يؤكد علماء النفس أن القدوة أو المثال أحد العناصر الأساسية الحاسمة في تشكيل وتحديد معظم القيم والاتجاهات والأخلاقيات وطرق السلوك لدي الأطفال, ذلك أنه نظرا لافتقار الأطفال إلي معيار موضوعي لتقييم الذات, فإنهم يعتمدون علي ما يعتقدون أنه الصورة التي يريدهم الآخرون أن يكونوا عليها, بالتالي فهم يعتمدون علي التشبه بسلوك الراشدين وقيمهم, وما يتصورون أنه فكرة الكبار عنهم, ومن أبرز مظاهر السلوك التي تؤكد اتجاه الأطفال إلي التشبه والتأثر بمن يحيطون بهم, ظاهرة التعلق بالأبطال, التي تبدو كأوضح ما تكون في بداية سنوات المراهقة. وقليل من الأولاد والبنات الأسوياء النمو, في مجتمعنا الحديث من تخلو حياتهم من الخبرات التي تدور حول التشبه بالبطل, التي يبدو أنها تخدم غرضا أساسيا, وهو مساعدة الفرد في الانتقال من طور الطفولة إلي طور الرشد.
إن التشبه بالأبطال وبأعمال البطولة هو تطور صحي بالنسبة لاتجاه خيال الأطفال, فبحث الطفل عن البطل أو النموذج هو تعبير عن حاجة نفسية أساسية لدي الأطفال للعثور علي القدوة أو المثال, إنه وسيلة رئيسية من وسائل النمو, والانتقال من مرحلة إلي مرحلة, وسعي الطفل لأن يكون مقبولا وذا مكانة بين رفاقه, وبذلك يصبح البطل لدي الأطفال عنصرا مهما في تشكيل قيمهم واتجاهاتهم وأخلاقياتهم وطرق سلوكهم.
وبالتالي أصبح علي المسئولين عن ثقافة أبناء الأجيال الجديدة وتربيتهم أن يضعوا أمام الصغار بكل الطرق المتاحة نماذج للأبطال في مختلف نواحي القيم والسلوك, حتي لا يضل الطفل أو المراهق خلال بحثه عن بطله الذي يقتدي به, لهذا يجب أن نضع أمام الأطفال أنماطا مختلفة من البطولات, بحيث يستطيع كل طفل أن يعثر علي نموذجه الذي يتفق مع أكثر ميوله إلحاحا وبروزا.
وتقديم البطولات للناشئين يمكن أن يتم بجميع وسائل الاتصال بالأطفال: بالقصة والكتاب, بالمسرحية والفيلم والأغنية, بالبرامج المسموعة والمرئية, بالتماثيل في أفنية المدارس وجوانب الميادين العامة, بالصور واللوحات في الكتب أو علي جدران غرف الدراسة, بالنحت البارز والفسيفساء علي واجهات ومداخل المباني العامة وقاعات المؤتمرات والمحاضرات وأماكن العروض الفنية بالاهتمام بمختلف مظاهر تكريم الأبطال مثل إنشاء المباني التذكارية العظيمة التي تضم رفاقهم, أو بإطلاق أسمائهم علي الأماكن العامة, مثل الميادين والشوارع والجامعات وقاعات المحاضرات والمسارح, أو تحويل مساكنهم إلي متاحف, وإقامة متاحف تضم مخلفاتهم وتجمع ما أنتجه الفنانون لتخليدهم.
ولا يكفي أن نذكر أبطالنا مرة كل عام, في ذكري مولدهم أو وفاتهم أو استشهادهم, بل لابد من أن نبرز من حياتهم بصفة دائمة ما نريد أن نعمقه في أطفالنا من قيم واتجاهات, عن طريق مختلف الوسائل الفنية والثقافية.
