أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
إن الهدف الأول للوزارة الجديدة هو إصلاح اقتصاد مصر.
وتصريحات السيد الرئيس حسني مبارك, والسيد رئيس الوزراء, تعطي صورة واضحة لسوء الحالة الاقتصادية, ووجوب تضافر جميع القوي للقيام بعمل حاسم للنهوض بالاقتصاد وإصلاح مساره.
إن المشاكل الاقتصادية الحالية لا ذنب للحكم الحالي فيها, بل هي رواسب الحكومات السابقة, وما وضعته من نظم غير مدروسة العواقب, برعونة, وبدون تقدير للنتائج الوخيمة التي أوقعت البلاد فيها, كما أنها تراكمات لمساوئ أدت إليها قوانين أصدرتها الدولة انسياقا لأهواء وشعارات أطلقها من يفتقرون إلي الخبرة والحكمة.
إن الحروب المتوالية, والسياسات الخاطئة التي خاض غمارها هؤلاء برعونة وسوء تقدير, حملت البلاد بأعباء جسام أكثر من طاقتها, مما أدي إلي التردي في باهظ الديون, والتي أصبحت أقساطها وفوائدها فوق احتمال موارد الدولة.
لقد سبق أن كتبنا مرارا منبهين ومحذرين من خطورة الحالة الاقتصادية, مطالبين بوجوب الإسراع في العمل علي إيجاد الحلول الحاسمة والجريئة والحازمة, للخروج من هذه الأزمة العاتية, التي قد تأتي علي الأخضر واليابس, وتوقع البلاد فيما لا يرضاه أحد.
والآن وقد أصبحنا تحت وطأة عوامل قاسية:
* هبوط أسعار البترول عالميا, فقد صرح في الأسبوع الماضي السيد أحمد زكي اليماني وزير البترول السعودي, وأحد الخبراء القلائل في العالم في الشئون البترولية, بأن أسعار البترول في يناير عام 1986 ستهبط إلي 18 دولارا للبرميل -ولما كان كل دولار ينقص في أسعار برميل البترول يسبب لنا خسارة قدرها 70 مليون دولار- ولما كان السعر الرسمي لبيع البرميل الآن 27 دولارا- فمعني هذا أن ميزان المدفوعات المصري سيخسر 630 مليون دولار سنويا.
* إن سوق السياحة في مصر في ركود مؤسف لعدة أسباب لا مجال لشرحها الآن, مما زاد العجز في ميزان المدفوعات.
* نتيجة لهبوط أسعار البترول, ونقصان استهلاكه عالميا, فإن دخل البلاد عربيا قد نقص نقصا كبيرا, بل إن بعض بلاد الخليج تقوم الآن بالاستدانة من البنوك العالمية, وأدي هذا إلي استغنائها عن خدمات الكثير من العاملين المصريين بها, وبذا فقد نقصت تحويلات المصريين من الخارج بنسبة كبيرة جدا.
كل هذه العوامل أدت إلي ارتفاع سعر الدولار هذا الأسبوع إلي 180 قرشا للدولار الواحد, ومعني ذلك هو هبوط قيمة الجنيه المصري هبوطا كبيرا, مما سيؤدي إلي ارتفاع أسعار الحاجيات الضرورية ارتفاعا لا يمكن أن تتحمله الطبقات الكادحة والمطحونة.
حقا إن المشكلة عويصة وقاسية, وإنا لمشفقون علي الحكومة من هذا الموقف الذي لا تحسد عليه, فالحالة خطيرة, وعلاجها بالوسائل العادية غير مجد, لقد نادي الكثيرون بزيادة الإنتاج, ولكنهم وقفوا عند هذا الشعار الجميل ولم يوضحوا كيفية ووسائل زيادة الإنتاج.
إن زيادة الإنتاج هي الوسيلة الوحيدة لانتشال البلاد من وهدتها, وتحسين ميزان مدفوعاتها, وتعديله لصالح مصر, ولكن ليس بزيادة الإنتاج بنسب صغيرة تتراوح بين 7 و10 في المائة, بل يجب أن تكون بمضاعفة الإنتاج.
إن الوصول إلي مضاعفة الإنتاج زراعيا وصناعيا يستوجب ثورة تكنولوجية وتعديل الكثير من القوانين والنظم التي حولت المصريين من شعب نشيط ومنتج إلي شعب خامل ومتكاسل كل همه الاستهلاك والمتعة والإنجاب مما جعل البلاد تتردي في هوة الفقر والديون.
إن أمامنا دول الشرق الأقصي, كاليابان, وهونج كونج, وكوريا الجنوبية, وتايوان, وسنغافورة.. التي تعمل شعوبها بجد واجتهاد وإيمان, إذ يصل عمل الفرد اليومي إلي عشر ساعات.. وأمامنا ما وصلت إليه من تقدم وغني وحياة كريمة.. وعلي الجانب الآخر أمامنا شعوب العالم الثالث, والتي ركنت إلي الراحة والخمول والتواكل, وما هي عليه من فقر قاس وديون طائلة.
حقيقة -وبكل الصدق- فإن علينا أن نختار بين الطريقين: طريق العمل الدائب والجاد, وبذل الجهد -كل الجهد- وما يؤدي هذا بالبلاد إلي سداد ديوننا الطائلة, وإلي الغني والرخاء الذي يعم الجميع.. وبين الاسترخاء والراحة والمتعة, وما ينجم عن ذلك من انحلال, وفقر, وتأخر, وجوع.