أرجو أن تسمحوا لي أن أحتفل بأقراني وبنفسي, نحن الذين ولدنا في العالم خلال العام الميلادي 1949, طالما أنه ليست هناك أي بادرة للاحتفال بنا, وقد رودتني الفكرة للمرة الأولي في العام 2009, عندما بلغنا سن الستين, وأحيل الكثيرون منا إلي التقاعد خاصة الذين ارتبط منهم بوظائف حكومية محلية في فترة قررت فيها الدولة ألا تقوم بمد سنوات العمل لمن يتجاوز السن القانوني, لكنني رأيت الكثيرين منهم يستكمل العمل باعتبار أننا يجب ألا نتوقف عن المساهمة في الحياة مهما حاول العمر أن يصيبنا بالشيخوخة أو الانشراخ.
بدأت الحكاية بالنسبة لي عام 1989, حين احتفل العالم بمرور قرن من الزمن علي ميلاد عباقرة في كل الدنيا في كل المجالات منهم شارلي تشابلن, وأرنولد توينبي وأدولف هتلر وجوال لال نهرو, وجان كوكتو, ومن الأحداث العالمية افتتاح برج إيفل, ومن العالم العربي عباس العقاد وطه حسين والمؤرخ عبدالرحمن الرافعي, وبعد ثلاثين عاما من هذا التاريخ, أي في العام الحالي هاهو العالم يحتفل بمئوية أسماء عالمية وعربية عديدة, ومنهم الأديب إحسان عبدالقدوس والمخرجون: كمال الشيخ, وحسن الإمام, وكمال عطية, وعز الدين ذو الفقار, وإن شاء الله في العام 2049, يجب الاحتفال بمن هم الآن في سن السبعين, إنها دورة الحياة تدور, في زمن الاحتفاليات والتكريمات.
من الصعب في أغلب الأحيان حصر القائمة الكاملة لأبرز المواليد, ولكن الأسماء التي قمت بحصرها تؤكد أن الظاهرة تتكرر كل ثلاثين عاما, باعتبار أن الذين بلغوا السبعين هذا العام كانوا بالفعل من البارزين للغاية في مجالاتهم, مثلا في مجال التمثيل والسينما عالميا وعربيا: ميريل ستريب. وجيسكا لانج, وريتشارد جير وسيجورني ويفر, وسيسي سباسيك, وفي مصر: أحمد زكي, وأحمد راتب, وأحمد حلاوة, المخرج أسامة فوزي, وناهد يسري, ومن أدباء العالم باتريك زوسكايند مؤلف رواية العطر, وأمين معلوف الذي صار عضوا في الأكاديمية الفرنسية بفضل رواياته الرائعة عن التاريخ العربي ومنها سمرقند, وحدائق النور والأديب البريطاني كين فوليت صاحب رواية قط وفأر التي تدور أحداثها في مصر, والمغني الأمريكي مايكل ريتشي, وعارضة الأزياء البريطانية تويجي, والكاتبة المصرية سلوي بكر, وإيفانا ترامب, ورجل العصابات الدولية بابلو أسكوبار وأيضا سعادة السيد محمد ابن راشد حاكم دبي.
وبالفعل هناك تشابه واضح بين العامين الذين نتكلم عنهما من خلال نوع المواليد, فقد ولد في كل عام منهما خليط غريب من الأشرار, والأدباء والمبتكرين, ونجوم السينما, بما يعني عبقريتي الخير والشر معا فالمعادل المقرب لأدولف هتلر في 1889, هناك بابلو أسكوبار المهرب الأرجنتيني المعروف, وكلاهما مات في الميدان, الأول في ميدان حرب عالمية راح فيها ملايين البشر, والثاني مات وهو في قمة نشاطه الإجرامي. أما في مجال السينما, فإن تشابلن ملأ عصره بالأفلام التي قام ببطولتها والتمثيل فيها وإخراجها والتأليف الموسيقي, أما عام 1949 فلم ينجب مثل تشابلن الذي لن يتكرر لعقود قادمة, لكن الممثلين, أو بعضهم علي الأقل, كانوا خير من أنجبهم زمانهم ومنهم ميريل ستريب, وأحمد زكي, وفي مجال الأدب فلينا أسمان علي الأقل ستظل أعمالهما خالدة لقرون عديدة هما باتريك زوسكايند الذي تنتظره جائزة نوبل هذا العام مؤلف رواية الحمامة, ثم الكاتب اللبناني الأصل أمين معلوف أحد الأدباء العرب القلائل الذين حلوا علي جائزة جونكور الفرنسية, وصار أيضا عضوا في الأكاديمية الفرنسية التي كان جان كوكتو من أبرز أعضائها, ومن أهدافها الحفاظ علي تراث اللغة الفرنسية وآدابها.
نحن أمام حالة ملحوظة من التنوع في الأنشطة, والهوايات القومية وأيضا في الوظائف, والمكانة الاجتماعية, لكن السمة البارزة عند أكثرهم هو الذكاء المتوقد في ممارسة أنشطته, وكل ذلك يبدو واضحا لدي سمو الأمير محمد بن راشد, حاكم دبي الذي استكمل رحلة بناء دولته بعد رحيل الشيخ زايد الذي أسس كيانا بالغ التحضرفي صحراء الخليج, وتم استكمال المسيرة, فكأنك في دبي تعيش في مدينة غربية معاصرة تم تأسيسها علي أفضل طراز, وكان حلم المسئولين فيها أن تتمتع بامتلاك أشياء هي الأكبر من نوعها مثل برج الشيخ خليفة.