يسرني يا آبائي وإخوتي وأبنائي أن أهنئكم تهنئة قلبية, بعيد القيامة المجيد, طالبا من الله أن يكون هذا العيد, سبب بركة لنا جميعا, وللكنيسة, ولبلادنا العزيزة مصر, وللعالم أجمع.
لكن لا يفوتنا أن نشير, في هذه المناسبة المقدسة, التي هي عيد قيامة السيد المسيح من بين الأموات, إلي ملحوظة مهمة وهي: وباء فيروس كورونا, الذي اجتاح العالم كله, وكان ولايزال له آثاره الضارة, علي غالبية جوانب الحياة.
إلا أن تزامن هذه المحنة مع الصوم الكبير وعيد القيامة المجيد وما بهما من عطايا روحية للكنيسة والإنسان والعالم بأسره:
1- يذكرنا بقدرة الله في القضاء علي هذا الوباء عالميا.
لأنه وإن كانت قدرة الله قادرة علي إقامة الأموات من موت الخطية ومن الموت الجسدي, ألا تستطيع أن تحول الشر إلي خير؟ أقول لكم وكلي إيمان وثقة في قدرة الله, بأنها قادرة علي أن تحول الشر إلي خير (تك50:20), وذلك برجوع الناس لله من خلال توبتهم وحفظهم لوصاياه ورجوع المخافة إلي قلوبهم وحثهم علي الصلاة والصوم والعمل الروحي وفعل الخير. إذا سماح الله بهذه التجربة العالمية للبشرية هو لخيرها الروحي ولتقويمها, لا لتحطيمها وإبادتها.
وكما سمحت القدرة الإلهية بنوعية هذه التجربة وبداية ظهورها بين الناس, سوف تضع حدا ونهاية لها, وهذا حسب وعده الصادق القائل: الله أمين, الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون, بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ, لتستطيعوا أن تحتملوا (1كو10:13).
فواضح أن هذه التجربة, التي سمح بها الرب للبشرية, هي تجربة وقتية, علي قدر الاحتمال, وجعل معها المنفذ, أي كما كان لها بداية زمنية سوف يكون لها نهاية زمنية قريبة من أجل نعمته.
بالإضافة إلي ذلك, وكما أن قدرة الله تستطيع أن تحول الشر إلي خير, وأن تضع حدا ونهاية لهذه الضيقة العالمية, هكذا تستطيع أن تقي وتحفظ, وتشفي من هذا الوباء بل وأيضا أن تقضي عليه كلية من الوجود, لأن قدرة الله: تستطيع كل شيء, ولا يعسر عليها أمر (أي42:2).
لذلك يجب ألا نعطي لهذه الأزمة, مجالا للتشكيك في إمكانية قدرة الله علي التخلص منها, والقضاء عليها: لأن غير المستطاع عند الناس, مستطاع عند الله (لو18:27).
من جانب آخر, قيامة السيد المسيح من بين الأموات, لها دور في:
2- تغيير نظرة الناس إلي الموت, والإيمان بقيامتهم من الموت الجسدي.
لأنه كان قديما, قبل مجيء المسيح وصلبه وموته وقيامته, يعد الموت أكبر عدو للبشرية, إلا أن بمجيئه في الجسد وصلبه وموته وقيامته من بين الأموات, تغيرت نظرة الناس إلي الموت, بل وأصبح الموت هو مجرد طريق, يعبر بهم من عالمنا الأرضي الفاني, إلي العالم الآخر الباقي, إلي أبد الآبدين.
ومع ذلك بقيامة المسيح من بين الأموات صار: باكورة الراقدين (1كو15:20). وأعطي للبشرية ولنا عربون القيامة من الموت الجسدي, بل وأصبحت القيامة من بين الأموات, عقيدة إيمانية وحياة معيشة في حياتنا وحياة بقية المؤمنين ونعلن هذا جليا في قانون الإيمان المسيحي الذي نصليه كل يوم وفيه نقول: وننتظر قيامة الأموات, وحياة الدهر الآتي.
ولذلك يجب علينا أن نجتهد في العمل بوصايا الرب والجهاد الروحي وعمل الخير لاقتناء الفضائل وذلك للوصول للكمال المسيحي المطالب به كل إنسان ولكي نكافأ بعد قيامتنا لا لكي ندان (يو5:28-29).
ومع ذلك من الدروس المهمة التي يقدمها لنا عيد القيامة المجيد هو:
3- درس الرجاء
ولهذا شهد الرسول بطرس في رسالته الأولي بقوله: الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات (1بط1:3).
فواضح أن من تعاليم الرسول, حول قيامة المسيح من بين الأموات, أنها تعطي الرجاء لجميع الناس ولا سيما المؤمنين (1تي4:10).
بناء عليه الرجاء يعطينا السلام والطمأنينة, بدلا من الخوف, والفرح بدلا من الحزن, كما أن الرجاء يمنح الحقوق للمظلومين وينصفهم.
ومن الجوانب المهمة في الرجاء, أن قيامة المسيح حدثت بعد صلبه وموته ودفنه بين الأموات, هكذا قيامة الشهداء والقديسين, من بين الأموات, تتم بعد جهادهم وعذاباتهم واستشهادهم وموتهم ودفنهم مثل البشر.
كما أننا لا ننسي أن الفرج يأتي من بعد الكرب والضيق, والأبواب المغلقة يفتحها الرب بعد غلقها أو يدخلها وهي مغلقة لتلاميذه وخاصته, وكأنها لم تكن موجودة أو مغلقة, كما فعل مع دانيال وهو في جب الأسود ونجاه من أفواههم, وكما فعل مع الفتية الثلاثة ونجاهم من أتون النار المحماة سبعة أضعاف.
وهكذا كما فعل مع التلاميذ وهم في العلية, بعد قيامته, وأعطاهم السلام والطمأنينة والكهنوت وسلطانه ورئاسته.
ويكتمل رجاؤنا بقيامتنا من بين الأموات, ومثولنا أمام كرسي الله ديان الجميع, وصدور الحكم الإلهي بالمصير الأبدي علي كل واحد منا سواء كان بالميراث الأبدي في ملكوت السموات أو النار الأبدية (مت25:34, 41, 46).
ختاما:
طالبا من الله في هذا العيد المبارك أن يفتقدنا جميعا ويفتقد كنيستنا المقدسة وبلادنا العزيزة مصر والعالم أجمع برحمته الغنية العظيمة غير المحصاة والجديدة في كل صباح بأن يتحنن ويترأف علينا جميعا برفع هذه المحنة العالمية سريعا لا من أجل استحقاقنا بل من أجل محبته الفائقة نحونا ونعمه التي يفيض بها علينا بصفة دائمة.
وكل عام وأنتم جميعا بخير.