تحتفل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بعيد الميلاد المجيد منذ تأسيس المسيحية في القرن الأولالميلادي, وذلكفي نهاية شهر كيهك القبطي, والذي يتوافق مع نهاية الأسبوع الأول, من شهر يناير, للتقويمالميلادي في كل عام.
وتعبر في احتفالها بهذا العيد, بأساليب وطرق روحية عديدة, وذلك نظرا لمكانة هذا العيد, وسط الأعياد المسيحية بصفة خاصة, وارتباطه بالإيمان المسيحي ككل, بصفة عامة.
+ أما عن موضوعنا في هذا العيد فهو عن أن: المسيح جاء ليشفي المرضي, لكونه الطبيب الحقيقي.
لذلك قبل أن ندخل, في دور المسيح كطبيب, في شفائنا من أمراضنا الروحية والجسدية والنفسية.
+ يجب أن نشير إلي أنه, هو الله الظاهر في الجسد: عظيم هو سر التقوي, الله ظهر في الجسد (1تي3:16).
فهو إذا إلهنا, وخالق أرواحنا وأجسادنا وأنفسنا كبشر, في أحسن صحة روحية وجسدية ونفسية.
+ إلا أن بسبب سقوط أبوينا الأولين, آدم وحواء, في التعدي والخطية, وذلك بالأكل من الشجرة المنهي بعدم الأكل منها, دخلت الخطية إلي العالم, وفسدت ومرضت الطبيعة البشرية, وحكم علي آدم وحواء بالموت, ولكون نسل آدم كان في صلبه, وقت التعدي والخطيئة, فأخطأ معه وفسد ومرض معه, وحكم عليه بالموت مثله, وهذا ما قاله القديس بولس الرسول, في رسالته إلي أهل رومية: بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلي العالم, وبالخطيئة الموت, وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس, إذ أخطأ الجميع (رو5:12).
+ وبناء عليه, صارت البشرية في حالة روحية يرثي لها, فاحتاجت إلي طبيب حقيقي, يعالج أمراضنا الروحية والجسدية والنفسية.
لذلك: لما جاء ملء الزمان, أرسل الله ابنه مولودا من امرأة, مولودا تحت الناموس, ليفتدي الذين تحت الناموس, لننال التبني (غل4:4-5).
+ وهذا ما تؤكد عليه الكنيسة, في طلبة الصلاة السابعة- من سر مسحة المرضي بأن: الله الآب طبيب أجسادنا وأرواحنا, الذي أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح, ليشفي كل الأمراض, وينقذ من الموت.. وهو ينبوع الشفاء.. إلخ.
+ إذا ميلاد المسيح ومجيئه إلي العالم, كان الهدف منه علاج البشرية, من أمراضها الروحية والجسدية والنفسية.
لذلكفي مقدمة ما قام به المسيح بصفته الله المتجسد, الطبيب الحقيقي, وينبوع الشفاء, هو:
شفاء أمراضنا الروحية والجسدية والنفسية:
قدم لنا المسيح, الشفاء من أمراضنا الروحية والجسدية والنفسية, وذلك من خلال تجسده وصلبه علي الصليب, وموته نيابة عنا, وتأكيدا علي ذلك, قال إشعياء النبي في نبوءته عن المسيح: أحزاننا حملها, وأوجاعنا تحملها.. (إش53:4), (مت8:17).
ويؤكد القديس بطرس الرسول, في رسالته الأولي أن المسيح, قدم لنا الشفاء من أمراضنا, وذلك بصلبه وموته, نيابة عنا, ولذا قال: الذي حمل هو نفسه خطايانا, في جسده علي الخشبة, لكي نموت عن الخطايا, فنحيا للبر, الذي بجلدته شفيتم.. ورجعتم الآن إلي راعي نفوسكم وأسقفها (1بط2:24-25).
ولهذا تشهد الكنيسة, في ليتورجية طلبة الصلاة الرابعة- من سر مسحة المرضي, فتقول: أيها الرب المؤدبالشافي.. طبيب السقماء, الذي حمل أمراضنا, ورفع آثامنا.. أيها المسيح, ابن الله الوحيد, حمل الله حامل خطايا العالم, اذكرمراحمك ورأفتك, التي منذ البدء.
بالإضافة إلي ذلك, وضع لنا المسيح, سر مسحة المرضي (يع5:14-16) لشفاء أمراضنا الروحية والجسدية والنفسية.
فالمسيح إذا كطبيب حقيقي, قدم لنا الشفاء من كافة أمراضنا, بأساليب وطرق عديدة, فينبغي أن نسرع ونطلب منه, كما رسم لنا, لكي نحصل علي الشفاء من أمراضنا بكل أنواعها.
سمات معجزات المسيح, في شفائه للمرضي والضعفاء:
المسيح كان ولايزال يعمل المعجزات أو الآيات والعجائب, بسلطانه وقدرته الإلهية.
