وما المعاني اللاهوتية للصليب؟
تعيد الكنيسة بعيد الصليب في 17 توت (27 سبتمبر) يوم ظهوره للملك قسطنطين, وفي يوم 10 برمهات (19 مارس) يوم عثور الملكة هيلانة علي خشبة الصليب المقدسة.
ونحن نريد اليوم أن نتكلم عن الصليب بمعناه الروحي, وعن أهمية الصليب وبركته في حياتنا.
الصليب هو كل مشقة نتحملها من أجل محبتنا لله أو محبتنا للناس, لأجل الملكوت عموما.
* * *
الصليب هو الباب الضيق الذي دعانا الرب إلي الدخول منه (مت7:13).
وقال لنا: في العالم سيكون لكم ضيق (يو16:33), وتكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي (مت10:22), بل تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله (يو16:2), لو كنتم من العالم, لكان العالم يحب خاصته.. ولكن لأنكم لستم من العالم, بل أنا اخترتكم من العالم, لذلك يبغضكم العالم (يو15:19). وهكذا كان القديس بولس الرسول يعلم أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله (أع14:22).
فإن حملت صليبا, اقبل ذلك بفرح بسبب ما سوف تناله من أكاليل, إن كنت لا تشكو ولا تشك.
* * *
أنواع كثيرة من الصلبان سوف تواجهك, منها الجهاد والاحتمال والصبر, ومنها التعب في الخدمة وفي التوبة, وأيضا احتمال التأديب من الله ومن الآباء..
فلا تتذمر كلما حملت صليبا, ولا تظن أن الحياة الروحية لابد أن تكون سهلة, وطريقها مفروش بالورود.
وإلا فعلي أي شيء سوف تكافأ في الأبدية؟ وأيضا ما معني كلام الرب عن الباب الضيق (مت7:13)؟
كيف تحمل الصليب عمليا؟
1- الصليب هو علامة حب وبذل وتضحية وفداء تحمله كلما تعبت لأجل ممارسة هذه الفضائل.
حاول أن تتعب من أجل إراحة غيرك, ومن أجل إنقاذه وخدمته وثق أن الله لا ينسي أبدا تعب المحبة, بل كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه (1كو3:8)..
تدرب أن تعطي: مهما بذلت وتحملت وضحيت.. وتدرب أن تعطي أيضا من أعوازك, كما فعلت الأرملة.. المطوبة (لو21:4).. اتعب في خدمتك بمقدار تعبك, يظهر حبك, وبذلك تظهر تضحيتك.
* * *
2- الصليب أيضا علامة ألم واحتمال:
الآلام العظيمة التي احتملها السيد من أجلنا, سواء آلام الجسد, التي قال عنها: ثقبوا يدي وقدمي, وأحصوا كل عظامي.. أو آلام العار التي احتملها من أجلنا في سرور, أي وهو مسرور بخلاصنا.
لهذا قال عنه الرسول: من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي (عب12:2).
ما أعظم الاحتمال أن يكون بسرور, إنه درس لنا.
وأنت تحمل صليبا, إن كنت من أجل الرب تحتمل ضيقته, أو من أجل برك ينالك اضطهاد, أو من أجل ذلك تصاب بمرض أو ضعف.. كذلك إن كنت تحتمل متاعب الناس دون أن تنتقم لنفسك, بل تحول الخد الآخر, وتمشي الميل الثاني ولا تقاوم الشر (مت5:39-42) بل تصبر, والصبر صليب.. سواء كان احتمالك وصبرك في محيط الأسرة, أو في مجال الخدمة أو في نطاق العمل.
* * *
3- وتحمل صليبا, إن كنت تصلب الجسد من الأهواء (غل5:24).
فتبذل كل جهدك لكي تصلب رغبة أو شهوة خاطئة, وتنتصر علي نفسك. وتصلب فكرك كلما أراد أن يشرد بك, كلما تضبط حواسك وتلجم لسانك وتقهر ذاتك, وتمنع جسدك عن الطعام محتملا الجوع, مبتعدا عن كل طعام شهي, وعن كل لذة جسدية, وعن محبة المال.
