أنطون سيدهم.. والقضايا الاقتصادية
** ونحن نقبل علي مرحلة هامة من العمل المكثف الجاد لحل مشاكل الوطن التي تضخمت ملفاتها وتعددت وسائل علاجها دون جدوي.. لابد أن تكون خطواتنا محسوبة تقوم علي الفهم الموضوعي للواقع الذي تعيشه الجماهير, وفي نفس الوقت لابد من التخطيط السليم الشامل الذي تتوفر له ضمانات التنفيذ فلا يختنق تحت ظاهرة القرارات المتضاربة المتناقضة, ولا يصيبه الشلل إزاء تعقيدات اللوائح والقوانين بتفسيراتها العرجاء أو المغرضة.
* وعلي مدي فترة طويلة صدرت مئات القرارات, واجتمعت مئات اللجان المتخصصة.. وبقدر ما ارتفعت تلال التوصيات وتراكمت الدراسات والمشروعات وتعددت الحلول.. وصلنا إلي هذه الدرجة التي يبدو فيها واقعنا وكأنه عزت الحلول وأوصدت أبواب الرجاء!
* وفي قمة ما يواجهنا من المشاكل الوضع الاقتصادي الراهن.. إن الإنتاج الزراعي لا يكفي سد حاجتنا من الغذاء, وكانت مصر علي مدي عمرها الطويل تغطي بانتاجها حاجات سكانها بل كانت دولة مصدرة للغذاء, واليوم أصبح شغل الدولة الشاغل هو كيف تدبر الرغيف لملايين الأفواه, كما أصبح استيراد المواد الغذائية يشكل عبئا ثقيلا علي ميزان المدفوعات المصري.
* وفي مجال الصناعة فإن الوضع ليس أحسن حالا.. وكان من الممكن وقد مضي وقت طويل علي بدء أساليب الثورة الصناعية في مصر أن نصل إلي مستوي جيد من الإنتاج كيفا وكما.. ولكن ماحدث كان تخبطا مهينا من حيث نوعية آلات المصانع التي أنشئت وأماكن وجودها وأساليب انتاجها.. الأمر الذي أدي إلي شكوي المواطنين من سوء انتاجها هذا إذا تمكنوا من الحصول عليها.. وفي الخارج لم يحدث اقبال عليها بالرغم من محاولة تخفيض أسعارها.
* وتفاقمت مشكلة الإسكان حتي أصبحت هما مقيتا بالنسبة للجماهير, وكانت الحلول التي تقدم.. والقرارات التي تصدر لعلاجها من عوامل تعقيدها وتأزمها.. هذا إلي جانب الخدمات في المواصلات والتليفونات والمياه والمجاري.. وأصبح واقع الجماهير مرارة ومكابدة وعناء ما بعده عناء.
* ولقد تولي الرئيس أنور السادات مسئولية الأمة منذ عام ..1970 وهو يستشعر منذ اللحظة الأولي لتوليه هذه الأمانة المعاناة التي تعيشها الجماهير في حياتها اليومية, ومن هنا كان عمله الدائم لرفع هذه المعاناة, وبالتالي فقد أخذت الدولة بسياسة الانفتاح الاقتصادي لإطلاق نحركات الإنتاج, والبدء في عملية إعادة أمانة الثورة إلي الشعب.
* واليوم.. ونحن علي أعتاب المرحلة الجديدة الهامة من أجل الجماهير يمضي الرئيس السادات بكل الجهد والإخلاص لتحقيق آمال الجماهير, ويكلف رئيس الوزراء بأن يقدم للشعب بيانا مفصلا لما لدي الحكومة من حلول للقضايا المصري يشكل بالنسبة للوزراء الجديد أولي الاهتمامات لاجتياز الخندق الذي تجهد عنده كل التطلعات إلي واقع أفضل.
* وإذا كان الاقتصاد المصري في مقدمة ما تواجهه الوزارة الجديدة, وإذا كان المسئول عنه جهاز مخصص علي أعلي درجة من الكفاءة والرغبة المخلصة في إحداث التغيير المنشود فإننا علي ثقة من أن مصر تمتلك الكثير من الإمكانيات التي نستطيع يها أن تحقق الكثير من الإنجازات لو أحسن استغلال هذه الإمكانيات.
لدينا الامكانيات المادية والكفاءة البشرية ومئات المشروعات التي تجتذب رؤوس الأموال في الداخل والخارج ولا تحتاج لكي تعطي أطيب الثمرات لعصي سحرية بقدر ما تحتاج إلي الدراسة الموضوعية والتخطيط الشامل والنوايا الخالصة التي لا تبغي سوي وجه الله والوطن والمواطنين.
* يجب تخطيط خريطة مصر من الإسكندرية شمالا إلي أسوان جنوبا زراعيا وصناعيا وإسكانا ومواصلات وخدمات, وأن يكون التخطيط جامعا متكاملا فلا تعالج مشكلة بحيث تخلق مشكلة أخري, ويجب أن تتم الدراسات علي مستوي أكبر الأخصائيين العالميين بالتعاون مع الخبراء المصريين وهم بحمد الله كثيرون.
* لابد من إحداث ثورة من أساليب الزراعة ترفع انتاجيتها, ويوجد العديد من مراكز البحوث الدولية للعديد من المنتجات الزراعية.. بحوث القمح والذرة في المكسيك والأرز في الفلبين والبطاطس في بيرو.. إذ ليس من المعقول أن تسير الزراعة علي نفس الزسلوب وبنفس المحاصيل التي أدخلها محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر عندما كان تعداد سكان مصر نحو ثلاثة ملايين نسمة!.. يجب دراسة تربة ومياه وهواء الأراضي في جميع أراضي مصر لزراعة المحاصيل والبذور المناسبة لتعطي أحسن المحاصيل وأكثرها استجابة لهذه الظروف.
وفي مجال الصناعة يجب إعادة دراسة جميع المصانع وآلاتها وانتاجها ومكان اقامتها, وإلغاء غير الاقتصادي منها, أو استبدال ما يكون قديم الطراز بالات أخري تساير الثورة الصناعية التي تستفيد من التكنولوجيا ومنجزات العلم إلي أقصي الحدود.
وهكذا في كل المجالات.. لم نصل بعد إلي الطريق المسدود.. وفي الإماكن القضاء علي المعوقات والسلبيات وتحقيق سياسة الانفتاح وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية.
* وبعد.. إن تركة مثقلة يواجهها الدكتور عبدالمنعم القيسوني نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية ومعه مجموعة وزراء القطاع الاقتصادي.
والجماهير علي ثقة أن ثمة تغييرات ستحدد المسار الاقتصادي وصولا إلي رفع المعاناة وبعث الأمل من جديد.
وكل ما ترجوه الجماهير.. أن تتحقق آمالها في المرحلة القادمة, وما تتطلع إليه الجماهير ليس من ضرب المستحيل.. فمصر بامكانياتها والجهود المخلصة والدراسة الجادة تستطيع أن تتجاوز مصاعب أزمتها الاقتصادية, وتجد الحلول للعديد من مشاكلها التي تضخمت واستفحلت بسبب النظرة الضيقة الأفق.. والارتجال.. والشعارات المضللة.