أنطون سيدهم.. ومشوار وطني
أنطون سيدهم.. والسياسة الداخلية
لقد أصبحت كل وسائل الحياة ملوثة, الهواء ملوث, ومياه الشرب ملوثة, الخضراوات والفواكه ملوثة, وأجمعت أبحاث العلماء علي أن أيا من هذه التلوثات يهدد صحة الإنسان ويسبب له الكثير من الأمراض الخطيرة, فما بالك ونحن نعيش في زمن ملوث من جميع النواحي, من هو المسئول عن هذه المأساة, لا شك أنها الحكومة أولا, والشعب ثانيا, فالجميع مهملون ومستهترون إذ نحن في زمن الاسترخاء, فالكل يعيش في حالة عدم المبالاة.. توالت المؤتمرات العالمية والمحلية واشترك فيها كبارالعلماء والمتخصصين وقدموا التقارير والأبحاث التي قاموا بها والتي خرجوا منها بما يثبت خطورة تلوث البيئة علي صحة الإنسان وبالتالي علي مستقبله علي هذه الأرض, وخرجوا من هذه المؤتمرات بتوصيات عديدة للتخلص من هذا التلوث, ولم تجد هذه التوصيات التي تدق أجراس الخطر أي أذن صاغية, بل لقد أهملت تماما كل هذه الأبحاث والاحصاءات التي أعلنت, فمازالت في أدراج المسئولين تغط في نوم عميق لا تفيق منه, وحتي إذا تحركت الجهات المسئولة وأصدرت بعض التشريعات لمعاقبة مقترفي هذا التلوث, فإن هذه التشريعات تصبح حبرا علي ورق ولا قيمة لها, إذ لا تجد من ينفذها, فبسبب الاهمال والتكاسل, هذا إذا كنا حسني النية, أو المصلحة الذاتية والانحلال الخلقي يترك المسئولون الحبل علي الغارب لمسببي التلوث.
ها هي مدينة القاهرة وكذا المدن الكبري تغص بآلاف الأتوبيسات واللواري, وأغلبها تابع لهيئة النقل العام والشركات الحكومية, تنفث سمومها وغازاتها السامة منذ الصباح الباكر في جو العاصمة, ولا أحد يسائلها عن ذلك إذ هي أتوبيسات حكومية ولها الحق أن تفعل ما تشاء, هذا بخلاف الموتوسيكلات التي تخرج غازات بشعة, ولا أدري ما تستعمله من وقود حتي ينتج هذا الكم الفظيع من العادم السام, بل إن التاكسيات وأغلبها قديم كما أن بعضها يستعمل الكيروسين, تشترك اشتراكا فعالا في هذه الجريمة الشنعاء.
أما مياه النيل, الذي كان شريان الحياة ويحمل لنا المياه الثمينة النقية والمحملة بالطمي الذي يثري أرضنا ويغني نبتنا, فقد أصبح شريان السموم, فبعد أن كان يخترق الوادي شامخا مختالا أصبح الآن بائسا ملوثا, فعلي طول مجراه من أسوان حتي مصبه عند دمياط ورشيد والمصانع, وأغلبها قطاع عام, تقذف فيه بفضلاتها من المواد الكيميائية السامة, وهنا يتغاضي أيضا المسئولون عن هذه المخالفات الخطيرة, بل ويتركون أيضا المدن والقري التي تقع علي شاطيء النهر تلقي فيه بمياه الصرف الصحي الملوثة, فضلا عن مياه الصرف الزراعي المحملة ببقايا المبيدات الحشرية السامة, وقد تسببت كل هذه المكونات في القضاء علي أغلب أسماك النيل وخصوصا الأنواع الممتازة منها, والتي كانت غذاء مهما للشعب وخصوصا فقراءه, وقد أدي ذلك إلي نقص كمية الأسماك إلي 20% وهو نقص خطير, وهذا سبب الارتفاع الكبير في أسعار السمك.
أما جثث الحيوانات النافقة والمتعفنة والتي تقذف في النيل وكأنه أصبح مقبرة للحيوانات فقد أصبحت من الظواهر الطبيعية أن تري هذه الجيف عائمة علي مياه النيل طوال مجراه, وهي ظاهرة مؤذية وسيئة, وأسوأ دعاية لمصر, وخصوصا بالنسبة للسائحين الذين يستقلون الفنادق العائمة من الأقصر إلي أسوان وبالعكس.
إنه بالدراسة الدقيقة لأسباب التلوث الخطيرة التي حلت بمصر نجد أن الحكومة هي السبب والفاعل الأصلي لما نسبته 70% من هذا التلوث سواء الغازات السامة المنبعثة من أتوبيساتها أو سياراتها النقل الخاصة بمرافقها, أو بما تقذفه مصانعها في النيل من فضلات سامة, أما باقي أسباب هذا التلوث فسببه أيضا هو الحكومة لإهمال إداراتها المختلفة وموظفيها العتاولة في تنفيذ قوانين البيئة التي صدرت وتصدر ولا تهتم الحكومة بتنفيذها.
إن تلوث البيئة لهو شيء خطير بل وخطير جدا علي صحة شعب مصر ويسبب له العديد من الأمراض المزمنة والقاتلة, والذي يجب أن تتعاون الحكومة والشعب علي مناهضة وتنفيذ قوانين المحافظة علي البيئة بكل دقة واهتمام.
إننا لن نمل من الكتابة في هذا الموضوع حتي يصحو الجميع علي مكافحة هذا الخطر الداهم.