وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه. ولكن أبسط الآن يدك ومس عظمة ولحمه فإنه في وجهك يجدف عليك (أي 2:5,4).
قال هذا ردا علي قول الرب عن أيوب … إلي الان هو متمسك بكماله, وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب.
إن الشيطان لا ييأس في محاربته. فمهما فشل, يعاود الكرة مرة أخري… والعجيب أن الله أعطاه فرصة أخري رغم مكابرته. وقال له عن أيوب ها هو في يدك, ولكن حفظ نفسه (أي 2:6). أي لا مانع من أن تمس جسده. ولكن لا تمس عقله ولا حياته. نفسه ليست في يدك.
وللمرة الثانية يضع الرب حدودا للشيطان في عمله وخرج الشيطان من لدن الرب, وبكل قسوة ضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلي هامته. فأخذ أيوب لنفسه شقفة ليحتك بها, وهو جالس في وسط الرماد (أي 2:7ـ 8)… كانت التجربة قد بلغت قمتها, ولكنها لم تبلغ نهايتها وإذا بزوجته تسخر منه لأنه لا يزال محتفظا بكماله, وطلبت إليه أن يجدف علي الله ويموت, فأجابها بحكمة وصبر:
تتكلمين كلاما كإحدي الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله, والشر لا نقبل؟! (أي 2:10). وكلمة الشر هنا تعني المتاعب والضيقات. وكلمة الخير تعني الخيرات..
يقول الكتاب في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه (أي 2:10)
فهل أخطأ بغير شفتيه؟ بلسانه أظهر كامل التسليم للمشيئة الإلهية. ولكن ماذا في قلبه؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في العدد المقبل, إن أحبت نعمة الرب وعشنا.