أما عن الأنبياء والرسل والقديسين, فلم يعملوا المعجزات أو الآيات والعجائب, بسلطانهم أو بقدرتهم, بل بسلطان وبعطية من المسيح, وهذا يتضح من قوله لهم: اشفوا مرضي, طهروا برصا, أقيموا موتي, أخرجوا شياطين. مجانا أخذتم, مجانا أعطوا (مت10:8).
المسيح, في شفائه للمرضي, كان يذهب بنفسه إلي المرضي ليشفيهم, دون أن يطلب منه أحد.
وخاصة أصحاب الأمراض المستعصية, والميئوس من شفائها, مثل مفلوج بركة بيت حسدا, الذي كان مريضا بالفلج أو الشلل الكلي, منذ ثماني وثلاثين سنة, راقدا علي السرير, وذهب إليه, وهو علي البركة, ولما رآه علم أن له زمانا كثيرا, فقال له أتريد أن تبرأ؟ أجابه المريض يا سيد, ليس لي إنسان يلقيني في البركة, متي تحرك الماء, بل بينما أنا آت, ينزل قدامي آخر (يو5:5-7).
لذلك المسيح أمر المفلوج قائلا له: قم احمل سريرك وامش, فحالا برئ الإنسان, وحمل سريره ومشي (يو5:8-9), فالمفلوج إذا برئ من مرضه, بأمر من المسيح, وحمل سريره ورجع إلي بيته.
ولم يكتف المسيح بأن يذهب بنفسه ليشفي المرضي, بل كان أيضا يذهب مع أهالي المرضي, ليشفي مرضاهم, مثل ما فعل مع حماة سمعان بطرس.
يقول الكتاب, عن معجزة شفاء حماة سمعان بطرس, من الحمي, بأنها كانت: مضطجعة محمومة, فللوقت أخبروه عنها, فتقدم وأقامها ماسكا بيدها, فتركتها الحمي حالا, وصارت تخدمهم (مر1:30-31).
فهذه المرأة شفيت من الحمي كلية, بمجرد أن السيد المسيح مسك يديها, وأقامها من علي السرير, بل وتأكيدا علي شفائها, بأنها قدمت لهم واجب الضيافة.
ومن إيمان الناس بالسيد المسيح, وثقتهم في قدرته علي شفاء المرضي, كان أهالي المرضي يرسلون للمسيح, ويطلبون منه, شفاء مرضاهم.
مثلما فعلت مريم ومرثا, أختا لعازر, وقت مرضه, لذلك أرسلتا إليه قائلتين: يا سيد, هوذا الذي تحبه مريض. فلما سمع يسوع, قال هذا المرض ليس للموت, بل لأجل مجد الله, ليتمجد ابن الله به (يو11:3-4).
ثم جاء المسيح بعد ذلك, وذهب إلي القبر, وأقام لعازر من بين الأموات (يو11:17-44).
وهناك حالات أخري كثيرة, كان أهالي المرضي, يرسلون للمسيح, ويطلبون منه شفاء مرضاهم, وكان ذلك يتم.
إلا أنه من جانب آخر, كان يذهب أهالي المرضي للمسيح, ومعهم مرضاهم, ويطلبون شفاءهم, وكان ذلك يتم.
كما شهد القديس لوقا, في إنجيله, بأنه: عند غروب الشمس, جميع الذين كان عندهم سقماء, بأمراض مختلفة, قدموهم إليه, فوضع يديه علي كل واحد منهم وشفاهم. وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين, وهي تصرخ وتقول: أنت المسيح ابن الله. فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون, لأنهم عرفوه أنه المسيح (لو4:40-41).
فواضح من شهادة القديس لوقا الإنجيلي, بأن المسيح كان يشفي السقماء بأمراض مختلفة, ويخرج الشياطين, وذلك بوضع يده علي كل إنسان مريض.
بالإضافة إلي ذلك, لا يفوتنا أن نشير, إلي أهالي المرضي, بأنهم كانوا يذهبون إلي المسيح ومعهم مرضاهم, أينما وجد, وذلك بأعداد كثيرة, لكي يشفيهم.
وهذا ما شهد له القديس متي الإنجيلي: فذاع خبره في جميع سورية. فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة, والمجانين والمصروعين والمفلوجين, فشفاهم (متي4:24).
وهذا واضح مما جاء في شهادة القديس متي الرسول, وقت أن قال: كان يسوع يطوف المدن كلها والقري يعلم في مجامعها, ويكرز ببشارة الملكوت, ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. ولما رأي الجموع تحنن عليهم, إذ كانوا منزعجين ومنطرحين, كغنم لا راعي لها (مت9:35-36), (مت4:23).