* * *
4- وتحمل صليبك في إنكار ذاتك بأخذ المتكأ الأخير:
وبعدم السعي وراء الكرامة وبتنازلك عن حقوقك, وعدم أخذ حقك علي الأرض, وبتفضيل غيرك علي نفسك في كل شيء بالمحبة التي لا تطلب ما لنفسها (1كو13:5), وبالتواضع والزهد, والبعد عن المديح والكرامة.
5- وتحمل صليبك بأن تحمل خطايا الآخرين, فهكذا فعل السيد المسيح.
لا مانع أن تحتمل ذنب غيرك وتعاقب عنه بدلا منه, أو أن تحتمل مسئوليات غيرك وتقوم بها عوضا عنه, وكما قال القديس بولس لفليمون عن أنسيموس: إن كان قد ظلمك بشيء أو لك عليه دين فاحسب ذلك علي.. أنا أوفي (فل18, 19).. علي قدر استطاعتك اشترك في آلام الآخرين, وارفعها عنهم, وكن قيروانيا تحمل صليب غيرك.
معاني لاهوتية للصليب:
حينما نرشم الصليب, نتذكر كثيرا من المعاني اللاهوتية والروحية المتعلقة به:
1- نتذكر محبة الله لنا, الذي من أجل خلاصنا, قبل الموت عنا كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه, والرب وضع عليه إثم جميعنا (إش53:6), حينما نرشم الصليب نتذكر حمل الله الذي حمل خطايا العالم كله (يو1:29), (1يو2:2).
* * *
2- وفي الصليب نذكر خطايانا.
خطايانا التي حملها علي الصليب, التي من أجلها تجسد وصلب..
وبهذا التذكر نتضع, وتنسحق نفوسنا, ونشكر علي الثمن الذي دفعه لأجلنا لأنكم اشتريتم بثمن (1كو6:20).
* * *
3- وفي الصليب نذكر العدل الإلهي:
كيف أن المغفرة لم تكن علي حساب العدل, بل استوفي العدل الإلهي حقه علي الصليب, فلا نستهين بالخطية, التي ثمنها هكذا.
* * *
4- وفي رشمنا للصليب نعلم تبعينا لهذا المصلوب.
إن الذين يأخذون الصليب بمجرد معناه الروحي, داخل القلب, دون أية علامة ظاهرة لا يظهرون هذه التبعية علنا, التي نعلنها برشم الصليب وبحمل الصليب علي صدورنا, وبتقبيل الصليب أمام الكل, وبرشمه علي أيدينا, وبرفعه علي أماكن عبادتنا.
إننا بهذا كله, إنما نعلن إيماننا جهارا,ولا نستحي بصليب المسيح أمام الناس, بل نفتخر به, ونتمسك به, ونعيد له أعيادا.. ونتمسك به.. حتي دون أن نتكلم, مجرد مظهرنا يعلن إيماننا..
* * *
5- ونحن لا نرشم الصليب علي أنفسنا في صمت, إنما نقول معه باسم الآب والابن والروح القدس.
وبهذا نعلن في كل مرة عقيدتنا بالثالوث القدوس الذي هو إله واحد إلي الأبد آمين. وهكذا يكون الثالوث في ذهننا باستمرار, الأمر الذي لا يتاح للذين لا يرشمون الصليب مثلنا.
* * *
6- وفي رشم الصليب أيضا نعلن عقيدتي التجسد والفداء:
فنحن حين نرشم الصليب من فوق إلي تحت, ومن الشمال إلي اليمين, إنما نتذكر أن الله نزل من السماء إلي تحت أرضنا, فنقل الناس من الشمال إلي اليمين, ومن الظلمة إلي النور, ومن الموت إلي الحياة, وما أكثر التأملات التي تدور بقلوبنا وأفكارنا من رشم علامة الصليب.