* القيامة غيرت الأوضاع الخوف تحول إلي قوة
* كان الحق المصلوب أقوي من الباطل المنتفخ المتسلط
* كان المسيح حيا في قبره أما هم فكانت حياتهم قبرا
* قيامة المسيح تتميز عن كل قيامة سابقة
* خمس معجزات في قيامة المسيح غير معجزات أخري
* كان الموت تحت سلطانه ولم يكن هو تحت سلطان الموت
* الباطل كالدخان يرتفع فيتبدد افتقاد المسيح لتلاميذه
* لماذا لم يصعد المسيح بعد قيامته مباشرة؟
المسيح المصلوب يقدم صورة للحب والبذل والفداء, والمسيح القائم من الأموات, يعطي صورة للقوة وللانتصار والمسيح الصاعد إلي السماء يقدم لنا صورة للمسيح الممجد.
ونحن نود اليوم أن نتأمل في قيامة السيد المسيح من الأموات في عمق معانيها.
* القيامة غيرت الأوضاع في صلب المسيح, كان يبدو أن الإيمان قد ضاع وانتهي.. وإن كل عمل المسيح قد تحطم بصلبه, إذ ضربوا الراعي فتبددت الرعية (زك13:7).
هوذا المسيح القوي صانع المعجزات مسمر علي خشبة وسط هزؤ الناس واستهزائهم.. وتلاميذه قد هربوا وقت القبض عليه, لم يبق منهم سوي واحد فقط إلي جوار الصليب, ثم اعتكفوا خائفين في العلية, لا يجرؤ أحد منهم علي الظهور أو علي الكلام.. وبطرس الجريء الذي قال من قبل بأكثر تشديد: ولو اضطرت أن أموت معك, لا أنكرك (مر14:31) هذا للأسف قد أنكر وجدف وقال لا أعرف الرجل (متي26:74). والشعب الذي تبع المسيح ورأي معجزاته, اهتز من أساسه -منه من صاح قائلا اصلبه اصلبه! ومنه من خاف وهرب.. ومنه من بكي, واكتفي بالبكاء..
ووقف المسيح وحده, في عمق آلامه.. وكما كانت صورة تلاميذه مؤسفة للغاية, كذلك كانت صورة أعدائه مؤلمة وشاملة..
تجبر أعداء الرب وملكوا الموقف بسيطرة عجيبة.. استطاعوا أن يأتوا بشهود زور, وأن يلفقوا حول المسيح تهما, ويدعوا أنه عدو لقيصر.
وناقض للشريعة, وكاسر للسبت, ومضل وخاطئ.
وخدعوا الشعب, وأخضعوا بيلاطس الوالي لمشيئتهم, وعقدوا مجمعا ضد المسيح وحكموا عليه, وأدانوه واستطاعوا أن يثيروا الشعب ليهتف اصلبه.. اصلبه.. وأهانوا المسيح إهانات شديدة, وأوقفوه في موقف العاجز بعد أن تحدوه بكلمات كثيرة.
وحتي بعد موته, ضبطوا القبر بالحراس, بعد أن ختموه بأختام.
وبدأ الموقف يدعو لليأس من كل ناحية! ولم تكن القيامة تخطر ببال أحد, فهي كما تبدو صعبة أو مستحيلة كان الظاهر للكل أن المسيح قد انتهي هو وكل من معه!
كيف يقوم المسيح إذن؟ كل الذين قاموا قبلا من الموت, وجدوا من يقيمهم, ابن أرملة صرفة صيدا, إقامة إيليا النبي, وابن الشونمية, إقامة إليشع النبي.. وابن أرملة نايين أقامه المسيح. ولكن المسيح نفسه, من الذي يقيمه؟!
واليهود ما كانوا يريدون فقط أن يقضوا عليه, وإنما كانوا يريدون أيضا أن يقضوا علي رسالته وتعليمه..
كان المسيح هو الحق الصارخ ضد أباطيلهم.. وكان النور الذي يهتك ظلمتهم ويكشف أعمالهم.. بل كان هو الصراحة التي تعلن رياءهم.. وهو الصوت الجريء الذي قال لهم: ويل لكم أيها المراؤون.. يا قتلة الأنبياء تغلقون ملكوت السموات أمام الناس. فما دخلتهم ولا جعلتم الداخلين يدخلون (متي23).
كان تعليمه يقدم روحانية لا يعرفها تعليمهم المتمسك بالحرف وليس بالروح.. كان المسيح يتكلم بسلطان وليس كالكتبة. وكان وجوده وسطهم يمثل الصراع الدائم بين الحق والباطل.
ولقد ظن الباطل حين علق المسيح علي الصليب, أن الحق قد مات!
فلما قام المسيح: عرف الكل أن الحق لا يموت, وعرفوا أن الحق المصلوب, هو أقوي من الباطل المتآمر والمتسلط..