وتكملة لسمات معجزات المسيح, في شفائه للمرضي والضعفاء, بأنه كان يشفي المرضي التي كانت أمراضهم قد تؤدي إلي موتهم, أو يقيم من بين الأموات, الذين ماتوا بسبب أمراضهم مثل لعازر (يو11:1-44), وابنة يايرس (مر5:35-43).
وتلاحظ أن المريض كان يشفي من مرضه, إذا مسك المسيح بيده وأقامه, ومثال لذلك حماة سمعان بطرس (مر1:30-31), أو أن المريض كان يشفي, إذا وضع المسيح عليه يده الإلهية (لو4:40-41).
ولا ننسي بأن المرضي كانوا يشفون من أمراضهم إذا لمسوا ثياب المسيح مثال لذلك المرأة نازفة الدم (مت9:20-22) أو إن لمسوا المسيح نفسه لأن: قوة كانت تخرج منه, وتشفي الجميع (لو6:19).
من جانب آخر, شفي الأبرص من برصه لأن المسيح لمسه (مت8:1-4), وشفي الأصم والأعقد بمجرد أن وضع أصبعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه (مر7:32-37).
كما أنه شفي المولود أعمي بعد أن تفل علي الأرض وصنع من التفل طينا وطلي به عينه (يو9:1-37).
كل هذه أمور جوهرية تشير إلي سمات معجزات المسيح في شفائه للمرضي والضعفاء.
ولكون المسيح صاحب السلطان علي القيام بشفاء المرضي والضعفاء.
أعطي المسيح للآباء الرسل وخلفائهم سلطانا علي شفاء الأمراض.
ولذا قال القديس متي الرسول في إنجيله بأن: هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع, وأوصاهم قائلا:.. اشفوا مرضي, طهروا برصا, أقيموا موتي, أخرجوا شياطين. مجانا أخذتم, مجانا أعطوا (مت10:5, 8), (مت10:1), (مر3:14-15), (لو9:1-2).
وكما أعطي الرب السلطان للتلاميذ الاثني عشر, علي شفاء المرضي وإقامة الموتي, وإخراج الشياطين, أعطاه كذلك للآباء الرسل السبعين, قائلا لهم: اشفوا المرضي الذين فيها (لو10:1, 2, 9).
وبعد أن أعطي الرب للآباء الرسل الكهنوت وسلطانه وشفاء الأمراض وإقامة الموتي وإخراج الشياطين, أسس سر مسحة المرضي وأمرهم بالقيام به لجماعة المؤمنين إكليروسا وشعبا لشفاء المرضي وإخراج الشياطين, وشهد لذلك القديس مرقس بقوله: فخرجوا وصاروا يكرزون أن يتوبوا. وأخرجوا شياطين كثيرة, ودهنوا بزيت مرضي كثيرين, فشفوهم (مر6:12-13).
ولذلك بعد قيامة السيد المسيح من بين الأموات وفي أحد ظهوراته للتلاميذ الأحد عشر أوصاهم قائلا: وهذه الآيات تتبعالمؤمنين, يخرجون الشياطين باسمي, ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات, وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم, ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون (مر16:17-18).
لذلك في كرازة وخدمة الآباء الرسل اقترنت بالآيات التابعة (مر16:20).
وجرت علي أيديهم: آيات وعجائب كثيرة في الشعب.. حتي إنهم كانوا يحملون المرضي, خارجا في الشوارع, ويضعونهم علي فرش وأسرة, حتي إذا جاء بطرس يخيم, ولو ظله علي أحد منهم.. وكانوا يبرأون جميعهم (أع5:12, 15, 16).
وهكذا قيل عن القديس بولس الرسول في كرازته وخدمته: كان الله يصنع علي يديه قوات غير المعتادة, حتي كان يؤتي عن جسده, بمناديل أو مآزر إلي المرضي, فتزول عنهم الأمراض, وتخرج الأرواح الشريرة منهم (أع19:11-12).
وبناء علي سر الكهنوت وسلطانه في تتميم سر مسحة المرضي يقال في طلبة الصلاة السابعة من سر مسحة المرضي: أيها القديسون الذين لكم ينبوع الشفاء بغير فضة امنحوا الشفاء لكل الطالبين لأن الرب قال لكم مع الرسل: هوذا أنا أكون معكم, إلي كمال الدهر.
وقال أيضا: ها أنا أعطيتكم سلطانا علي الأرواح النجسة لتخرجوها وتشفوا كل مرض وسقم. مجانا أخذتم مجانا أعطوا.
ختاما- الرب صانع الآيات والعجائب في شفاء المرضي والضعفاء في الماضي هو هو بعينه لا يتغير ومستمر في شفاء أمراضنا وضعفاتنا في حاضرنا ومستقبلنا. فلنقترب إليه بإيمان وهو يفيض علينا بنعمه الإلهية المتعددة الفوائد.