أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
قرأت هذا الأسبوع في إحدي الصحف المعارضة, لأحد أساتذة الاقتصاد عن ديون مصر, وساءني جدا ما جاء بهذا المقال بما فيه من تجن, ولا أقول من مغالطات, لأن الكاتب هو أحد رجال الاقتصاد ذو الباع الطويل في هذا الميدان, مما لا يجعل هناك أي شك في أنه وقع في هذه الأخطاء, بل هو ذكرها عامدا متعمدا لمهاجمة النظام الحالي, وهو يعلم تماما بعدها عن الحقيقة والصواب. إن استمرار ذكر هذه التفاصيل التي لا تمثل الواقع تشوش أفكار الجماهير وتبتعد بها عن صحيح المسار الذي سار فيه اقتصاد مصر في السنوات الأخيرة, وتسيء إلي النظام الحالي ظلما وعدوانا.
ذكر سيادته في صدر مقاله فالدين العام تتوزع أثقاله بين الداخل والخارج, وبين الدين المدني والدين العسكري, ولا أحد يستطيع أن يفيدنا عن أحجام هذه الديون.. لقد دهشت كل الدهشة لهذا القول, لأن السيد الكاتب أحد أساتذة الاقتصاد وقطعا لا يفوته دراسة التقرير السنوي للبنك المركزي, والذي يصدره البنك المذكور سنويا وبصفة مستمرة, ويعتبر مرجعا مهما للموقف الاقتصادي المصري, إن التقرير السنوي للبنك المركزي يفرد فصلا خاصا للدين المصري الخارجي والداخلي, موضحا به كل البيانات والمعلومات الخاصة لهذه الديون. وما اعتورها من زيادة أو تغيير. وما كان لسيادته أن يلقي في روع القارئ أن الحكومة تخفي علي الشعب حقيقة ومقدار هذه الديون.
لا أريد مناقشة ما جاء بالمقال المذكور عن استخدام الديون الخارجية ومآخذه علي هذه الاستخدامات, ولكنني أود أن أوضح أن الديون الخارجية تنقسم إلي ديون عسكرية وأخري مدنية, فالعسكرية منها استخدمت في تغطية بعض إمدادات الجيش المصري بالأسلحة اللازمة في الحروب المختلفة التي خاضها منذ سنة 1956 وحتي حرب 1973, وهي الحرب التي خاضها الجيش المصري لرفع ذل الهزيمة التي تحملتها البلاد منذ حرب 1967, هذه الديون وما أضيف إليها من فوائد لا ذنب للنظام الحاكم فيها, ولم يكن منها مفر.
إن الحروب المذكورة جعلت الدولة توجه أغلب مواردها لتغطية تكاليف هذه الحروب, فأهملت صيانة وتجديد المرافق العامة, مما جعل المرافق المختلفة سواء في القاهرة أو في عواصم المحافظات والمدن الكبري في أسوأ حال, وازدادت شكاوي الشعب من طفح المجاري الذي غطي الشوارع والأزقة وجعل السير فيها مشكلة المشاكل, كما أخذت مياه الشرب يضعف وصولها إلي المساكن كما أن انفجار مواسير المياه المستمر تسبب في انقطاع وصول المياه إلي أحياء كثيرة, أما أعطال التليفونات المستمرة فقد سبب ارتباكا للأعمال المختلفة فقد ساءت حال هذا المرفق إلي أقصي الحدود, وكذا انقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب قدم محطات القوي المحركة ضايق المواطنين كما سبب توقف المصانع عن الإنتاج في فترات متقاربة, وناهيك عن وسائل المواصلات التي تكدست بالمواطنين حتي أصبح الانتقال من مكان لآخر عملية تعذيب وإذلال للأفراد.
رأت الحكومة أن استمرار الحال بهذا الشكل المؤذي لا يمكن أن يستمر, كما أن زيادة السكان استتبعتها زيادة العمران ووجوب العناية بالمرافق العامة التي هي البنية الأساسية للعاصمة والمدن الكبري, فقامت بتجديد شبكة المياه في العاصمة وزيادة محطات التكرير بقدرات أعلي حتي يمكن تغذية المدينة وضواحيها بالمياه الكافية, وكذا عواصم المحافظات والمدن الأخري. أما المجاري التي كانت مشكلة كبري للقاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن فقد لجأت إلي البيوت الاستشارية العالمية التي قدمت لها المشروعات المناسبة للموقف وقامت بتنفيذها وإن ولم يكتمل بعضها بعد -كما أقامت الكثير من محطات القوي الكهربائية لتغذية البلاد بالكهرباء والقوي المحركة اللازمة لزيادة العمران والتوسع الصناعي اللازم للتنمية, أما التليفونات التي كانت شبكة مهلهلة, فقد استخدمت الشركات العالمية في تجديدها واستحدث أحدث الأجهزة الحديثة الإلكترونية, فبعد أن كان من الصعب الاتصال بأحد الأصدقاء في نفس المدينة, أصبح الآن وبكل سهولة الاتصال الفوري بأي جهة في جميع أنحاء العالم وفي نفس اللحظة.
إن المواصلات التي كانت متعثرة ومكدسة بالمواطنين, ومع زيادة السكان والاتجاه إلي استخدام السيارات الخاصة بشكل شبه جماعي جعل التحرك في مدينة القاهرة عملية صعبة جدا ومع مرور الزمن تصبح مستحيلة, فقد قامت الحكومة بإنشاء الطرق والكباري العلوية الضخمة لتسهيل حركة المواصلات وسيولة المرور, كما أنها أنشأت مترو الأنفاق الذي استوعب الكثير من الحركة في وسط المدينة, كما أنها استوردت عشرات الآلاف من الأتوبيسات لاستيعاب الملايين من الركاب الذين لم يكن لهم مكان في وسائل المواصلات, إن ما قام به النظام من مشروعات متوالية ومستمرة لخدمة وسائل النقل والمواصلات بالقاهرة والإسكندرية وعلي طول الجمهورية ليعتبر معجزة لم يكن يتصورها أحد.
إن ما قامت به الحكومة من ثورة عارمة في تجديد المرافق العامة وتوسيعها ليعتبر إنشاء جديدا للبنية الأساسية للبلاد وبعد أن كانت علي وشك الانهيار -كل هذا تكلف عشرات المليارات من الجنيهات أغلبها بالعملات الصعبة.
كما أن تجديد آلات المصانع وإنشاء صناعات أخري جديدة استوعب الكثير من الديون الخارجية.
يلوم سيادته الحكومة في استخدامها أغلب الديون الخارجية في تمويل مشروعات البنية الأساسية ذاكرا أنه كان يجب الاعتماد علي الذات في تمويل هذه المشروعات بالمواد المحلية بدلا من القروض, وقد نسي سيادته أو تناسي بأن أي مشروع يستلزم الكثير من الآلات والمستلزمات التي تستورد من الخارج وهو ما استعمل في تمويله القروض الخارجية, أما الأجزاء من المشروع كالأراضي والمباني وغيرها فكانت تمول داخليا, أي أن جميع القروض الخارجية كان لابد منها لتمويل استيراد لوازم المشروعات التي لا يمكن الحصول عليها داخليا.
أكتب هذا ليس للدفاع عن الحكومة والنظام الحاضر, ولكن لأعرض الحقيقة علي الشعب ليكون علي بينة من الأمر بدلا من محاولة التغرير به وزرع معلومات غير حقيقية في أذهانه, وهذه هي المهمة الحقيقية للصحافة.