نعم, كان الحق الوديع الهادئ المتسامح, أكثر قوة من جميع جلاديه وصالبيه. ولم يكن صمته عن ضعف وإنما عن إرادة إلهية لخلاص البشر وفدائهم.
كان المسيح في قبره أكثر حياة من أولئك الذين كانت حياتهم قبرا.. كانوا موتي وهم يتنفسون ويتحركون! وكان هو حيا بعد أن لفظ أنفاسه بالجسد.
كانت حياتهم موتا من الناحية الروحية بينما كان موت المسيح حياة وخلاصا للعالم كله.. إن المسيح قد داس الموت بموته.. وقدم للناس عربون القيامة بقيامته.
قيامة تختلف عن كل قيامة
وكانت قيامته عجيبة من كل ناحية.
كثيرون قاموا من قبل.. ولكن قيامتهم لم تكن مطلقا من نوع قيامة المسيح.
قيامة كانت فريدة في نوعها, لذلك سمي باكورة الراقدين (1كو15:20).
فكيف نقول إنه الباكورة بينما قام من قبل علي يديه لعازر, وابنة يايرس, وابن أرملة نايين, وقام من قبل ابن أرملة صرفة صيدا, وابن الشونمية, وقام ميت لامس عظام أليشع؟!
إنه الباكورة لأن قيامته تختلف عن كل قيامة أخري, وسنذكر النقط التالية.
إنه الباكورة, لأنه الأول الذي قام قيامة لا موت بعدها.
كل الذين قاموا من قبل, ماتوا مرة أخري, وينتظرون القيامة العامة التي فيها يقومون مرة أخري, قيامة إلي حياة أبدية, لا موت بعدها, علي شبه قيامة المسيح.
وهو الباكورة, لأنه الأول الذي قام بجسد ممجد.
وكل الذين قاموا من قبل, قاموا بنفس الجسد المادي, الذي يتعرض لكل عوامل الفساد من شعب وألم, ومرض وانحلال.. وهم ينتظرون في القيامة العامة أن يقيموا مرة أخري علي شبه جسد مجده بالجسد النوراني الروحاني, حيث يلبس هذا الفاسد عدم فساد, ويلبس هذا المائت عدم موت (1كو15:54, 49).
وقيامة المسيح تختلف عن كل قيامة أخري, في أنه قام بنفسه, ولم يقمه أحد غيره كالباقين..
ولذلك يمكن هنا من جمعة اللغة أن نميز بين لفظين: قيامة (بالنسبة إلي المسيح), وإقامة (بالنسبة إلي غيره) فنقول إقامة لعازر وليس قيامة لعازر, ونقول أيضا إقامة ابن الأرملة وليس قيامته, أما بالنسبة للسيد المسيح فنقول قيامة المسيح..
وهذا يعطينا فكرة عن القوة التي قام بها من الموت.
قوة القيامة..
قيامة المسيح هزأت بكل الأعمال البشرية المضادة.
فخرج من القبر وهو مغلق ومختوم كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة.
فإن كانت قيامته معجزة خارقة للعادة فإن خروجه من القبر وهو مغلق وعليه حجر عظيم, هو معجزة ثانية.
وهنا نلاحظ أن الملاك -بعد القيامة- قد رفع الحجر عن القبر, لكي يري النسوة القبر الفارغ ويراه الكل فارغا ولم يرفع الملاك الحجر ليخرج المسيح من القبر.. فقد خرج منه قبلا في وقت لم يعرفه أحد.
وهنا يكون خروج المسيح من القبر دون أن يراه الحراس هو معجزة ثالثة ويكون تركه في قيامة الأكفان والمنديل مرتبة, معجزة رابعة جعلت بطرس يؤمن (يو20:6-8).
ويكون دخوله العلية بعد القيامة والأبواب مغلقة (يو20:26) معجزة خامسة.
لو لم يكن اليهود قد ختموا علي القبر, ووضعوا عليه حجرا عظيما, وضبطوه بحراس مسلحين, لكان لهم أن يشكوا في القيامة.. أما هذه الإجراءات فقد كانت شاهدا عليهم, وإثباتا للقيامة, أعطت القيامة قوة معنية جعلتها فوق التدابير البشرية, وصار اليهود بعد هذا يخافون جدا من تبشير التلاميذ بالقيامة.
والنقطة الأولي في عظمة القيامة وقوتها هي أن المسيح داس الموت.
لقد كان الموت تحت سلطانه, ولم يكن هو تحت سلطان الموت..
لقد قيل عنه فيه كانت الحياة, والحياة كانت نور الناس (يو1:4).
وكانت الحياة التي فيه, أقوي من الموت الذي يأتي من الخارج.
بل قيل إنه هو نفسه الحياة..
قال: أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا (يو11:25).
وقال أيضا: أنا هو الطريق والحق والحياة (يو14:6). فإن كان هو الحياة, فلا يكون للموت إذن سلطان عليه.