يقول في هذا الدكتور زكي نجيب محمود: الطريقة إلي تقديم المثال, هي أن يضطلع كاتب بترجمة لحياة شخص شهده تاريخنا القديم أو الحديث, يشهد منه موقفا عمليا كان بمثابة التطبيق الفعلي لما نريده لأنفسنا من طرائق الفكر وقواعد السلوك, لكن لكتابة التراجم طريقة أخري هي طريقة القصة والفرق بين التراجم وبين قصة الأديب الروائي, هو أن هذه من خلق الخيال, وأما تلك فتلتزم الواقع الذي وقع, فقصة الحياة مزيج من القصة والتاريخ, فيها من القصة الأدبية طريقتها وفيها من التاريخ صدق الوقائع.
ومادام الهدف من تقديم الأبطال والبطولات إلي أطفالنا هو التربية وليس تعليم التاريخ, فإن الكاتب لا يكون ملزما, بالتالي, يذكر كل الأحداث التاريخية المتعلقة بموضوعه, بشرط ألا يؤدي ذلك إلي تغيير جوهري في الحقيقة التاريخية, كما أن للكاتب حرية اختيار أحد التفسيرات المقبولة لواقعة معينة, وليس لزاما عليه أن يذكر كل وجهات النظر أو أن يناقشها, بل من حق الكاتب القصصي أن يأخذ الروايات الضعيفة, مادام ذلك في صالح إبراز القيم والاتجاهات التي يتوخاها في موضوعه, وله أن يبتدع, في مجال الدوافع النفسية, وجهات نظر جديدة, وفي ضوء ما نهدف إليه من توجيه المراهق إلي بطل يتمثل به, فإنه لا يعاون علي تحقيق هذا الهدف أن نتناول في عملنا الفني سلبيات البطل ومواطن ضعفه, وإلا أضعفنا بهذا ما نهدف إليه من وضع نموذج مثالي للسلوك أمام الطفل.
ولعل من أهم القيم التي يمكن أن نقدمها لأطفالنا من خلال قصص الأبطال والبطولات, التأكيد علي أن العظمة الحقيقية هي القدرة علي تحمل المسئولية الاجتماعية بنجاح, مهما صادف الإنسان في ذلك من صعوبات أو مشاق أو جحود وقدرة الأبطال علي مواجهة القوي الخارجية التي جابهتهم في صلابة وإيمان بالأهداف دون يأس أو ضعف, وتذكير الأطفال بما قدمته أمتهم للحضارة والإنسانية من علم وفن ودفاع عن الحياة, وهو ما يؤثر تأثيرا قويا وفعالا علي مبدأ اعتزاز الطفل بقومه, وزيادة وعي الأطفال بالأبطال الذين قادوا بلده في مواقفها الصعبة, وأنقذوها من محنها, وعملوا لإخراجها من مراحل التخلف والهزيمة, والذين ضحوا في سبيل مثل هذه الأهداف بكل راحة أو متعة أو كسب, وهو ما يثير الرغبة لدي الأطفال في خدمة وطنهم والتضحية في سبيله بكل شيء.
كما أن تقديم البطولات يجب أن يهدف إلي زيادة قدرة الأطفال علي الإفادة من الماضي في تأمل الحاضر وتطويره, والسعي إلي مستقبل أفضل, بحيث ينمو وعي الأطفال القومي, مما يجعلهم أقدر علي الاستجابة لمشكلات وطنهم وآماله, كما ينمي قدرتهم علي المشاركة في مختلف جوانب حياة أمتهم, فإنه بقدر ما يعطي الإنسان من جهد في حاضره يكون مستقبله, والمستقبل الأفضل يعني مزيدا من الجهد من جانب أبناء الأمة في حياتهم الحاضرة.
لقد شوه الاستعمار كثيرا من صور أبطالنا وتاريخنا, وحاول تأكيد كثير من المفاهيم الهابطة التي عطلت حياتنا زمنا طويلا, وعلينا, عن طريق تقديم مختلف بطولاتنا القومية لأطفالنا وشبابنا, أن نمحو تلك الصور, ونبث بدلا منها مفاهيم الجرأة والإقدام, وتحمل المسئولية, والعمل الدائم للخير العام.
E.mail: [email protected]