(1) : لعبة الإبداع
في مدينة الغنايم بحضن الجبل الغربي القريب من محافظة أسيوط, قضيت ساعتين حافلتين بالحيوية, مع مائة وسبعين من رواد مكتبة الأطفال بقصر الثقافة. قرأنا معا قصة الحمامة والنملة, التي حكاها إيسوب, حكيم اليونان في القرن السادس قبل الميلاد. إنها قصة الحمامة التي أنقذت النملة من الغرق, عندما ألقت إليها بورقة شجر علي سطح الماء, فتسلقتها النملة. وفي اليوم التالي عضت النملة ساق الصياد الذي أراد أن يصطاد الحمامة, فطاش سهمه ونجت الحمامة.
ثم تسابق الصغار يؤلفون للقصة مختلف العناوين, أو يمثـــلون الحوار الذي دار بين الحمامة والنملة, ويبتكرون في هذا الحوار كثيرا من الصور والانفعالات والتعبيرات, لأن حيوية لعبة التمثيل هنا تدور حول الابتكار, بدلا من تكرار ما قاله الآخرون.
في النهاية سألتهم : لنفترض أن الحمامة لم تجد أية ورقة شجر, فماذا كان يمكنها أن تفعل؟. قال البعض: تلقي إلي النملة بغصن شجرة.
وقال آخرون: تلتقطها بمنقارها. أو: تحملها علي جناحها. وعند كل اقتراح تتعالي الأصوات مبينة عدم سلامته.
أخيرا وقفت فتاة في الثامنة من عمرها, هادئة الملامح بسيطة الملابس, وقالت في ثقة وثبات: تنتزع الحمامة بمنقارها ريشة من جناحها, وتلقيها علي وجه الماء قرب النملة.
عندئذ توقفت المناقشات والاعتراضات, وارتفع التصفيق من الجميع, تحية لهذا التفكير الإبداعي المبتكر!!
(2) : شكوي الغزال
كانت حيوانات الغابة تعرف أن الرجل صاحب اللحية البيضاء, الذي يعيش عند طرف الغابة, قادر أن يقدم كثيرا من الخدمات السحرية لأصدقائه من الحيوانات. ذات يوم ذهب إليه الغزال وقال: الإنسان يقسو علينا, والحيوانات المتوحشة تفتك بنا, هل يمكن أن تساعدني؟.
قال الرجل العجوز: سأعطيك أسنانا حادة تشبه أسنان النمر, ومخالب قوية مثل مخالب الأسد, وبذلك تستطيع أن تخيف باقي الحيوانات. أجاب الغزال: وظيفة هذه الأسلحة الاعتداء علي الأبرياء وأنا لا أريد هذا. كما أن كثيرا من الحيوانات التي أحبها ستخاف مني وتهرب عندما تعرف باقترابي.
قال العجوز: إذن سأعطيك كميات من السم تستعملها مثل الثعبان. أجاب الغزال: لكنني لا أطيق قتل أي إنسان بالسم.. سأموت حزنا لو فعلت شيئا مثل هذا.
قال العجوز: إذا كنت ترفض مثل هذه الأسلحة, فتوقف عن الشكوي مما يحيط بك من أخطار. قال الغزال: لقد اعتدت أن أكون سببا في خير الآخرين, ولن أستطيع أن أكون سببا في إيقاع الأذي بهم. ثم عاد إلي قطيعه, وهو يشعر بالرضي عن قدراته وحياته.
(3) : أخف الأكياس
يحكي أن سيدة كانت تشكو من كثرة الواجبات التي يجب أن تقوم بها. كانت تهتم بوالدتها المريضة, وتعاون زوجها في أعماله, ثم بدأت تعاني من ضعف في بصرها.. وأحست أنها لا تستطيع أن تواجه كل تلك الأعباء.
ذات ليلة حلمت أنها تقف وسط مكان متسع, وحولها أكياس كثيرة سوداء منتفخة بما في داخلها, وبجوارها رجل عجوز يحرسها. وكانت هي نفسها تحمل فوق ظهرها كيسا أسود تتململ من ثقله.
التفت إليها الحارس العجوز وقال: إذا كان هذا الكيس الذي تحملينه ثقيلا, فيمكنك أن تلقيه هنا, وتختاري لنفسك بدلا منه كيسا من بين هذه الأكياس التي تملأ الساحة, وتحتوي علي متاعب الآخرين. في الحال ألقت السيدة الكيس الذي كانت تحمله.. لكن العجوز كتب اسمها عليه, ثم تركه وسط غيره من الأكياس.
أما السيدة فبدأت تقلب الأكياس الكثيرة واحدا بعد الآخر, وكلما حملت كيسا تجده ثقيلا غاية الثقل, فتلقيه ثانية. أخيرا وصلت إلي كيس خفيف, فهتفت قائلة: الحمد لله.. هذا أخف كيس وجدته هنا. قال لها الحارس العجوز: يمكنك إذن أن تأخذيه وتنصرفي.
انطلقت السيدة في طريقها إلي الخارج وهي تحس بالرضا, عندما سألها العجوز: هل تعرفين كيس من هذا؟!. أجابت السيدة: كلا يا سيدي. قال: انظري.. أن اسمك مكتوب عليه.. إنه نفس الكيس الذي كان معك منذ البداية!.
أحنت السيدة رأسها خجلا, وخرجت صامتة راضية وهي تقول لنفسها: حقا.. من نظر إلي متاعب غيره هانت عليه متاعبه.
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]