الكثير من القصص التي تظهر هذه الوحدة الوطنية تعود إلي التاريخ, سواء المعاصر منه, أو التاريخ القديم, فرغم الحملة باسم الصليب القادمة من أوروبا, فإن عيسي العوام القبطي المصري, حسب الفيلم, يدافع عن وطنه مصر ضد الغزاة الأجانب, مهما كانت هويتهم الدينية, ويشارك في تدمير مراكبهم, وقد أبرز الغزاة الأجانب, مهما كانت هويتهم الدينية, ويشارك في تدمير مراكبه مراكبهم, وقد أبرز يوسف شاهين هذه الشخصية في الفيلم للتأكيد علي أن الوحدة الوطنية في مصر قديمة, وأنه عندما يقترب خطر أجنبي, ولو باسم الصليب, فإن أبناء الصليب المصريين يهبون للدفاع عن وطنهم, وهم لا ينطلون تحت اسم الصليب القادم من أوروبا. ومن التاريخ الحديث كان هناك مشهد التأم فيه أبناء الهلال والصليب لمواجهة جنود الاحتلال الإنجليزي في بين القصرين وسقط ضحايا من الطرفين برصاص هؤلاء الجنود منهم (فهمي أحمد عبدالجواد) وزملائه الأقباط. وهناك مشهد في هذا الفيلم, يتصادف فيه رجل من الأزهر, وقس, ثم يخرج الاثنان لقيادة مظاهرة وطنية, تنادي بالوحدة للهلال والصليب, ومن التاريخ الأكثر حداثة باعتبار أن حرب أكتوبر قد صارت تاريخا الآن, اشترك في الحرب من خلال الأفلام السابقة الذكر جنود مسلمين وأقباط أيضا. وفي فيلم التحويلة لأمالي بهنسي 1996, يدافع عن ضابط مسلم عن السجين القبطي الذي تم اعتقاله خطأ في أحد المعتقلات, وقد دفع كل منهما ثمن موقفهما, فاختلطت الدماء القبطية المسلمة عندما أطلق أحد الجنود النيران علي الاثنين, فراحت الدماء تنسال في نفس المجري, لونها أحمر تعبر عن قوة التلاحم.
* لم تقدم السينما أقباط مصر كذميين, بل كمواطنين يعيشون قصص حب فيما بينهم, مثلما يعيش مسلمون نفس قصص الحب بمفرداتها, فإذا كانت هناك أفلام ربط فيها الحب بين مسلمين ومسيحيين سبقت الإشارة إليها في الفصل السابق, فإن هناك أفلاما أخري قامت فيها قصص حب بين مسيحيين فقط, دون أي تدخل من المسلمين بالمرة, ولعل فيلمي شفيقة القبطية والراهبة هما أبرز مثالين علي ذلك. والفيلم الأول تدور أحداثه في مصر الربع الأول من القرن العشرين. أما الفيلم الثاني فيدور في لبنان.
وليست هناك علاقة بين القصة التي رأيتها في الفيلم, وبين الرواية التي نشرها جليل البنداري قبل عامين من عرض الفيلم, كما ليست هناكة علاقة بين وقائع الرواية, والحقيقي للراقصة شفيقة القبطية. فحسب مقال نشره محمد السيد شوشة في مجلة دنيا الفن عام 1962, فإن للبنداري قد استوحي هذه القصة عن شفيقة القبطية من قصة كتبها شوشة عن راقصة أخري اسمها توحيدة فمزج البنداري بين اسم شفيقة القبو بين حواث عاشتها توحيدة.
وليس مجالنا هنا المقارنة, لكن السيناريو الذي كتبه محمد مصطفي سامي قد اختلف تماما عن الواقع, والنصر الأدبي, ونحن نري شفيقة في قمة مجدها, وليس في بدايته مثلما حدث في رواية البند, حيث يقوم الأب بطرد شفيقة بعد أن أخطأت, وتضطر أن تترك وحيدها عزيز في أحضان والدتها, وتمر السنوات ويقع عزيز, بعد أن كبر في السن طبقعا, في غرام سعاد ابنة أسعد باشا, وهو عشيق والدته شفيقة. وتتعرف المرأة علي ابنها, دون أن يعرف هويتها الحقيقية بالنسبة له. ويحدث أن يتقدم عزيز لخطبة سعاد, فيهينه والدها, ويطرده. وتسمع بهذا شفيقة فترد له الإهانة بأن تزدريه أمام زوجته. وتبعا لهذا فإن الباشا يأمر بوضع عزيز في السجن, ويتخلي شفيقة, ويختار خادمتها بهية عشيقة جديدة له بعد أن قامت هذه الأخيرة بسرقة أموال شفيقة, وثرواتها من الذهب. وأمام صدمة سعاد العاطفية في فشل حبها, ودخول عزيز السجن, فإنها تختار دخول الدير, ورفض الاقتران بعزيز عقب خروجه من السجن, أما شفيقة القبطية تسقط في أعناق العوز, والفقر, وتتعاطي الكوكايين ثم تموت بين ذراعي ابنها الذي يعرف في آخر لحظة أنها أمه.
رنحن أمام قصة قبطية في المقام الأول, وأغلب أبطالها من العشاق, وغير ذلك, من الأقباط, وليست هناك إشارة إلي أن قصة حب بين شخصية من ديانة مختلفتين قد قامت هنا, وأيضا في فيلم الراهبة لنفس المخرج وأيضآ لنفس كاتب السيناريو, وقد جسدت فيه هند رستم شخصية راقصة, والقصة هنا يرجح أن تكون مقتبسة من رواية فرنسية كعادة النصوص التي يكتبها محمد مصطفي سامي لحسن الإمام. وأختها فتاتان مسيحيتان, تعيشان في لبنان, وأن كانت اللهجة في كل الفيلم باللغة العامية المصرية, وهما يتعرفان علي المرشد السياحي عادل, تعجب به هدي. لكنه ينصرف عنها إلي أختها التي لا تعرف مشاعر هدي نحوه, ويتفقان علي الزواج. وتنهار هدي وتمر بحالة نفسية سيئة. فتتعرف علي فواد صاحب أحد الملاهي الذي يغريها بالعمل في الملهي, وتصبح نجمة لامعة, ويحاول الكثيرون كسب ودها. ولكنها تضيق بحياتها وتقرر دخول الدير لتصبح راهبة.
وفي الفيلمين, خاصة الأخير, صور حسن شعائر الرهبنة بالتفصيل. وها نحن ثانية أمام قصة حي كل أطرافها من نفس الديانة, دون أن يكون هناك أطراف من ديانة ثانية, وإذا كانت ايفون قد دخلت الدير في فيلم لقاء هناك بسبب فشلها في حب عباس المسلم, فإن هدي تدخل الدير هنا كي تضحي من أجل اختها. ونري في هذا الفيلم هدي قبل أن تصدم تضع الصليب علي صدرها, وتتبرك بتمثال العذراء فوق الجبل كما أنها ترفض العودة للحياة الطبيعية بعد الرهبنة.
ــــــــ
* لم تقدم السينما أقباط مصر كذميين, بل كمواطنين يعيشون قصص حب فيما بينهم, مثلما يعيش مسلمون نفس قصص الحب بمفرداتها