(1) بالقيامة سحق الشيطان
حين صعد الرب علي خشبة الصليب ونزف دمه الطاهر نتيجة الجلد والمسامير وإكليل الشوك ظن الشيطان أنه انتصر.. وكانت فرحته كبيرة حينما سلم المسيح الروح علي الصليب وانفصلت روحه الإنسانية عن جسده الإنساني.. وذهب ليقبض علي هذه الروح كما كان يفعل مع كل النفوس مهما كان برها.. ولم يدرك ذلك الشيطان الأثيم أن هذه النفس الإنسانية تختلف عن مثيلاتها لا لأنها بارة فقط ولكن لأنها متحدة باللاهوت (إذ أن لاهوته ظل متحدا بناسوته علي الرغم من انفصال النفس الناسوتية عن الجسد الإنساني إلا أن اللاهوت ظل متحدا بالنفس الناسوتية وبالجسد المسجي في القبر).
ولما انطلقت نفسه إلي الجحيم حيث كان الفردوس مغلقا منذ السقطة الأولي آدم يحرسه كاروبيم يحمل سيفا ذا لهيب متقلب نزلت نفسه إلي الجحيم حيث تنزل كل الأنفس البارة مع الأنفس الأثيمة.. هذه تنتظر الهلاك الأبدي, وتلك تنتظر يوم المسيح المخلص.. ولما حاول الشيطان أن يمسها ويعتقلها صعقه تيار اللاهوت المتحد بها فارتمي ساقطا عند قدمي الرب الذي سبق وأنبأ بذلك قائلا: رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء (لو 10: 18) والآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا (يو 12:21) ارتمي الشيطان كأسد جريح وسقط ذليلا تحت قدمي المخلص المنتصر ووضع الرب قدمه الإلهية علي رقبته علامة ظفر أيدي وأشار بيده الإلهية إلي المسبيين قائلا هلموا أخرجوا من هذا المكان من الجحيم من قبضة العدو وانطلقوا إلي الفردوس فقد فتحته لكم.. فتهلل سكان الجحيم وفرحوا بالمخلص العظيم وانطلقوا يتدافعون نحو الفردوس وفي أتضاع عجيب جعلهم يقدمون بعضهم بعضا فجاء من بينهم ذلك اللص اليمين ديماس الذي سمع وعد الرب الصادق اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23: 43) نعم نال هذا الوعد بسبب توبته الصادقة وحكومة علي نفسه وإيمانه بألوهية المصلوب بجواره وثقته في حنانه الغافر وقوته مع المسيح.. وندائه اللطيف اذكرني يا رب متي جئت في ملكوتك (لو23: 42) ولقد حدث فرح في السماء بسبب هؤلاء الوافدين: ديماس, آدم, هابيل, شيت, نوح, إبراهيم, إسحق, يعقوب….
(2) بالقيامة سحق الموت
لم يكن ممكنا أن يمسك منه أي من الموت (أع 2:42) بهذه العبارة المركزة شرح القديس بطرس الرسول سر انتصار القيامة علي الموت. إذ أنه حينما سقط آدم الإنسان الأول وجب عليه حكم الموت لأن أجرة الخطية هي موت (رو 6:23).
والنفس التي تخطئ تموت (خر 18:20) ودخل الموت إلي البشرية موتا رباعيا خطيرا (الموت الجسدي والموت الروحي والموت الأدبي والموت الأبدي)
* الموت الجسدي: إذ بدأت عوامل الفساد والانحلال تدب في الطبيعة البشرية ومنع آدم وحواء من الأكل من شجرة الحياة لئلا يحيا إلي الأبد في هذا الفساد الذي طرأ علي الطبيعة. وبدأت تتناقص الأعمار, ثم جاء الطوفان وأهلك الجميع عدا من آمن بالرب وتحذيراته وأصبح الموت الجسدي حكما علي البشرية وضع للناس أن يموتوا مرة وبعد ذلك الدينونة (عب 9: 27).
