72 ـ مردخاي
ونزع الملك خاتمه الذي أخذه من هامان وأعطاه لمردخاي (أس 8:2).
* كلمة مردخاي تعني ملك للإله مردوج الذي هو إله بابل, ومردخاي رجل بسيط من سبط بنيامين, وربما كان يعمل في أعمال المحاسبة داخل القصر.
* المثل الشهير يقول: وراء كل عظيم امرأة ولكن في هذه القصة نجد أنه وراء كل عظيمة رجل عظيم, هو مردخاي.
* عاش بعيدا عن وطنه وذاق مرارة الغربة, وكانت حياته بلا حقوق, وعاش مسبيا في بلاد فارس, ولكنه كان سببا في أن تصير أستير ملكة.
* بطولة مردخاي نجدها في أربعة مجالات رئيسية:
أولا: بطل في التربية
* أستير ابنة عمه وهناك فارق كبير في السن بينهما, لذلك أتخذها ابنة له لأنها كانت يتيمة, وكانا معا مسبيين في بلاد الفرس, فكان بمثابة الأب لها بعد وفاة والديها, فقام بتربيتها بأمانة شديدة.
* نكرم مردخاي لأنه لديه إحساس بالمسئولية, في بعض الأحيان قد يغيب الإحساس بالمسئولية عن شخص ما, وهذا يعني غياب دوره أو قد يحمل عنوان الشيء ولا يمارسه, مثل إنسان يقال عنه إنه شجاع ومع ذلك فهو يخاف بشدة من شيء ما, أو يحتل مكانة معينة مثل مكانة الأب أو الأم ولا يتحمل مسئوليتها داخل الأسرة, فيكون هذا الشخص قد حمل اللقب ولم يمارس فعاليته.
* مردخاي اختار أن يكون مثال الأب لهذه الفتاة اليتيمة أستير ويقوم بتربيتها بالرغم من أنه في بلاد غريبة, لذلك نجد أن إحساسه بالمسئولية كان عاليا جدا وهذا شيء مهم لكل إنسان يعمل في موقع عمل سواء بالكنيسة أو المجتمع.
* مردخاي كان بطلا في التربية بالرغم من كل الأمور التي تقف ضده, حتي أنه وصل بأستير كي تصبح ملكة.
ثانيا: بطل في القناعة
* فكر الملك في من تصلح أن تكون ملكة وعندما جمعوا الفتيات قدم مردخاي أستير للملك, ولما اختيرت وصارت الملكة لم يعايرها ولم يستفد منها شيئا, وكان إنسانا قنوعا, ظل حارسا بسيطا في القصر ولم يطلب أي منصب من أستير, بل أنه أنقذ الملك من مؤامرة لقتله, ومع ذلك لم يسع لينال أي مكافأة, لا من أستير أو من الملك. أحيانا يحب الإنسان أن ينتفع من أقاربه مردخاي قدم صورة للإنسان القنوع الذي يعرف دوره وحدوده تماما.
ثالثا: بطل في العبادة
* فالبرغم من أنهم مسبيون وهم ليسوا في أورشليم أو الهيكل ـ حيث يقدمون العبادة ـ إلا أنه كان يحتفظ بإيمانه وعقيدته وممارساته.
* في القصة يظهر هامان المتعجرف الذي يأمر الناس أن يسجدوا له, هامان رمز للتصلف والنفاق, ولكن مردخاي لم يحن رأسه لأن عقيدته تمنعه من ذلك لأن الوصية تقول: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد (خر20). لذلك لم يسجد مردخاي لهامان مثل بقية الناس في القصر, لأنه كان يؤمن أن الولاء لله أولا, وهذا هو السبب الذي جعل هامان يخطط لمكيدة ويفكر كيف يقتله.
* عاش مردخاي مرفوع الرأس يؤمن أن الله ضابط الكل.. فكان يؤمن أن الله يري تعبه وكل ما صنع.
* اكتشف مردخاي مؤامرة لقتل الملك وتنتهي القصة من ناحية مردخاي, لكن الله يسمح في يوم من الأيام بأن الملك يأرق ويطلب بأن يقرأ في كتاب تاريخ القصر, فلما وضع أمامه الكتاب فتح الله الكتاب عند الجزء الخاص بكشف مردخاي للمؤامرة, وأنه لم ينل مكافأة, فلما علم الملك أن مردخاي أنقذ حياته أخذ يسأل كيف يكرم إنسان أحبه الملك؟ وعندما أتي هامان أمام الملك… سأله الملك قائلا: كيف يكرم الملك إنساما يحبه؟… ولأن هامان كان متكبرا ظن أن الملك يتحدث عنه, فتمادي في إكرامه لنفسه قائلا: يلبس ملابس الملك, وخاتم الملك, ويركب حصان الملك وينادي به في المدينة… وظل الملك يستمع إلي هامان, ثم قال له: اذهب واصنع كل ما قلته بفمك لمردخاي. ولكم أن تتخيلوا وقع هذه الكلمات الملكية علي هامان.
رابعا: بطل في الأمانة
* لما حدث قرار إبادة الشعب اليهودي كله, كلم مردخاي أستير, وأعلنت صوما وصلاة ثلاثة أيام, وبشجاعة دخلت أستير للملك وأخذت عفوا منه لشعبها, ولما كان مردخاي يتحدث مع أستير كان يحدثها كملكة بكل كرامة, وهو يوضح لها أن إبادة هذا الشعب قد تصل إليها أيضا.
* مردخاي كان إنسانا ثابتا علي المبدأ, لم يفقد إيمانه بالرغم من أنه في بلاد غريبة, ولم يفقد مبادئه بالرغم من أن قريبته كانت الملكة, لذلك الآباء المفسرون يقولون: إن مردخاي رمز للمسيح.
* مردخاي لبس ثوبا ملكيا رمزا للمسيح ذاته, وركب الفرس الملكي رمز النعمة الكبيرة, وارتدي تاج الملك فصار له شركة مع المسيح, ونودي أمامه كممجد مثلما عمل المسيح الذي كرم الإنسان ورفعه من خطيته وأعطاه خاتما ـ رمزا للسلطة أو السلطان ـ وحطم مرسوم الموت أي قتل الموت أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ (اكو15: 55).