(1) : السلطان يختار زوجة
تقول الحكايات الهندية إن سلطان الهند الشاب خرج يوما يصطاد. وفجأة هبت عاصفة شديدة, وانهمرت السيول الجارفة, فتشتت الجنود بعيدا عن سلطانهم. وبحث السلطان عن مكان يحميه من العاصفة, فأخفي شخصيته, حتي وصل إلي بلدة نزل في بيت عمدتها, باعتباره فارسا ضل طريقه.
لكن العمدة لم يقم له بواجب الضيافة كما يجب, فأحس السلطان المتخفي بألم وضيق شديدين, لكن أحدا لم يشعر بذلك. فلما أقبل الليل, جاء رعاة البلدة يشكون للعمدة أن حليب المواشي نقص كثيرا عما اعتادوه منها, مع أن المواشي أكلت أفضل طعام في ذلك اليوم.
وكان لعمدة القرية ابنة جميلة شديدة الذكاء, فقالت: لاشك أن أحد أبناء هذه البلدة قد ارتكب خطأ كبيرا, والطبيعة تنبهنا بما فعلت بمواشينا إلي هذا الخطأ الكبير.
عندئذ قال والدها العمدة: إذا كان هذا ما حدث حقا, فلن نستطيع البقاء في هذه البلدة بعد الآن, لأن ذلك الخطأ سيظل يعمل أثره في منع الخير عنا.
فقالت البنت: إذا كنا سنترك هذا المكان, فلن نستطيع أخذ كل ممتلكاتنا معنا, لذلك أري أن نقدم للضيف الذي نزل عندنا كل ما توجبه الضيافة الكريمة. قال والدها: هذا اقتراح سليم . ثم أظهر البشاشة للضيف, وأمر بتقديم أفضل أنواع الطعام له. ثم استدعي عازفا ماهرا, فأطربهم بأجمل الأغاني والألحان.
عندئذ دخل رئيس الرعاة مهللا, وقال للعمدة: حدث الآن شيء غريب. لقد فاض الحليب من البقر والغنم, وملأنا باللبن جميع ما عندنا من أوعية.
هنا قالت البنت: لا شك أن الخطأ الذي وقع في القرية قد تم إصلاحه, فأعاد الله نعمته بالخير علينا. وسمع السلطان المتخفي بما قالته البنت. فلما رجع إلي عاصمته, أرسل يخطبها ليتزوجها. وبعث مع الرسول يقول: إن فتاة تؤمن أن الخير لابد أن يجلب الخير, وأن الشر لابد أن يجلب الشر, هي خير فتاة يمكن أن تكون زوجة للسلطان.
(2) : تحية علي الهواء
حكي لي صديقي الخبير الإعلامي, قال: في صباح اليوم, ترقرقت الدموع في عيني. سألته: لماذا؟ فحكي الحكاية الآتية, قال: في إشارة مرور ميدان الجيزة, وقفت بنا السيارة التي تقودها ابنة أختي. عندئذ تقدم صبي مبتسم الوجه, حافي القدمين, يعرض علينا عقدا من الفل. وعندما حاولنا أن نسأله عن ثمن العقد, أدركنا أنه لا يسمع ولا يتكلم, وذلك عندما حاول أن يجعلنا نفهم من إشاراته أن الثمن هو خمسون قرشا.
وتناولت ابنة أختي العقد منه, وأخرجت من حقيبتها جنيها. ثم أعطته النقود وأعادت إليه عقد الفل. لكن الصبي أسرع يعيد إليها العقد.
وفي تلك اللحظة, تغيرت إشارة المرور. وقبل أن ننطلق بسيارتنا, نجحت ابنة أختي في إعادة العقد, ليتلقفه الصبي الصغير.
والتفت أنا إليه أراقبه, فوجدته قد ضم أصابع يده, ولمس بها شفتيه, ثم أرسل بأصابعه قبلة علي الهواء, تحية لفتاة لا يعرفها, لكنه أحس بمدي ما يربط إنسانا بآخر من مشاعر وأحاسيس.
(3) : مريضة بالحب والعطاء
يحكي أن أحد كبار الأطباء المتخصصين في الأمراض النفسية والعصبية فوجئ بمريضة تدخل عيادته وتطلب منه علاجا لحالتها التي وصفتها بأنها مريضة بالحب والعطاء بدون مقابل!! قالت وهي تبكي: أنا لا أشعر بالراحة إلا إذا قدمت خدماتي وحبي للآخرين, لكن الناس يعتبرونني ساذجة وغير طبيعية!! وقالت المريضة وهي تبكي: أريد دواء يوقف هذا الحب المتدفق مني لكل الناس.
قال لها الطبيب: إذا توصل أحد العلماء إلي علاج سحري لفرملة الحب والعطاء عند الناس, لطالبت بإعدامه, لأن الحياة لا تسير إلا بالحب والتعاطف, ولولا الحب لتعرضت الأرض ومن عليها للإبادة والفناء.
وأضاف الطبيب النفسي أن قدرة الإنسان علي الحب تتراوح بين صفر و(100) درجة. بعض الناس منحهم الله القلب القادر علي الحب والعطاء بلا حدود وبدون مقابل, لكن توجد نسبة (10%) من البشر قلوبهم كالحجر, يعيشون بدون عواطف, وهم مجموعة من المرضي نفسيا يتسببون في معاناة الآخرين بما يرتكبون من قسوة وافتراء واعتداء وحسد وحقد ووقيعة بين الناس.
وقال طبيب الأمراض النفسية: بالرغم من الألم الذي تشعرين به نتيجة خيبة أملك في الناس, فلا شك أنك يجب أن تسعدي بإنسانيتك, وليس عندي شك أنك ستجدين قلوبا, تبادلك نفس العطاء. لكنني مع ذلك أثق بأن الحب النبيل لا ينتظر مقابلا!!.
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]