* الموت الروحي: وكما أن الموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد فالموت الروحي هو انفصال الروح عن الله.. والخطية هي انفصال عن الله والله هو الحياة إذن حضرة الله منفصلا عن الله بعد أن كان يتمتع بعشرة الله في الجنة.. وصارت الخطية حائلا وحاجزا وفاصلا بينه وبين الله.
ج ـ الموت الأدبي: وهو فقدان الإنسان لمركزه الاجتماعي, أي أنه فقد أن يكون له كيان أو وجود في المجتمع, فيكون كأنه ميت.. وهذا ما حدث آدم, إذ فقد مركزه الكبير, يإبن لله وجليس للحضرة المقدسة وشريك للملائكة وسكان السماء, وصار عبدا ذليلا للعدو.. يفترسه المرض, تطحنه السنون, ويذله الشيطان, وتحطمه الكوارث الطبيعية..
د ـ الموت الأبدي: لأن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم فساد (1كو 15:5).. وهكذا كانت تهبط كل النفوس إلي الجحيم, الهاوية, مهما كان برها الذاتي أو جهادها الصادق, الكل معا تحت قبضة الشيطان, يتهددهم خطر العذاب الأبدي (إلا الذين ماتوا علي رجاء).. بل أن الخطية التي تقود إلي الموت الروحي تقود أيضا إلي الموت الأبدي.
… ولكن جاءت القيامة.. تثبت بر المسيح غير المحدود, لأنه مات بإرادته, ولما حاول الموت أن يمسكه ارتعب, إذ صعقه تيار اللاهوت المتحد بالجسد الموجود بالقبر, والنفس النازلة إلي الجحيم, وفي اليوم الثالث الذي حدده الرب لقيامته, قام الرب منتصرا علي الموت, وهكذا أبطل الرب الموت, وأنار الحياة والخلود, واستطاع وهو بعد علي الصليب أن يقيم أجساد الكثير من القديسين الراقدين (مت 27:52) الذين لم يجسروا أن يظهروا للناس قبل أن تعلن قيامة بكرهم المسيح, فلم يخرجوا من قبورهم سوي يوم الأحد مع أنهم قاموا يوم الجمعة, وهكذا رأي التلاميذ تفاهة الموت وعجزه فلك يرهبوه بل طلبوه حبا في الوصول إلي النصيب الأبدي والحبيب الإلهي اشتهوه مثل القديس بولس الرسول (في 1:23) وهكذا سار كل القديسين في نفس هذا الطريق.. فتركوا العالم بكل مباهجه الزائفة ليحيوا الأبدية ويتمتعوا بالخلود قبل خلع الجسد ولو كعربون بسيط, تمهيدا للقاء الخالد وليحيوا الأبدية ويتمتعوا وهكذا نسمع عن القديسين الشهداء الذين كانوا يتسابقون إلي ساحات الاستشهاد بفرح.. فنسمع عن الآلاف الذين استشهدوا في أنصنا وإخميم وأسنا وغيرهم, وسمعنا عن فلاحي إسنا الذين أعطوا الجنود فئوسهم لكي يقتلوهم حينما لم تعد سيوفهم صالحة للاستعمال.. للوصول إلي أورشليم مع من سبقوهم.. فلنهتف معا قد ابتلع الموت إلي الغلبة أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية (1كو 15:54 ـ 55).. هذا ما فعلته القيامة, لأن المسيح قام كباكورة الراقدين (1 كو 15: 20) ودخل إلي السماء كسابق لأجلنا (عب 6: 20).. وهكذا صارت القيامة للبشرية كلها من موت الخطية, وموت الجسد, ومن الانفصال الروحي عن الله, ومن الهوان والمذلة للشيطان ليقوموا إلي حياة أبدية (يو6: 28, 29).. أليس هذا هو وعد الرب أنا حي فأنتم ستحيون (يو 14: 19).